قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا أي لو كان في السماوات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا . قال الكسائي : إلا بمعنى غير فلما جعلت إلا في موضع غير أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير ، كما قال : وسيبويه
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
وحكى : لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا . وقال سيبويه الفراء : إلا هنا في موضع سوى ، والمعنى : لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها . وقال غيره : أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير ؛ لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا . وقيل : معنى لفسدتا أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء . فسبحان الله رب العرش عما يصفون نزه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد .
قوله تعالى : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون قاصمة للقدرية وغيرهم . قال : المعنى لا يسأل الخلق عن قضائه في خلقه وهو يسأل الخلق عن عملهم ؛ لأنهم عبيد . بين بهذا أن من يسأل غدا عن أعماله ابن جريج كالمسيح والملائكة لا يصلح للإلهية . وقيل : لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون . وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له يا أمير المؤمنين : أيحب ربنا أن يعصى ؟ قال : أفيعصى ربنا قهرا ؟ قال : أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء ؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء ، وإن منعك فضله فهو فضله يؤتيه من [ ص: 189 ] يشاء . ثم تلا الآية : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . وعن ابن عباس قال : لما بعث الله - عز وجل - موسى وكلمه ، وأنزل عليه التوراة ، قال : اللهم إنك رب عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت ألا تعصى ما عصيت ، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى فكيف هذا يا رب ؟ فأوحى الله إليه : إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون .
قوله تعالى : أم اتخذوا من دونه آلهة أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله مبالغة في التوبيخ ، أي صفتهم كما تقدم في الإنشاء والإحياء ، فتكون أم بمعنى هل على ما تقدم ، فليأتوا بالبرهان على ذلك . وقيل : الأول احتجاج من حيث المعقول ؛ لأنه قال : هم ينشرون ويحيون الموتى ؛ هيهات ! والثاني احتجاج بالمنقول ، أي هاتوا برهانكم من هذه الجهة ، ففي أي كتاب نزل هذا ؟ في القرآن ، أم في الكتب المنزلة على سائر الأنبياء ؟ هذا ذكر من معي بإخلاص التوحيد في القرآن وذكر من قبلي في التوراة والإنجيل ، وما أنزل الله من الكتب ؛ فانظروا هل في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه ؟ فالشرائع لم تختلف فيما يتعلق بالتوحيد ، وإنما اختلفت في الأوامر والنواهي وقال قتادة : الإشارة إلى القرآن ؛ المعنى : هذا ذكر من معي بما يلزمهم من الحلال والحرام وذكر من قبلي من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك .
وقيل : ذكر من معي بما لهم من الثواب على الإيمان والعقاب على الكفر وذكر من قبلي من الأمم السالفة فيما يفعل بهم في الدنيا ، وما يفعل بهم في الآخرة . وقيل : معنى الكلام الوعيد والتهديد ، أي افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء . وحكى أبو حاتم : أن يحيى بن يعمر قرآ ( هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ) بالتنوين وكسر الميم ، وزعم أنه لا وجه لهذا . وقال وطلحة بن مصرف في هذه القراءة : المعنى ؛ هذا ذكر مما أنزل إلي ومما هو معي وذكر من قبلي . وقيل : ذكر كائن من قبلي ، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي . أبو إسحاق الزجاج بل أكثرهم لا يعلمون الحق وقرأ ابن محيصن والحسن ( الحق ) بالرفع بمعنى هو الحق وهذا هو الحق . وعلى هذا يوقف على ( لا يعلمون ) ولا يوقف عليه على قراءة النصب . فهم معرضون أي عن الحق وهو القرآن ، فلا يتأملون حجة التوحيد .