كان يحفظ القرآن ، وقد سمع الحديث من المأمون ، مالك بن أنس ، وحماد بن زيد وهشيم ، وغيرهم ، وكان له حظ من علوم كثيرة ، وأسند الحديث .
أخبرنا قال : أخبرنا أبو منصور القزاز أبو بكر بن ثابت قال : أخبرني الخلال قال :
حدثنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب قال : حدثنا أحمد بن عبد الله الوكيل قال : حدثنا القاسم بن محمد بن عباد قال : سمعت أبي يقول : لم يحفظ القرآن من الخلفاء إلا عثمان ، وكان والمأمون يقرأ القرآن كثيرا ، فروى عنه ذو الرئاستين أنه ختم في رمضان ثلاثة وثلاثين ختمة ، وكان يحفظ الحديث ويرويه . المأمون
أنبأنا محمد بن ناصر قال : أنبأنا عبد الله بن أحمد السمرقندي قال : أنبأنا [ ص: 53 ] عبد العزيز بن أحمد الكتاني قال : أنبأنا أبو حامد محمد بن عبد الله النيسابوري قال :
حدثنا أبو الحسن السليطي قال : حدثنا أبو العباس عيسى بن محمد بن عيسى المروزي قال : حدثنا محمد بن قدامة السلمي صاحب ابن شميل ، حدثنا أبو حذيفة البخاري قال : سمعت أمير المؤمنين يحدث عن أبيه ، عن جده ، عن المأمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس وقال مرة : "مولى القوم منهم" . قال "مولى القوم من أنفسهم" محمد بن قدامة : بلغ المأمون أن أبا حذيفة حدث بهذا الحديث عنه ، فأمر له بعشرة آلاف درهم .
أنبأنا زاهر [بن طاهر ] قال : أنبأنا قال : أحمد بن الحسين البيهقي
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله [محمد بن عبد الله ] قال : حدثني أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد المروزي قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمدويه قال :
حدثنا إبراهيم بن يونس بن مروان الضبي قال : حدثني نصر بن منصور الطفاوي قال : حدثنا أبو عمر الحوضي قال : لما دخل مصر قام إليه فرج المأمون الأسود مولاه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، الحمد لله الذي كفاك أمر عدوك ، ودان لك العراقان والشامان ومصر وخراسان ، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والعالم به . فقال : ويحك يا فرج ، قد بقيت لي خلة . قلت : وما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال : جلوسي في عسكر ، ومستمل يجيء فيقول : من ذكرت رضي الله عنك ؟ فأقول : حدثنا الحمادان : حماد بن سلمة قالا : حدثنا وحماد بن زيد ، عن ثابت البناني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس بن مالك فأومأ حماد بن سلمة بالوسطى والإبهام . "من عال ابنتين أو أختين أو ثلاثة حتى يمتن أو يموت عنهن كان معي في الجنة كهاتين"
قال : وسمعت الحاكم أبا الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ يقول :
سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق يقول : سمعت محمد بن سهل يقول : كنت بالمصيصة وبها أمير المؤمنين ، فأذن يوما [للناس فقام إليه ] شاب وبيده [ ص: 54 ] محبرة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، صاحب حديث منقطع به فقال له المأمون : أي شيء تحفظ من باب كذا ؟ فلم يذكر الفتى شيئا ، فما زال المأمون يقول : حدثنا المأمون هشيم ، وحدثنا أبو الأحوص ، وحدثنا ، حتى ذكر الباب ، ثم قال : وإيش تحفظ في باب كذا ؟ فلم يذكر الفتى شيئا ، فما زال وكيع يقول : حدثنا المأمون حجاج بن محمد ، وحدثنا فلان وفلان ، حتى ذكر الباب ، ثم التفت إلى الفضل فقال : أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث ، أعطوه ثلاثة آلاف درهم .
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحرسي قال : أخبرنا إبراهيم عن عمر البرمكي قال :
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن خلف قال : أخبرنا أحمد بن علي الطبري قال : حدثنا محمد بن داود قال : حدثنا محمد بن عون قال : سمعت ابن عيينة يقول :
جمع أمير المؤمنين العلماء وجلس للناس ، فجاءت امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين ، مات أخي وخلف ستمائة دينار ، أعطوني دينارا واحدا وقالوا : هذا نصيبك . قال : فحسب ثم قال : هكذا نصيبك رحمك الله ، فقالت العلماء : كيف علمت يا أمير المؤمنين ؟ فقال لها : هذا الرجل خلف أربع بنات . قالت : نعم . قال : فلهما الثلثان أربعمائة وخلف والدة فلها السدس مائة ، وخلف زوجة فلها الثمن خمسة وسبعون دينارا ، بالله لك اثنا عشر أخا . قالت : نعم . قال : أصابهم ديناران ديناران ، وأصابك دينار . المأمون
[أخبرنا قال : أخبرنا ابن ناصر محفوظ بن أحمد الفقيه قال : أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال : حدثنا قال : ] أخبرنا المعافى بن زكريا محمد بن يحيى الصولي قال : حدثنا الحسين بن يحيى الكاتب قال : حدثني من سمع قحطبة بن حميد بن قحطبة يقول : حضرت يناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني يقول في شيء ومحمد يفضي له ويصدقه . فقال له : أراك تنقاد لي إلى ما ترى أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك ، ولو شئت أن أقيس الأمور بفضل بيان ، وطول لسان ، وأبهة الخلافة ، وسطوة الرئاسة لصدقت وإن كنت كاذبا ، وصوبت ، وإن كنت مخطئا وعدلت ، وإن كنت جائرا ، ولكن لا أرضى إلا بإزالة الشبهة ، وغلبة [ ص: 55 ] الحجة ، وإن شر الملوك عقلا وأسخفهم رأيا من رضي بقولهم : صدق الأمير . المأمون
قال : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال :
أخبرنا القاضي أبو العلا الواسطي قال : حدثنا علي بن عمر الحافظ قال : حدثنا الكوكبي قال : حدثنا أبو عكرمة الضبي قال : حدثني قال : بعث إلي ابن الأعرابي فصرت إليه وهو في بستان المأمون ، فرأيتهما موليين ، فجلست ، فلما أقبلا قمت فسلمت عليه بالخلافة ، فسمعته يقول ليحيى : يا يحيى بن أكثم أبا محمد ، ما أحسن أدبه ، رآنا موليين فجلس ، ثم رآنا مقبلين فقام ثم رد السلام وقال : يا محمد ، أخبرني عن أحسن ما قيل في الشراب فقلت : يا أمير المؤمنين ، قوله :
تريك القذى من دونها وهي دونه إذا ذاقها من ذاقها يتمنطق
فقال : أشعر منه الذي يقول : - يعني أبا نواس -فتمشت في مفاصلهم كتمشي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مزجت مثل فعل الصبح في الظلم
واهتدى ساري الظلام بها كاهتداء السفر بالعلم
نحن بنات طارق نمشي على النمارق
حدثنا قال : أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرني أبو بكر أحمد بن علي الأزهري قال : حدثنا محمد بن جامع قال : حدثنا قال : حدثنا أبو عمر الزاهد قال : حدثني المبرد عمارة بن عقيل قال : قال لي ابن أبي حفصة الشاعر : أعلمت أن أمير المؤمنين لا يبصر الشعر ! ؟ فقلت : ومن يكون أفرس منه ! ؟ والله إنا لننشد أول البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه . قال : إني أنشدته شيئا أجدت فيه ، فلم أره تحرك له ، فأسمعه :
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل . قال : صدقت ، السلام عليك يا أمير المؤمنين .
أخبرنا قال : ] أخبرنا عبد الرحمن [القزاز أحمد بن علي قال : أخبرني الحسن بن محمد الخلال قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال : حدثنا محمد بن الحسن بن محمد الموصلي قال : حدثنا عبد الله بن محمود المروزي قال : سمعت [ ص: 57 ] يقول : ما رأيت أكمل آلة من يحيى بن أكثم . وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كان في مجلسه . ثم قال : كنت عنده ليلة أذاكره وأحدثه ، ثم نام وانتبه وقال : يا المأمون يحيى ، انظر أيش عند رجلي . فنظرت فلم أر شيئا . فقال : شمعة ، فتبادر الفراشون .
فقال ، انظروا ، فنظروا ، فإذا تحت فراشه حية بطوله ، فقتلوها ، فقلت : قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب . فقال : معاذ الله ، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم :
يا راقد الليل انتبه إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ثقة محللة العرى
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال : أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الفقيه قال :
أخبرنا ابن دودان قال : أخبرنا قال : أخبرنا المرزباني ، عن ابن دريد أبي العيناء قال :
قصد أعرابي فوقف على بابه سنة لا يصل إليه ، فصاح الأعرابي يوما : نصيحة ، نصيحة . قال : فأدخل على المأمون فقال له : يا أعرابي ، ما نصيحتك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، رأيت البارحة رؤيا ، وقد أحببت أن تفسرها لي . فتبسم المأمون وقال : ما الرؤيا ؟ فأنشأ يقول : المأمون
إني رأيتك في منامي سيدي يا ابن الإمام على الجواد السابق
وكسوتني حللا طرائف حسنها يزهو لدي مع الكميت الفائق
وأجزتني بخريطة مملوءة ذهبا وأخرى باللجين الفائق
وأجزتني بخريدة رومية حسناء تشفع بالغلام الفائق
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزار قال : أنبأنا أبو القاسم التنوخي قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله الدوري قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن حمزة بن أحمد الهاشمي قال : حدثني محمد بن أبي جمعة النحاس ، عن عمر بن أبي سليمان بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس قال : كنت يوما بين يدي ، فجعل لا يمر عليه غلام من غلمانه إلا أعتقه ، وعلى رأسه غلام نظيف ، نظيف الثياب ، وكنت أحب أن يعتقه فيمن يعتق ، فلما تنحى الغلام قلت : يا أمير المؤمنين ، رأيت لا يمر أحد من غلمانك إلا أعتقته وعلى رأسك غلام من صفته وحاله ، وكنت أحب أن تعتقه . فقال : حدثني أبي ، عن آبائه يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المأمون "طينة المعتق من طينة المعتق" والذي رأيته على رأسي حجام ، فكرهت أن يكون من طينتنا حجام .
أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا ابن المبارك عبد الجبار قال : أخبرنا الجوهري قال :
أخبرنا قال : حدثنا ابن حيوية المقدمي ، عن الحارث بن محمد قال : أخبرني بعض أصحابنا قال : بكر أحمد بن أبي خالد يقرأ على قصصا ، فجاع ، فمرت به قصة فيها فلان بن فلان اليزيدي ، فقرأ : المأمون الثريدي . فقال : يا غلام ، صحفة مملوءة ثريدا المأمون لأبي العباس ، فإنه أصبح جائعا . فاستحيى وقال : ما أنا بجائع ، ولكن صاحب القصة أحمق ، نقط على الياء ثلاث نقط . فقال : ما أنفع جمعه لك . فأحضرت الصحفة مملوءة ثريدا وعراقا وودكا ، فخجل أحمد ، فقال له : بحياتي لما ملت إليها فأكلت . فعدل فأكل حتى اكتفى وغسل يده ، وعاود القراءة ، ومرت قصة فلان بن فلان الحمصي ، فقرأ : الخبيصي فقال المأمون : يا غلام ، جام مملوء خبيصا المأمون لأبي العباس ، فإن طعامه كان مبتورا . فاستحيى وقال : يا سيدي ، صاحب القصة أحمق ، فتح الميم فصارت سنتين . فقال : لولا حمقه وحمق صاحبه مت اليوم جوعا ، فأتي بجام مملوء خبيصا ، فخجل ، فقال : بحياتي ألا ملت نحوه فأكلت . فأكل وغسل يده ، وعاود القراءة ، فما أسقط حرفا حتى انقضى المجلس . [ ص: 59 ] المأمون
وقال محمد بن الجهم : دعاني فقال : أنشدني بيت مدح نادر . فأنشدته : المأمون
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
قبحت مناظره فحين خبرته حسنت مناظره لقبح المخبر
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيب تراب القبر دل على القبر
حب مجد وحبيب يلعب والقلب ما بينهما يذهب