الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة: وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط لحرب يزيد بن عمر بن هبيرة .

وقد سبق ذكرنا حال يزيد بن عمر بن هبيرة مع الجيش الذين لقوه من [أهل] خراسان مع قحطبة ، ثم ابنه الحسن إلى أن انهزم ولحق بواسط وتحصن بها . ولما انهزم تفرق عنه الناس ، وخلف على الأثقال قوما ، فذهبوا بتلك الأموال ، فقيل له: لو لحقت بمروان فإنه ليس بعد الحصار إلا القتل ، وكان يخاف من مروان؛ لأنه كان يكتب إليه في الأمر فيخالفه ، فخافه إن قدم عليه أن يقتله فسرح أبو سلمة الحسن بن قحطبة ، فخندق [ ص: 314 ] وخرج ابن هبيرة للقتال ، واقتتلوا ثم تحاجزوا ثم اقتتلوا بعد أيام ، فهزم أهل الشام هزيمة قبيحة ، فدخلوا المدينة فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميا من وراء الفصيل ، ومكثوا على القتال أحد عشر شهرا ، فلما طال عليهم وجاءهم قتل مروان طلبوا الصلح .

وكان أصحاب ابن هبيرة قد تقاعدوا به حتى هم أن يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكتب إليه فأبطأ جوابه ، وجرت السفراء بين أبي جعفر وبين ابن هبيرة حتى جعل له أمانا ، وكتب بذلك ابن هبيرة كتابا مكث يشاور فيه العلماء أربعين يوما حتى رضيه ابن هبيرة ، ثم أرسله إلى أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر إلى أبي العباس فأمره بإمضائه ، وكان رأي أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه .

وكان أبو العباس لا يقطع أمرا دون أبي مسلم ، وكان أبو الجهم عينا لأبي مسلم على أبي العباس ، يكتب إليه بأخباره كلها ، فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد ، ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة .

ولما تم الكتاب الذي كتبه ابن هبيرة لنفسه خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة ، فأراد أن يدخل الحجرة على دابته ، فقام إليه الحاجب سلام بن سليم ، فقال: مرحبا بك أبا خالد ، انزل راشدا ، وقد طاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل خراسان فنزل ، ودعا له بوسادة فجلس عليها ، ثم دعا بالقواد فدخلوا ثم قال سلام: ادخل أبا خالد ، فقال: أنا ومن معي؟ فقال: إنما استأذنت لك وحدك ، فقام فدخل فحادثه ساعة ، ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصره حتى غاب عنه ، ثم مكث يقيم عنه يوما ويأتيه يوما في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل ، فقال يزيد بن حاتم لأبي جعفر: أيها الأمير ، إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر ، وما نقص من سلطانه شيء ، فقال أبو جعفر لسلام: قل لابن هبيرة يدع الجماعة ويأتينا في حاشيته ، قال: فلما سمع ذلك تغير وجهه وجاء في حاشيته نحو من ثلاثين ، ثم كان بعد ذلك يأتي في ثلاثة ، ثم ألح أبو العباس [ ص: 315 ] على أبي جعفر [يأمره] بقتله ، وهو يراجعه ، حتى كتب إليه: والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك ، ثم يتولى قتله . فأزمع على قتله ، فأخذ جماعة من أصحابه فقتلهم ، ثم بعث إليه من قتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية