قوله تعالى : ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين
قوله تعالى : ألا يظن أولئك إنكار وتعجب عظيم من حالهم ، في الاجتراء على [ ص: 218 ] التطفيف ، كأنهم لا يخطرون التطفيف ببالهم ، ولا يخمنون تخمينا أنهم مبعوثون فمسئولون عما يفعلون . والظن هنا بمعنى اليقين ; أي ألا يوقن أولئك ، ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والوزن . وقيل : الظن بمعنى التردد ، أي إن كانوا لا يستيقنون بالبعث ، فهلا ظنوه ، حتى يتدبروا ويبحثوا عنه ، ويأخذوا بالأحوط ليوم عظيم شأنه وهو يوم القيامة .
يوم يقوم الناس لرب العالمين فيه أربع مسائل : قوله تعالى :
الأولى : العامل في ( يوم ) فعل مضمر ، دل عليه مبعوثون والمعنى يبعثون يوم يقوم الناس لرب العالمين . ويجوز أن يكون بدلا من يوم في ليوم عظيم ، وهو مبني . وقيل : هو في موضع خفض ; لأنه أضيف إلى غير متمكن . وقيل : هو منصوب على الظرف أي في يوم ، ويقال : أقم إلى يوم يخرج فلان ، فتنصب يوم ، فإن أضافوا إلى الاسم فحينئذ يخفضون ويقولون : أقم إلى يوم خروج فلان . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، التقدير إنهم مبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين ليوم عظيم .
الثانية : وعن : أن أعرابيا قال له : قد سمعت ما قال الله تعالى في المطففين ; أراد بذلك أن المطففين قد توجه عليهم هذا الوعيد العظيم الذي سمعت به ، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن . وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإثم في التطفيف ، وفيما كان في مثل حاله من الحيف ، وترك القيام بالقسط ، والعمل على التسوية والعدل في كل أخذ وإعطاء ، بل في كل قول وعمل . عبد الملك بن مروان
الثالثة : ابن عمر : ويل للمطففين حتى بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين فبكى حتى سقط ، وامتنع من قراءة ما بعده ، ثم قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يوم يقوم الناس لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فمنهم من يبلغ العرق كعبيه ، ومنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من يبلغ حقويه ، ومنهم من يبلغ صدره ، ومنهم من يبلغ أذنيه ، حتى إن أحدهم ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع " . وروى ناس عن قرأ ابن عباس قال : يقومون [ ص: 219 ] مقدار ثلاثمائة سنة . قال : ويهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة . وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقومون ألف عام في الظلة " . وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . وعنه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه يقوم مائة سنة " . وقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة لبشير الغفاري : " كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلاثمائة سنة لرب العالمين ، لا يأتيهم فيه خبر ، ولا يؤمر فيه بأمر " قال بشير : المستعان الله .
قلت : قد ذكرناه مرفوعا من حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أبي سعيد الخدري " في ( سأل سائل ) . وعن إنه ليخفف عن المؤمن ، حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا ابن عباس : يهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة . وقيل : إن ذلك المقام على المؤمن كزوال الشمس ; والدليل على هذا من الكتاب قوله الحق : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ثم وصفهم فقال : الذين آمنوا وكانوا يتقون جعلنا الله منهم بفضله وكرمه وجوده . ومنه آمين . وقيل : المراد بالناس جبريل - عليه السلام - يقوم لرب العالمين ; قاله وفيه بعد ; لما ذكرنا من الأخبار في ذلك ، وهي صحيحة ثابتة ، وحسبك بما في صحيح ابن جبير مسلم ، والبخاري من حديث والترمذي ابن عمر يوم يقوم الناس لرب العالمين قال : " يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه " . ثم قيل : هذا القيام يوم يقومون من قبورهم . وقيل : في الآخرة بحقوق عباده في الدنيا . وقال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يزيد الرشك : يقومون بين يديه للقضاء .
الرابعة : القيام لله رب العالمين سبحانه حقير بالإضافة إلى عظمته وحقه ، فأما فاختلف فيه الناس ; فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه . وقد روي قيام الناس بعضهم لبعض واعتنقه ، جعفر بن أبي طالب وقام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إلى طلحة يوم تيب عليه . لكعب بن مالك للأنصار حين طلع عليه : " قوموا إلى سيدكم " . سعد بن معاذ وقال أيضا : " وقول [ ص: 220 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - " . وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيته ، فإن انتظر ذلك واعتقده لنفسه ، فهو ممنوع ، وإن كان على طريق البشاشة والوصلة فإنه جائز ، وخاصة عند الأسباب ، كالقدوم من السفر ونحوه . وقد مضى في آخر سورة ( يوسف ) شيء من هذا . من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار