وجعله ولي عهده ، وكان عبد الملك قد أخذ على الوليد وسليمان أن يبايعا لابن عاتكة ، ولمروان بن عبد الملك من بعده ، فمات مروان في خلافة سليمان في منصرفه [ ص: 27 ] من مكة ، فبايع سليمان حين مات لأيوب ، وأمسك عن يزيد وتربص [به] ، ورجا أن يهلك ، فهلك وأيوب ولي عهده .
وفيها: فتحت مدينة الصقالبة .
وفيها: غزا الوليد بن هشام ، فأصاب ناسا من نواحي الروم فأسر منهم خلقا كثيرا .
وفيها غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان
في مائة ألف مقاتل سوى الموالي والمتطوعين . وجاء فنزل بدهستان فحاصرها ومنع عنهم المواد ، فبعث إليه ملكهم: إني أريد أن أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي ، وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها . فصالحه ووفى له ودخل المدينة ، وأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز ، ومن السبي ما لا يحصى ، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرا ، وكتب بذلك إلى ثم خرج حتى أتى سليمان بن عبد الملك ، جرجان ، وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف ، ومائتي ألف ، وثلاثمائة ألف ، وقد كانوا صالحوا ثم امتنعوا وكفروا ، فلم يأت بعد سعيد إليهم أحد ، ومنعوا ذلك الطريق فلم يسلكه أحد إلا على وجل [وخوف] منهم . سعيد بن العاص ،
فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح ، فاستخلف رجلا . ودخل طبرستان ، فعرض ملكها عليه الصلح ، فصالحه على سبعمائة ألف درهم - أو أربعمائة ألف درهم - نقدا ، وثلاثمائة ألف مؤجلة ، وأربعمائة ألف حمار موقرة زعفران ، وأربعمائة رجل على رأس كل رجل برنس ، وعلى البرنس طيلسان وجام من فضة وسرقة من حرير .
وكان على خزائن شهر بن حوشب فرفع إليه أنه أخذ خريطة فسأله عنها ، فأتاه بها ، فقال: هي لك ، فقال: لا حاجة لي فيها ، فقال القطامي: يزيد بن المهلب ،
[ ص: 28 ]
لقد باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟!
وكان فيما أصاب يزيد بن المهلب بجرجان تاج فيه جوهر ، فقال: أترون أحدا يزهد في هذا التاج؟ قالوا: لا ، فدعا فقال: خذ هذا التاج فهو لك ، قال: لا حاجة لي فيه ، قال: عزمت عليك إلا أخذته ، فأخذه ، وخرج فأمر يزيد رجلا ينظر ما يصنع به ، فلقي سائلا فدفعه إليه ، فأخذ الرجل السائل ، فأتى به يزيد ، فأخذ يزيد التاج وعوض السائل مالا . محمد بن واسعوكان سليمان يقول كلما رأى ليزيد بن المهلب قتيبة يفتح حصنا: أما ترى ما يصنع الله عز وجل على يدي قتيبة؟ فيقول يزيد: الشأن في جرجان . فلما ولي لم يكن له همه غير جرجان ، فجاء فصالحوه على ما ذكرنا .
ثم إنهم غدروا بجنده ، فقتلوا منهم ، ونقضوا العهد ، فأعطى الله عهدا لئن ظفر بهم لا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل .
فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء ، ولا يعرف لها مأتى إلا من وجه واحد ، فكانوا يخرجون فيقاتلونهم ويرجعون إلى حصنهم ، فدله رجل على [طريق] آخر يشرف عليهم ، فبعث معه جندا ، ونهض هو لقتالهم ، فركبهم المسلمون ، فأعطوا بأيديهم ونزلوا على حكمه ، فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره ، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى الوادي فقتلوا فيه ، فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء ، فطحن واختبز وأكل ، وبنى مدينة جرجان ، ولم تكن قبل ذلك مدينة ، واستعمل عليهم جهم بن زحر الجعفي ، ورجع إلى خراسان ، وكتب يزيد إلى سليمان :
بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد ، فإن الله تعالى ذكره قد فتح لأمير المؤمنين فتحا عظيما ، وصنع للمسلمين أحسن الصنع ، فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ، [ ص: 29 ] وأظهر في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ، وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف ، وكسرى بن قباد ، وكسرى بن هرمز ، وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب ، وذا النورين ومن بعدهما ، حتى فتح الله سبحانه ذلك لأمير المؤمنين ، كرامة من الله عز وجل له ، وزيادة في نعمه عليه ، وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله عز وجل على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة سبعة آلاف ألف ، وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء الله .