التفسير :
قوله تعالى : تلقون إليهم بالمودة : الباء متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل .
الفراء : تلقون إليهم بالمودة من صلة {أولياء} ، ودخول الباء في (المودة) [ ص: 389 ] وخروجها سواء .
ومعنى : تلقون إليهم بالمودة تخبرونهم بسرائر المسلمين ، وتنصحون لهم .
يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم المعنى : يخرجون الرسول ، ويخرجونكم من مكة؛ لأن تؤمنوا بالله ربكم .
وقيل : في الكلام تقديم وتأخير؛ والتقدير : لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي .
وقيل : في الكلام حذف؛ والمعنى : إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي ، وابتغاء مرضاتي؛ فلا تلقوا إليهم بالمودة .
[وقوله : تسرون إليهم بالمودة بدل من {تلقون} ، ومبين عنه ، وقيل : هو على تقدير : أنتم تسرون إليهم بالمودة] .
وهذا كله معاتبة لحاطب .
وقوله : عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة يعني : بإسلام من يسلم منهم .
ابن عباس : كانت المودة بعد الفتح تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان .
وقوله : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين : [أي : عن صلة الذين لم [ ص: 390 ] يقاتلوكم في الدين] ، والآية نزلت في قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وقوله : يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن : قال ابن عباس : كانت المحنة أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .
وروى ابن وهب عن رجاله : أن هذه الآية نزلت في أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف ، وهي امرأة حسان بن الدحداحة ، وتزوجها بعد هجرتها سهل بن حنيف ، قال : ونزل : ولا تمسكوا بعصم الكوافر في امرأة لعمر بن الخطاب ، وكانت كافرة ، فطلقها عمر ، وخلف عليها معاوية بن أبي سفيان .
وقيل : بل كانت له امرأتان مشركتان ، فطلقهما لما نزلت الآية ، فتزوج إحداهما معاوية ، والأخرى صفوان بن أمية .
وعن ابن عباس أيضا قال : كانت المرأة إذا جاءت النبي عليه الصلاة والسلام؛ أحلفها بالله إنها ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة بأرض عن أرض ، [ ص: 391 ] ولا التماس دنيا ، وما خرجت إلا حبا لله ورسوله .
وقوله : يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية : روي عن عائشة رضي الله عنها : أن المذكور في هذه الآية هو المحنة التي ذكر الله في الآية التي قبلها .
وقوله : ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن : قيل : معنى بين أيديهن : ألسنتهن ، ومعنى (بين أرجلهن) : فروجهن .
وقيل : بين أيديهن : ما كان من قبلة أو جسة ، و (بين أرجلهن) : الجماع .
وقيل : المعنى : لا يلحقن برجالهن ولدا من غيرهم .
ولا يعصينك في معروف : قال قتادة : لا يخن ، ولا تخلو امرأة منهن إلا بذي محرم .
زيد بن أسلم : هو ألا يخمشن وجها ، ولا يشققن جيبا ، ولا يدعون ويلا ، ولا ينشرن شعرا ، وروت أم عطية عن النبي عليه الصلاة والسلام : "أن ذلك في النوح" .
قوله : قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور : قال ابن مسعود :
[ ص: 392 ] معناه : أنهم تركوا العمل للآخرة ، وآثروا الدنيا ، وقيل : المعنى : يئسوا من ثواب الآخرة .
ابن زيد : هم اليهود ، وقيل : هم المنافقون ، الحسن : هم اليهود والنصارى .
ومعنى كما يئس الكفار من أصحاب القبور : كما يئس الأحياء من الكفار من أصحاب القبور أن يرجعوا إليهم ، قاله الحسن وقتادة .
مجاهد : المعنى : كما يئس الكفار الذين في القبور أن يرجعوا إلى الدنيا .
وقيل : المعنى : كما يئس الكفار الأحياء من أصحاب القبور أن يبعثوا .


