الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1933 باب قضاء رمضان في شعبان

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب جواز تأخير قضاء رمضان، ما لم يجئ رمضان آخر: لمن أفطر بعذر، كمرض وسفر وحيض، ونحو ذلك ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 20 - 21 ج8 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن أبي سلمة، قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو برسول الله صلى الله عليه وسلم ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              هكذا في النسخ: ( الشغل ) بالألف واللام. (مرفوع ). أي: يمنعني الشغل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              وتعني (بالشغل )، وبقولها في الرواية الثانية: ( إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يأتي شعبان ): أن كل واحدة منهن كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 89 ] مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها، إن أراد ذلك.

                                                                                                                              ولا تدري متى يريده ؟.

                                                                                                                              ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه. وهذا من الأدب.

                                                                                                                              قال النووي : وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر، إلا بإذنه.

                                                                                                                              لحديث أبي هريرة " في صحيح مسلم " في كتاب الزكاة.

                                                                                                                              وإنما كانت تصومه في ( شعبان ) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كان يصوم معظم (شعبان )، فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار.

                                                                                                                              ولأنه: إذا جاء (شعبان ) يضيق قضاء ( رمضان ). فإنه لا يجوز تأخيره عنه.

                                                                                                                              ومذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير السلف والخلف: أن قضاء رمضان " في حق من أفطر بعذر كحيض وسفر ": يجب على التراخي. ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان.

                                                                                                                              لكن قالوا: لا يجوز تأخيره عن (شعبان ) الآتي، لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله، وهو (رمضان الآتي ).

                                                                                                                              فصار كمن أخره إلى الموت.

                                                                                                                              [ ص: 90 ] وقال داود: تجب المبادرة به، في أول يوم بعد العيد من شوال.

                                                                                                                              وحديث عائشة هذا يرد عليه.

                                                                                                                              قال الجمهور: ويستحب المبادرة للاحتياط فيه.

                                                                                                                              فإن أخره، فالصحيح عند المحققين من الفقهاء وأهل الأصول ؛ أنه يجب العزم على فعله.

                                                                                                                              وكذلك القول في جميع الواجب الموسع: إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله. حتى لو أخره بلا عزم عصى.

                                                                                                                              وقيل: لا يشترط العزم.

                                                                                                                              وأجمعوا: أنه لو مات قبل خروج شعبان، لزمه الفدية في تركه، عن كل يوم: (مد ) من طعام.

                                                                                                                              هذا إذا كان تمكن من القضاء فلم يقض.

                                                                                                                              فأما من أفطر في رمضان بعذر، ثم اتصل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات، فلا صوم عليه. ولا يطعم عنه، ولا يصام عنه.

                                                                                                                              ومن أراد قضاء صوم رمضان: ندب مرتبا متواليا.

                                                                                                                              فلو قضاه غير مرتب أو مفرقا، جاز عندنا، وعند الجمهور ؛ لأن اسم الصوم يقع على الجميع.

                                                                                                                              وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجب تتابعه، كما يجب الأداء. انتهى كلام النووي.

                                                                                                                              [ ص: 91 ] وأقول: قد أخرج الدارقطني، من حديث ابن عمر: ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم: سئل عن قضاء رمضان، فقال: "إن شاء فرقه، وإن شاء تابعه " ).

                                                                                                                              وفي إسناده: سفيان بن بشر، وقد ضعفه بعضهم.

                                                                                                                              وقال ابن الجوزي: ما علمنا أحدا طعن فيه. ثم صحح الحديث.

                                                                                                                              ويؤيد ما دل عليه هذا الحديث " من التخيير"، قوله تعالى: فعدة من أيام أخر .

                                                                                                                              وهذه العدة: تصدق على ما كان مجتمعا ومتفرقا، لأنه يحصل من كل واحد منهما: (عدة ).

                                                                                                                              والبراءة الأصلية: قاضية بعدم التعبد بما هو أشق ما يصدق عليه معنى الآية، دون ما هو أخف.

                                                                                                                              وأما ما يروى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من كان عليه صوم من رمضان، فليسرده ولا يقطعه ". كما أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة: ففي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم بن العاصي، وقد ضعفه جماعة من الأئمة. وقال البيهقي : لا يصح. وأنكره أبو حاتم على عبد الرحمن.

                                                                                                                              [ ص: 92 ] وأما ابن القطان فقال: لم يأت من ضعفه بحجة. انتهى.

                                                                                                                              قال الشوكاني : ولكنه مع ذلك، لا ينتهض للنقل عن مجرد البراءة الأصلية، فضلا عما عضدها. انتهى.

                                                                                                                              هذا ما قاله في ( وبل الغمام ).

                                                                                                                              وقال في ( السيل الجرار ): إن المطلوب من العبد قضاء ما فات من رمضان، بعدد الأيام التي أفطرها. فإذا جاء بها متفرقة، فقد فعل ما طلب منه. كما لو جاء بها مجتمعة.

                                                                                                                              لأن كل يوم عبادة مستقلة، بنية وإمساك في وقت معين، من الفجر إلى المغرب.

                                                                                                                              فمن قال بوجوب التتابع، فقد أوجب صفة زائدة، وعليه الدليل الدال على ذلك.

                                                                                                                              ولم يأت من الأدلة على وجوب التتابع ما تقوم به الحجة.

                                                                                                                              بل الأدلة التي وردت في عدم وجوب التتابع، أنهض من الأدلة التي استدل بها الموجبون للتتابع، وإن كان الجميع لا تقوم بها الحجة.

                                                                                                                              نعم: إذا جاء بأيام القضاء متتابعة، فقد سارع إلى التخلص مما عليه. وبادر إلى امتثال الأمر. فهو من هذه الحيثية مندوب.

                                                                                                                              انتهى كلامه الشريف.

                                                                                                                              [ ص: 93 ]



                                                                                                                              الخدمات العلمية