قوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى تقدم في ( البقرة ) مستوفى . فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة نهي ؛ ومجازه : لا [ ص: 165 ] تقبلا منه فيكون ذلك سببا لخروجكما من الجنة فتشقى يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد ؛ ولم يقل : فتشقيا لأن المعنى معروف ، وآدم - عليه السلام - هو المخاطب ، وهو المقصود . وأيضا لما كان الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص . وقيل : الإخراج واقع عليهما والشقاوة على آدم وحده ، وهو شقاوة البدن ؛ ألا ترى أنه عقبه بقوله : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى أي في الجنة وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فأعلمه أن له في الجنة هذا كله : الكسوة والطعام والشراب والمسكن ؛ وأنك إن ضيعت الوصية ، وأطعت العدو أخرجكما من الجنة فشقيت تعبا ونصبا ، أي جعت وعريت وظمئت وأصابتك الشمس ؛ لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة . وإنما خصه بذكر الشقاء ولم يقل فتشقيان : يعلمنا أن فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج ، فلما كانت نفقة نفقة الزوجة على الزوج ؛ حواء على آدم كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية . وأعلمنا في هذه الآية أن فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها ؛ فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور ، فأما هذه الأربعة فلا بد لها منها ؛ لأن بها إقامة المهجة . قال النفقة التي تجب للمرأة على زوجها هذه الأربعة : الطعام والشراب والكسوة والمسكن ؛ الحسن المراد بقوله : فتشقى شقاء الدنيا ، لا يرى ابن آدم إلا ناصبا . وقال الفراء هو أن يأكل من كد يديه . وقال سعيد بن جبير : أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ، ويمسح العرق عن جبينه ، فهو شقاؤه الذي قال الله تبارك وتعالى . وقيل : لما أهبط من الجنة كان من أول شقائه أن جبريل أنزل عليه حبات من الجنة ؛ فقال يا آدم ازرع هذا ، فحرث وزرع ، ثم حصد ثم درس ثم نقى ثم طحن ثم عجن ثم خبز ، ثم جلس ليأكل بعد التعب ؛ فتدحرج رغيفه من يده حتى صار أسفل الجبل ، وجرى وراءه آدم حتى تعب وقد عرق جبينه ، قال يا آدم فكذلك رزقك بالتعب والشقاء ، ورزق ولدك من بعدك ما كنت في الدنيا .
قوله تعالى : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : إن لك ألا تجوع فيها أي في الجنة ولا تعرى . وأنك لا تظمأ فيها أي لا تعطش . والظمأ العطش . ولا تضحى أي تبرز للشمس فتجد حرها . إذ ليس في الجنة شمس ، إنما هو ظل ممدود ، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . قال أبو العالية : نهار الجنة هكذا : وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر . قال أبو زيد : ضحا الطريق يضحو ضحوا إذا بدا لك وظهر . وضحيت وضحيت بالكسر ضحا عرقت . وضحيت أيضا [ ص: 166 ] للشمس ضحاء ممدود برزت وضحيت ( بالفتح ) مثله ، والمستقبل أضحى في اللغتين جميعا ؛ قال عمر بن أبي ربيعة :
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصر
في الحديث أن ابن عمر رأى رجلا محرما قد استظل ، فقال : أضح لمن أحرمت له . هكذا يرويه المحدثون بفتح الألف وكسر الحاء من أضحيت . وقال الأصمعي : إنما هو إضح لمن أحرمت له ؛ بكسر الألف وفتح الحاء من ضحيت أضحى ؛ لأنه أمره بالبروز للشمس ؛ ومنه قوله تعالى : وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى وأنشد :
ضحيت له كي أستظل بظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا
وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما في رواية أبي بكر عنه ( وأنك ) بفتح الهمزة عطفا على ألا تجوع . ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفا على الموضع ، والمعنى : ولك أنك لا تظمأ فيها ، والباقون بالكسر على الاستئناف أو العطف على إن لك .