الإعراب:
قوله تعالى: جزاء سيئة بمثلها : قال ابن كيسان: الباء زائدة، والمعنى: جزاء سيئة مثلها.
وقيل: الباء مع ما بعدها الخبر، وهي متعلقة بمحذوف قامت مقامه، المعنى:
[ ص: 348 ] جزاء سيئة كائن بمثلها؛ كقولك: (إنما أنا بك) ؛ أي: إنما أنا كائن بك، ويجوز أن تتعلق الباء بـ {جزاء} ؛ التقدير: جزاء سيئة بمثلها كائن؛ فحذف خبر المبتدأ.
أبو علي: يجوز أن يكون المصدر في تقدير فعل مبني للمفعول؛ كأنه أريد: يجزون سيئة، فذكر المصدر في موضع الفعل؛ كقولك وقد جرى ذكر زيد: "عجبت من إعطاء الدرهم"؛ أي: من أن أعطي درهما، فتضيف المصدر إلى المفعول، وتحذف المسند إليه الفعل الذي المصدر في موضعه، كما تحذف الفاعل مع المصدر الذي هو في موضع الفعل في قوله تعالى: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير [فصلت: 49]، قال: ويجوز أن تكون على تقدير: لهم جزاء سيئة بمثلها؛ فتكون مثل قوله: فعدة من أيام أخر [البقرة: 184]، وشبهه، والباء على هذا التقدير أيضا تتعلق بمحذوف حسب ما تقدم؛ كأنه قال: لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها.
ومن أسكن الطاء من قوله: قطعا من الليل مظلما ؛ فـ (القطع) : اسم لما قطع، و {مظلما} على هذه القراءة منصوب على أنه نعت لقوله: {قطعا} ، ويجوز أن يكون حالا من {الليل} ، ومن فتح الطاء؛ فهو جمع (قطعة) ، ونصب قوله: {مظلما} على أنه حال من {الليل} .
وقوله: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت : {هنالك} : ظرف منصوب بـ {تبلو} ، [ ص: 349 ] وتقدم معنى القراءتين.
{كذلك حقت كلمات ربك} : موضع الكاف من {كذلك} نصب؛ المعنى: مثل أفعالهم جازاهم ربك.
أنهم لا يؤمنون : يجوز أن يكون موضع (أن) نصبا؛ على تقدير: لأنهم لا يؤمنون، و (الكلمة) على هذا: ما وعدوا به من العذاب، ويجوز أن يكون موضعها رفعا؛ على معنى: حق عليهم أنهم لا يؤمنون؛ فـ (أن) : بدل من {كلمات} .
قل الله يهدي للحق أي: يهدي من يشاء هدايته للحق؛ فحذف أحد المفعولين.
وقوله: أحق أن يتبع : خبر المبتدأ الذي هو (من) ، من قوله: {أفمن} ؛ وموضع {أن} نصب؛ على تقدير: بأن يتبع، أو رفع بالابتداء، والخبر: {أحق} مقدما، والجملة خبر الابتداء الأول، ويجوز أن تكون {أن} رفعا على البدل من (من) ، وهو بدل الاشتمال.
والقول في القراءات المذكورة في {يهدي} كالقول في: {يخطف} [البقرة: 20] ونظائره، وقد تقدم.
ومن قرأ: {يهدي} ؛ فمعناه: لا يهدي غيره، لكنه يحتاج إلى أن يهدى؛ فهو استثناء منقطع، وقيل: إن أصله: (يهتدي) ، فحذفت التاء؛ لاجتماع المتقاربين؛ [ ص: 350 ] كما حذفوها من (استطاع) ، فقالوا: (اسطاع) .
قل فأتوا بسورة مثله : من قرأ بالإضافة؛ فهو على حذف الموصوف، وإقامة الصفة مقامه؛ المعنى: بسورة كلام مثله، أو ذكر مثله، أو ما أشبه ذلك، ووجه التنوين ظاهر.
{ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا} : العامل في {يوم} : يجوز أن يكون فعلا مضمرا؛ التقدير: اذكر يوم نحشرهم، ويجوز أن يعمل فيه ما يدل عليه كأن لم يلبثوا ؛ كأنه قال: ويوم نحشرهم يشبهون، أو نحوه.
ويجوز أن تكون كأن لم يلبثوا صفة لـ(اليوم) ، ويكون التقدير: ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا قبله، فحذف (قبل) ، والضمير العائد على الموصوف، وقد تقدم القول في مثله؛ نحو: واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة: 48]، ولا يمتنع كونه صفة وإن كان الموصوف ظرفا؛ لأنه معرب، ومضاف إلى معرب، فوصفه لا يمتنع؛ لتصرفه وإعرابه، ولو كان مضافا إلى ماض؛ كان وصفه أقبح؛ لجواز البناء فيه، وشبهه بغير المتمكنة.
ويجوز أن يتعلق {ويوم نحشرهم} بـ {يتعارفون} ؛ كأنه قال: يتعارفون يوم نحشرهم.
ويجوز أن يكون كأن لم يلبثوا حالا لضمير المفعولين في {نحشرهم} ، والضمير في {يلبثوا} راجعا على صاحب الحال، ولا حذف في الكلام؛ كأنه قال: ويوم نحشرهم مشبهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة من النهار.
[ ص: 351 ] وقوله: يتعارفون بينهم : في موضع الحال من الهاء والميم في {نحشرهم} ، ويجوز أن يكون منقطعا؛ كأنه قال: فهم يتعارفون.
وقوله: ماذا يستعجل منه المجرمون : يجوز أن تقدر {ماذا} اسما واحدا في موضع نصب بـ {يستعجل} ، والهاء عائدة على اسم الله تعالى، أو على (العذاب) ، ويجوز أن يكون (ذا) بمعنى: (الذي) ، و (ما) : في موضع رفع بالابتداء، و (ذا) : خبر عنها، والعائد محذوف.
وأجاز أن يكون {ماذا} اسما واحدا في موضع رفع، والخبر في الجملة، وأنكر ذلك الزجاج: أبو علي؛ بسبب أن {يستعجل} مسلط على {ماذا} ، فكما أنك لو قلت: أي شيء يستعجل المجرمون من العذاب؟ لظهر الإعراب؛ إذ قد وقع الفعل بعد الاستفهام، ولم يشتغل بضمير؛ كذلك يكون ماذا يستعجل منه المجرمون ، إلا أن يحمل على تقدير: أي شيء يستعجله منه المجرمون؟ فيحذف الضمير -وهو المضاف- وهو مراد؛ كما يقال: (زيد ضربت) ، و (كله لم أصنع) ؛ فيجوز ذلك، وليس بقوي.
وقوله: أثم إذا ما وقع : من فتح الثاء؛ فهي ظرف؛ والمعنى: أهنالك؟ [ ص: 352 ] وقد تقدم القول فيه وفيمن ضم الثاء في التفسير.
وقوله: آلآن وقد كنتم به تستعجلون : {آلآن} : حكاية حال: أن لو كانت كيف كانت تكون؟ وهو متعلق بمحذوف مضمر مراد؛ تقديره: آلآن صدقتم به عند نزوله بكم وقد كنتم تستعجلون به تكذيبا؟ فقوله: وقد كنتم به تستعجلون مثل قوله: (وقد كنتم به تكذبون) ؛ لأنهم لو صدقوا به؛ لم يستعجلوه، فدل على الفعل الذي يتعلق به {آلآن} ما قبله، فكأن التقدير: أثم إذا ما وقع آمنتم به؟ آلآن آمنتم به لما وقع وقد كنتم به تكذبون؟
ويستنبئونك أحق هو : قوله: أحق هو : ابتداء وخبر في موضع المفعول الثاني لـ(يستنبئون) على أن يكون بمعنى: (يستخبرون) الذي يتعدى إلى مفعولين، ولا يقتصر على أحدهما، ويجوز أن يكون بمعنى: (يستعلمون) ، فيتعدى إلى ثلاثة مفعولين؛ فالكاف: المفعول الأول، وقوله: أحق هو : في موضع المفعولين، و {هو} في قوله: أحق هو فاعل سد مسد الخبر، ويجوز أن يكون {هو} ابتداء، و {أحق} : خبره.
وقوله: فبذلك فليفرحوا : من قرأ بالياء؛ فلتقدم ذكر الغيبة في قوله: وهدى ورحمة للمؤمنين ، ومن قرأ الأول بالياء، والثاني بالتاء؛ فعلى الخروج من الغيبة إلى الخطاب.
[ ص: 353 ] وقراءة: {فلتفرحوا} ؛ بالتاء قليل في الاستعمال؛ لأنه لا يقال للحاضر: (لتقم) في الإخبار؛ لاستغنائهم عنه بـ(قم) ، فلما كثر أمر الحاضر؛ استخفوا، فحذفوا حرف المضارعة، وأدخلوا همزة الوصل؛ لكون الأول ساكنا في أغلب الأمر، وإنما كان أمر الحاضر أكثر من أمر الغائب؛ لأنك لا تقدر أن تخاطب الغائب؛ لبعده عنك، وإنما تأمر من يخاطبه، والحاضر تخاطبه مواجهة بغير واسطة؛ ولذلك قوي ضمير الحاضر على ضمير الغائب، فقالوا للحاضر: (أنت) ، وللغائب: (هو) ، ثم صاغوا لهما اسما واحدا للحضور، فقالوا: (أنتما) ، فضموا الغائب إلى الحاضر، ولم يضموا الحاضر إلى الغائب.
* * *