الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1891 [ ص: 84 ] باب التخيير في الصوم والفطر، في السفر

                                                                                                                              وهو في النووي في ( باب جواز الصوم والفطر. . الخ ) حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 237 - 238 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر. فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن. ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ". قال هارون في حديثه: هي (رخصة ). ولم يذكر (من الله ). ]

                                                                                                                              وفي رواية أخرى عن عائشة، رضي الله عنها: ( أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: "صم إن شئت، وأفطر إن شئت". )

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              في هذا دلالة لمذهب الجمهور: أن الصوم والفطر جائزان في السفر.

                                                                                                                              [ ص: 85 ] وأما الأفضل منهما، فتقدم حكمه.

                                                                                                                              قال النووي : واستدل به الشافعي وأصحابه: على أن صوم الدهر وسرده غير مكروه، لمن لا يخاف منه ضررا، ولا يفوت به حقا. بشرط فطر يومي العيدين، ( وأيام ) التشريق ؛ لأنه أخبر بسرده، ولم ينكر عليه، بل أقره عليه وأذن له فيه في السفر. ففي الحضر أولى.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا محمول على أن حمزة الأسلمي، كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق، كما في رواية الباب: ( أجد بي قوة على الصيام ).

                                                                                                                              وأما إنكاره صلى الله عليه وسلم: على ( عبد الله بن ) عمرو بن العاص صوم الدهر، فلأنه صلى الله عليه وآله وسلم علم أنه سيضعف عنه.

                                                                                                                              وهكذا جرى، فإنه ضعف في آخر عمره، وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يحب العمل الدائم وإن قل، ويحثهم عليه. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: حديث: "لا صام من صام الدهر"؛ من أعظم الأدلة، الدالة [ ص: 86 ] على أن صوم الدهر مخالف لهديه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه نزل صوم صائم الدهر: منزلة العدم.

                                                                                                                              وفي رواية: ( لا صام من صام الدهر، ولا أفطر ). والحديث صحيح.

                                                                                                                              ويؤيده: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من نهيه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمرو بن العاص لما أراد أن يصوم الدهر.

                                                                                                                              وقال له: "لا تفعل".

                                                                                                                              فإنكاره صلى الله عليه وآله وسلم عليه: حجة لنا، لا علينا.

                                                                                                                              وقال لما بلغه عن المتكلفين في العبادة ؛ فقال أحدهم: أصوم ولا أفطر، إلى قوله: فقال: " أما أنا فأصوم وأفطر".

                                                                                                                              وفي آخر هذا الحديث: "فمن رغب عن سنتي، فليس مني".


                                                                                                                              وأما تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي في سرد الصوم، كما أخرجه الشيخان وغيرهما: فليس فيه دليل على صوم الدهر.

                                                                                                                              لأن السرد يصدق بصوم أيام متتابعة، وإن كانت ( بعض سنة )، فضلا عن أكثر منها.

                                                                                                                              ومن جملة الوعيد لمن صام الدهر: ما أخرجه ابن حبان وابن أبي شيبة، من حديث أبي موسى ؛ ( أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الدهر، ضيقت عليه جهنم " ).

                                                                                                                              [ ص: 87 ] وهذا وعيد شديد. ومن زعم: أنه ترغيب في صوم الدهر، فلم يصب.

                                                                                                                              والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية