[ ص: 325 ] قوله تعالى : " ومن آياته " علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته الليل والنهار والشمس والقمر وقد مضى في غير موضع . ثم نهى عن السجود لهما ، لأنهما وإن كانا خلقين فليس ذلك لفضيلة لهما في أنفسهما فيستحقان بها العبادة مع الله ; لأن خالقهما هو الله ، ولو شاء لأعدمهما أو طمس نورهما . واسجدوا لله الذي خلقهن وصورهن وسخرهن ، فالكناية ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار . وقيل : للشمس والقمر خاصة ; لأن الاثنين جمع . وقيل : الضمير عائد على معنى الآيات إن كنتم إياه تعبدون وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على طريق التغليب للمذكر والمؤنث لأنه فيما لا يعقل . فإن استكبروا يعني الكفار عن السجود لله فالذين عند ربك من الملائكة يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون أي لا يملون عبادته . قال زهير :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
مسألة : هذه الآية آية سجدة بلا خلاف ، واختلفوا في موضع السجود منها . فقال مالك : موضعه إن كنتم إياه تعبدون ; لأنه متصل بالأمر . وكان علي وغيرهم يسجدون عند قوله : تعبدون . وقال وابن مسعود ابن وهب : موضعه " وهم لا يسأمون " لأنه تمام الكلام وغاية العبادة والامتثال . وبه قال والشافعي أبو حنيفة . وكان ابن عباس يسجد عند قوله : يسأمون . وقال ابن عمر : اسجدوا بالآخرة منهما . وكذلك يروى عن مسروق وأبي عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي وأبي صالح ويحيى بن وثاب وطلحة وزبيد الياميين والحسن . وكان وابن سيرين أبو وائل وقتادة يسجدون عند قوله : وبكر بن عبد الله يسأمون . قال : والأمر قريب . ابن العربي
مسألة : ذكر ابن خويز منداد : أن هذه الآية تضمنت صلاة كسوف القمر والشمس ، وذلك أن العرب كانت تقول :
[ ص: 326 ] قلت : إن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت عظيم ، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف . في الصحاح صلاة الكسوف ثابتة البخاري ومسلم وغيرهما . واختلفوا في كيفيتها اختلافا كثيرا ، لاختلاف الآثار ، وحسبك ما في صحيح مسلم من ذلك ، وهو العمدة في الباب . والله الموفق للصواب .
قوله تعالى : ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة الخطاب لكل عاقل أي : ومن آياته الدالة على أنه يحيي الموتى أنك ترى الأرض خاشعة أي : يابسة جدبة ، هذا وصف الأرض بالخشوع ، قال النابغة :
رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
والأرض الخاشعة : الغبراء التي تنبت . وبلدة خاشعة : أي : مغبرة لا منزل بها . ومكان خاشع . فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت أي بالنبات ، قاله مجاهد . يقال : اهتز الإنسان أي : تحرك ، ومنه :
تراه كنصل السيف يهتز للندى إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا
وربت أي انتفخت وعلت قبل أن تنبت ، قاله مجاهد . أي : تصعدت عن النبات بعد موتها . وعلى هذا التقدير يكون في الكلام تقديم وتأخير وتقديره : ربت واهتزت . والاهتزاز والربو قد يكونان قبل الخروج من الأرض ، وقد يكونان بعد خروج النبات إلى وجه الأرض ، فربوها ارتفاعها . ويقال للموضع المرتفع : ربوة ورابية ، فالنبات يتحرك للبروز ثم يزداد في جسمه بالكبر طولا وعرضا . وقرأ أبو جعفر وخالد " وربأت " ومعناه عظمت ، من الربيئة . وقيل : اهتزت أي : استبشرت بالمطر وربت أي : انتفخت بالنبات . والأرض إذا انشقت بالنبات : وصفت بالضحك ، فيجوز وصفها بالاستبشار أيضا . ويجوز أن يقال : الربو والاهتزاز واحد ، وهي حالة خروج النبات . وقد مضى هذا المعنى في " الحج "
إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير تقدم في غير موضع .