الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين الأزارقة

أصحاب قطري بن الفجاءة ، فخالفه بعضهم واعتزله ، وبايع عبد رب الكبير .

وسبب اختلافهم أن المهلب أقام يقاتل قطريا وأصحابه من الأزارقة نحوا من سنة ، وكانت كرمان في أيدي الخوارج ، وفارس في يد المهلب ، فضاق على الخوارج مكانهم ، إذ لا يأتيهم من فارس مادة ، فخرجوا إلى كرمان وتبعهم المهلب ، فقاتلهم وأبعدهم عن فارس كلها ، فصارت في يده ، فبعث الحجاج عليها عماله وأخذها من المهلب .

فبلغ ذلك عبد الملك ، فكتب إلى الحجاج: دع بيد المهلب خراج جبال فارس ، فإنه لا بد للجيش من قوة ، ودع له كورة إصطخر ودرابجرد فتركها له .

وكتب له الحجاج: أما بعد ، فإنك لو شئت فيما أرى اصطلمت هذه الخارجة [ ص: 194 ] المارقة ، ولكنك تحب طول بقائهم لتأكل الأرض حولك ، وقد بعثت إليك البراء بن قبيصة لينهضك إليهم إذا قدم عليك بجميع المسلمين ، ثم جاهدهم أشد الجهاد ، وإياك والعلل .

فأخرج المهلب الكتائب ، وأقام البراء على تل ، وقاتل الخوارج من بكرة إلى نصف النهار ، فقال له البراء: والله ما رأيت كتائب ككتائبك ، ولا فرسانا كفرسانك ، ولا رأيت مثل قوم يقاتلونك أصبر منهم ، أنت والله المعذور . ثم عاد وقت العصر ، فقاتل حتى حجز الليل بينهم .

وكتب المهلب إلى الحجاج: أتاني كتاب الأمير واتهامه إياي في هذه المارقة ، وقد رأى الرسول ما فعلت ، فو الله لو قدرت على استئصالهم ثم أمسكت عن ذلك لقد غششت المسلمين .

ثم قاتلهم المهلب ثمانية عشر شهرا ، ثم إن رجلا منهم كان عاملا لقطري على ناحية من كرمان قتل رجلا كان ذا بأس من الخوارج ، فوثب الخوارج إلى قطري وقالوا: أمكنا منه لنقتله بصاحبنا ، فقال: ما أرى أن أقتل رجلا تأول فأخطأ في التأويل ، قالوا: بلى ، قال: لا ، فوقع الاختلاف بينهم ، فولوا عبد رب الكبير وخلعوا قطريا ، فلم يبق معه إلا ربعهم أو خمسهم ، فجعلوا يقتتلون فيما بينهم نحوا من شهر غدوة وعشية [فكتب بذلك المهلب إلى الحجاج وقال: إني أرجو أن يكون اختلافهم سببا لهلاكهم] .

فكتب إليه الحجاج: ناهضهم على اختلافهم قبل أن يجتمعوا . فكتب إليه المهلب . لست أرى أن أقاتلهم ما دام يقتل بعضهم بعضا ، فإن أتموا على ذلك فهو الذي نريد ، وإن اجتمعوا لم يجتمعوا إلا وقد رقق بعضهم بعضا ، فيكونون أهون شوكة .

فسكت عنه الحجاج - ثم إن قطريا خرج بمن اتبعه نحو طبرستان ، وبايع عامتهم عبد رب الكبير ، فنهض المهلب فقاتلوه قتالا شديدا ، ثم إن الله تعالى قتلهم فلم ينج منهم إلا القليل ، وأخذ عسكرهم وما فيه . [ ص: 195 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية