الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2402 باب فضل يوم عرفة

                                                                                                                              ومثله في النووي.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 116 - 117 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن المسيب. قال: قالت (عائشة ) رضي الله عنها، (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار: من [ ص: 206 ] يوم عرفة. وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة. فيقول: ما أراد هؤلاء؟" ) ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              هذا الحديث، ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة. وهو كذلك.

                                                                                                                              ولو قال رجل: ( امرأتي طالق في أفضل الأيام ). فللشافعية وجهان: أصحهما: تطلق يوم عرفة، لهذا الحديث.

                                                                                                                              والثاني: يوم الجمعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: " خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم الجمعة ". رواه مسلم.

                                                                                                                              وهذا يتأول على أنه: أفضل أيام الأسبوع.

                                                                                                                              قال عياض : قال المازري : معنى ( يدنو ) في هذا الحديث: تدنو رحمته وكرامته، لا دنو مسافة ومماسة.

                                                                                                                              قال عياض : يتأول فيه ما سبق، في حديث النزول إلى السماء الدنيا، كما جاء في الحديث الآخر، ( من غيظ الشيطان يوم عرفة، لما يرى من تنزل الرحمة ).

                                                                                                                              قال: وقد يريد دنو الملائكة إلى الأرض، أو إلى السماء: ما ينزل معهم من الرحمة، ومباهاة الملائكة بهم، عن أمره سبحانه وتعالى.

                                                                                                                              [ ص: 207 ] قال: وقد وقع الحديث في صحيح مسلم مختصرا.

                                                                                                                              وذكره عبد الرزاق في مسنده، من رواية ابن عمر:

                                                                                                                              ( قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة. يقول: هؤلاء عبادي، جاءوني شعثا غبرا، يرجون رحمتي ويخافون عذابي، ولم يروني. فكيف لو رأوني ؟ ). وذكر باقي الحديث.

                                                                                                                              حكى ذلك عنه النووي .

                                                                                                                              وأقول: رحم الله تعالى النووي، والمازري، وعياضا، ومن وافقهم في تأويل أحاديث الصفات بما لا يرضى به القائل. ولا يدل عليه ظاهرها.

                                                                                                                              ولا أدري ! ما الداعي لهؤلاء العلماء، إلى صرف النصوص الصحيحة الصريحة المحكمة: عن ظواهرها ؟ والذهاب إلى تأويلاتها، التي مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل العلم بنفيها عن علم الدين. حيث قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

                                                                                                                              فهذا هو تأويل الجاهلين، الذين جهلوا مدارك الشرع المبين، ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف من طوائف المتكلمين.

                                                                                                                              ألم يعلموا: أن الإيمان بذلك واجب، والخوض فيه بدعة، والتأويل له تكذيب، وصرفه عن الظاهر تعطيل ؟.

                                                                                                                              [ ص: 208 ] أليس يكفي المؤمنين، أن يصدقوا الله ورسوله فيما قالاه، من دون تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل، وما ظاهر هذه الأدلة يأباه ؟

                                                                                                                              انظر هذا الحديث في النزول، كيف دل على رد التأويل المذكور، دلالة واضحة، فإنه ينادي بأعلى صوته على كلام الرب مع الملائكة، بعد هذا النزول.

                                                                                                                              فما معنى قولهم: إن المراد بالنزول: نزول رحمته، أو نزول ملائكته ؟ وهو صريح في أن الله ينزل، وأنه يباهي بهم، وأنه يقول: يرجون رحمتي، وأنه القائل: فكيف لو رأوني ؟

                                                                                                                              وإذا ثبت قصر هذا الحديث: على لفظه ومعناه الظاهر اللغوي: ثبت دنوه وقربه سبحانه أيضا.

                                                                                                                              لأن الصفات لها حكم واحد في الإيمان بها، وإمرارها على ما جاءت، من دون فرق بين صفة وصفة.

                                                                                                                              ( راجع كتاب النزول، لشيخ الإسلام ابن تيمية " رحمه الله " ). وكتاب ( الجوائز والصلات، لأبي الخير ): تهد إن شاء الله تعالى، إلى الصراط السوي والمنهج النبوي.

                                                                                                                              وقد ضاق قلبي عما رأيته، من كثرة تأويلات الشيخ النووي رحمه الله، في شرحه هذا لمسلم، ونقله إياها من غيره.

                                                                                                                              فرحم الله سبحانه من أنصف ولم يتعسف. ودار مع الحق الحقيق بالقبول حيث دار. وبالله التوفيق وهو المستعان.




                                                                                                                              الخدمات العلمية