وفي هذه السنة البصرة عبيد الله بن زياد ، على أن يقوم لهم بأمرهم حتى يصطلح الناس على إمام يرتضونه لأنفسهم ، ثم أرسل عبيد الله رسولا إلى أهل بايع أهل الكوفة يدعوهم إلى مثل ذلك فأبوا عليه ، وحصبوا الوالي الذي كان عليهم .
وذلك أنه لما بلغت عبيد الله وفاة يزيد ، قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أهل البصرة ، لقد وليتكم وما أحصي ديوان مقاتلتكم إلا سبعين ألف مقاتل ، ولقد أحصي اليوم ثمانين ألف مقاتل ، وما أحصي ديوان عمالكم إلا تسعين ألفا ، ولقد أحصي اليوم مائة ألف وأربعين ألفا ، وما تركت لكم ذا ظنة أخافه عليكم إلا وهو في سجنكم ، وإن أمير المؤمنين يزيد قد توفي ، وقد اختلف أهل الشام وأنتم اليوم أكثر الناس عددا ، وأوسعهم بلادا ، وأغنى عن الناس ، فاختاروا لأنفسكم رجلا ترضونه [ ص: 25 ] لدينكم وجماعتكم ، فأنا أول راض من رضيتموه ، فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترضونه دخلتم فيما دخل فيه المسلمون ، وإن كرهتم ذلك [كنتم على جديلتكم حتى تعطوا] حاجتكم ، فما لكم إلى أحد من أهل البلدان حاجة .
فقامت خطباء أهل البصرة فقالوا: والله ما نعلم أحدا أقوى منك عليها ، فهلم نبايعك ، فقال: لا حاجة لي في ذلك ، فاختاروا لأنفسكم ، فأبوا غيره وأبى عليهم ، حتى كرروا ذلك ثلاث مرات . فلما أبوا بسط يده فبايعوه . ثم خرجوا يمسحون أكفهم بباب الدار وحيطانه ، وجعلوا يقولون: أظن ابن مرجانة أنا نوليه أمرنا في الفرقة . فكان يأمر بالأمر فلا ينفذ ، ويرى الرأي فيرد عليه رأيه .
فأقام كذلك ثلاثة أشهر ، وقدم مسلمة بن ذؤيب فدعا الناس إلى بيعة فمالوا إليه وتركوا ابن الزبير ، ابن زياد ، فكان في بيت المال يومئذ تسعة عشر ألف ألف ، ففرق ابن زياد بعضها في بني أمية ، وحمل الباقي معه ، وخرج في الليل يتخفى ، فعرفه رجل فضربه بسهم فوقع في عمامته وأفلت ، فطلبوه فمات وانتهبوا ما وجدوا له ، فطلب الناس من ثار عليهم ، فبايعوا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، فولي أمرهم أربعة أشهر ، ثم ولي عبيد الله بن معمر على البصرة .