قوله تعالى : بل كذبوا بالساعة يريد يوم القيامة . وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا يريد جهنم تتلظى عليهم . إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا أي من مسيرة خمسمائة عام . سمعوا لها تغيظا وزفيرا قيل : المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم . وقيل : المعنى إذا رأتهم خزانها سمعوا لهم تغيظا وزفيرا حرصا على عذابهم . والأول أصح ; [ ص: 9 ] لما روي مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وكلت بكل من جعل مع الله إلها آخر ، فلهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه في رواية من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا . قيل : يا رسول الله ولها عينان ؟ قال : أما سمعتم الله عز وجل يقول : فيخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم ذكره رزين في كتابه ، وصححه في قبسه ، وقال : أي تفصلهم عن الخلق في المعرفة كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة . وخرجه ابن العربي الترمذي من حديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبي هريرة . وفي الباب عن يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق ، يقول : إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين أبي سعيد قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقال الكلبي : سمعوا لها تغيظا كتغيظ بني آدم وصوتا كصوت الحمار . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، سمعوا لها زفيرا وعلموا لها تغيظا . وقال قطرب : التغيظ لا يسمع ، ولكن يرى ، والمعنى : رأوا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا ; كقول الشاعر :
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
أي وحاملا رمحا . وقيل : سمعوا لها أي فيها ; أي سمعوا فيها تغيظا وزفيرا للمعذبين . كما قال تعالى : لهم فيها زفير وشهيق و ( في واللام ) يتقاربان ; تقول : أفعل هذا في الله ولله .
وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين قال قتادة : ذكر لنا أن قوله تعالى : عبد الله كان يقول : إن جهنم لتضيق على الكافر كتضييق الزج على الرمح ; ذكره ابن المبارك في رقائقه . وكذا قال ابن عباس ، ذكره الثعلبي والقشيري عنه ، وحكاه عن الماوردي عبد الله بن عمرو . ومعنى مقرنين مكتفين ; قاله أبو صالح . وقيل : مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في [ ص: 10 ] الأغلال . وقيل : قرنوا مع الشياطين ; أي قرن كل واحد منهم إلى شيطانه ; قاله يحيى بن سلام . وقد مضى هذا في ( إبراهيم ) وقال عمرو بن كلثوم :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مقرنينا
دعوا هنالك ثبورا أي هلاكا ، قاله الضحاك . ابن عباس : ويلا . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . وانتصب على المصدر ، أي ثبرنا ثبورا ; قاله أول من يقوله إبليس وذلك أنه أول من يكسى حلة من النار فتوضع على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول واثبوراه الزجاج . وقال غيره : هو مفعول به .
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا فإن هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة . وقال : ثبورا لأنه مصدر يقع للقليل والكثير فلذلك لم يجمع ; وهو كقولك : ضربته ضربا كثيرا ، وقعد قعودا طويلا . ونزلت الآيات في ابن خطل وأصحابه . قوله تعالى :