لم يكن ظاهرا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة بعد الطلقة الثالثة أعيدت إلى زوجها بنكاح تحليل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد خلفائه، بل ونكاح التحليل لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المحلل والمحلل له، . ولم يذكر في التحليل الشهود ولا الزوجة ولا الولي، لأن التحليل الذي كان يفعل كان مكتوما، يقصده المحلل ويتواطأ عليه هو والمطلق والمرأة ووليها، لا يعلم قصدهم، ولو علم لم يرض أن يزوجه، فإنه من أعظم المستقبحات والمستنكرات عند الناس. ولعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده
فلما لم يكن على عهد تحليل، ورأى أن في إنفاذ الثلاث زجرا لهم عن المحرم، فعل ذلك باجتهاده رضي الله عنه. أما إذا كان الفاعل لا يستحق العقوبة، وإنفاذ الثلاث يفضي إلى وقوع التحليل المحرم بالنص والإجماع - إجماع الصحابة - والاعتبار، وغير ذلك من المفاسد، لم يجز أن تزال مفسدة بمفاسد أغلظ منها، بل جعل الثلاث واحدة في مثل هذه الحال - كما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر - أولى. [ ص: 364 ] عمر
ولهذا كان طائفة من العلماء مثل أبي البركات يفتون بلزوم الثلاث في حال دون حال، كما نقل عن الصحابة، وهذا إما لكونهم رأوه من باب التعزير الذي يجوز فعله بحسب الحاجة، كالزيادة على أربعين في الخمر، والنفي فيها وحلق الرأس; وإما لاختلاف اجتهادهم، فرأوه تارة لازما، وتارة غير لازم.