[ التفريق بين الذي يسلم وبين امرأته ]
المثال الأربعون : رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة أن لم يكن يفرق بين من أسلم وبين امرأته إذا لم تسلم معه ، بلى متى أسلم الآخر فالنكاح بحاله ما لم تتزوج } هذه سنته المعلومة . رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
قال : أسلم الشافعي أبو سفيان بن حرب بمر الظهران ، وهي دار خزاعة ، وخزاعة مسلمون قبل الفتح ودار الإسلام ، ورجع إلى مكة ، وهند بنت عتبة مقيمة على غير الإسلام ، فأخذت بلحيته وقالت : اقتلوا الشيخ الضال ، ثم أسلمت هند بعد إسلام بأيام كثيرة ، وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الإسلام ، أبي سفيان بها مسلم وأبو سفيان وهند كافرة ، ثم أسلمت قبل انقضاء العدة واستقرا على النكاح ; لأن عدتها لم تنقض حتى أسلمت ، وكان كذلك وإسلامه ، وأسلمت حكيم بن حزام امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة ، وصارت دارهما دار الإسلام وظهر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب ، وصفوان يريد اليمن وهي دار حرب ، ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار الإسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول ، وذلك أنه لم تتقض عدتها ، وقد حفظ أهل العلم بالمغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة ، فقدم زوجها وهي في العدة ، فاستقرا على النكاح ، قال الزهري : لم يبلغني أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها ، وإنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها .
وفي صحيح { البخاري قال : كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم : أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ، وأهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه ; فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر ، فإذا طهرت حل لها النكاح ، فإن هاجرت قبل أن تنكح ردت إليه ابن عباس } ، وفي سنن عن أبي داود عن قال : { ابن عباس زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ، ولم يحدث شيئا بعد ست سنين } وفي لفظ رد رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لأحمد } ، وعند ولم يحدث شهادة ولا صداقا الترمذي : { } ، وقال ولم يحدث نكاحا الترمذي : هذا حديث حسن ليس بإسناده بأس ، وقد روي بإسناد ضعيف عن عن أبيه [ ص: 254 ] عن جده { عمرو بن شعيب أبي العاص بنكاح جديد } . أن النبي صلى الله عليه وسلم : ردها على
قال الترمذي : في إسناده مقال ، وقال الإمام : وهذا حديث ضعيف ، والصحيح أنه أقرهما على النكاح الأول ، وقال أحمد : هذا حديث لا يثبت ، والصواب حديث الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الأول ، وقال ابن عباس الترمذي في كتاب العلل له : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : حديث في هذا الباب أصح من حديث ابن عباس ، فكيف تجعل هذا الحديث الضعيف أصلا ترد به السنة الصحيحة المعلومة ويجعل خلاف الأصول ؟ فإن قيل : إنما جعلناها خلاف الأصول لقوله تعالى : { عمرو بن شعيب لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك } وقوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ولأن اختلاف الدين مانع من ابتداء النكاح ; فكان مانعا من دوامه كالرضاع .
قيل : لا تخالف السنة شيئا من هذه الأصول ، إلا هذا القياس الفاسد ; فإن هذه الأصول إنما دلت على تحريم نكاح الكافر ابتداء والكافرة غير الكتابيين ، وهذا حق لا خلاف فيه بين الأمة ، ولكن أين في هذه الأصول ما يوجب تعجيل الفرقة بالإسلام وأن لا تتوقف على انقضاء العدة ؟ ومعلوم أن افتراقهما في الدين سبب لافتراقهما في النكاح ، ولكن توقف السبب على وجود شرطه وانتفاء مانعه لا يخرجه عن السببية ، فإذا وجد الشرط وانتفى المانع عمل عمله واقتضى أثره ، والقرآن إنما دل على السببية ، والسنة دلت على شرط السبب ومانعه كسائر الأسباب التي فصلت السنة شروطها وموانعها ، كقوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } وقوله : { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا } ونظائر ذلك ; فلا يجوز أن يجعل بيان الشروط والموانع معارضة لبيان الأسباب والموجبات فتعود السنة كلها أو أكثرها معارضة للقرآن ، وهذا محال .