وهي إحدى عشرة آية
وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة . وعطاء
ومدنية في قول ابن عباس وأنس ومالك وقتادة .
والعاديات ضبحا فالموريات قدحا
قوله تعالى : والعاديات ضبحا أي الأفراس تعدو . كذا قال عامة المفسرين وأهل اللغة ; أي تعدو في سبيل الله فتضبح . قال قتادة : تضبح إذا عدت ; أي تحمحم . وقال الفراء : الضبح : صوت أنفاس الخيل إذا عدون . ابن عباس : ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب . وقيل : كانت تكعم لئلا تصهل ، فيعلم العدو بهم فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة .
قال : أقسم الله ابن العربي بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقال : يس والقرآن الحكيم ، وأقسم بحياته فقال : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها ، وقدح حوافرها النار من الحجر ، فقال : والعاديات ضبحا . . . الآيات الخمس . وقال أهل اللغة :
وطعنة ذات رشاش واهيه طعنتها عند صدور العاديه
[ ص: 138 ] يعني الخيل . وقال آخر :
والعاديات أسابي الدماء بها كأن أعناقها أنصاب ترجيب
والخيل تعلم حين تض بح في حياض الموت ضبحا
لست بالتبع اليماني إن لم تضبح الخيل في سواد العراق
فلما أن تلهوجنا شواء به اللهبان مقهورا ضبيحا
علقتها قبل انضباح لوني وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيرت حالها من فزع وتعب أو طمع . ونصب ضبحا على المصدر ; أي والعاديات تضبح ضبحا . والضبح أيضا الرماد . وقال البصريون : ضبحا نصب على الحال . وقيل : مصدر في موضع الحال . قال أبو عبيدة : ضبحت الخيل ضبحا مثل ضبعت ; وهو السير . وقال أبو عبيدة : الضبح والضبع : بمعنى العدو والسير . وكذا قال المبرد : الضبح مد أضباعها في السير .
وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية إلى أناس من بني كنانة ، فأبطأ عليه خبرها ، وكان استعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري ، وكان أحد النقباء ; فقال المنافقون : إنهم قتلوا ; فنزلت هذه السورة إخبارا للنبي - صلى الله عليه وسلم - بسلامتها ، وبشارة له بإغارتها على القوم الذين بعث إليهم . وممن قال : إن المراد بالعاديات الخيل ،ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد . والمراد الخيل التي يغزو عليها المؤمنون . وفي الخبر : وقول ثان : أنها الإبل ; قال " من لم يعرف حرمة فرس الغازي ، ففيه شعبة من النفاق " . مسلم : نازعت فيها عكرمة فقال عكرمة : قال ابن عباس هي الخيل . وقلت : قال علي هي الإبل في الحج ، ومولاي أعلم من مولاك . وقال الشعبي : تمارى علي في العاديات ، فقال وابن عباس علي : هي الإبل تعدو في الحج . وقال ابن عباس : هي الخيل ; ألا تراه يقول : فأثرن به نقعا [ ص: 139 ] فهل تثير إلا بحوافرها ! وهل تضبح الإبل ! فقال علي : ليس كما قلت ، لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق وفرس للمقداد ، لمرثد بن أبي مرثد ; ثم قال له علي : أتفتي الناس بما لا تعلم ! والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام وما معنا إلا فرسان : فرس وفرس للمقداد ، للزبير ; فكيف تكون العاديات ضبحا ! إنما العاديات الإبل من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى عرفة . قال ابن عباس : فرجعت إلى قول علي ، وبه قال ابن مسعود وعبيد بن عمير ومحمد بن كعب . ومنه قول والسدي صفية بنت عبد المطلب :
فلا والعاديات غداة جمع
بأيديها إذا سطع الغبار
رأى صاحبي في العاديات نجيبة وأمثالها في الواضعات القوامس
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر ضابح
فالموريات قدحا قال عكرمة وعطاء والضحاك : هي الخيل حين توري النار بحوافرها ، وهي سنابكها ; وروي عن ابن عباس . وعنه أيضا : أورت بحوافرها غبارا . وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدح النار ; وإنما هذا في الإبل . وروى ابن نجيح عن مجاهد والعاديات ضبحا فالموريات قدحا قال قال ابن عباس : هو في القتال وهو في الحج . ابن مسعود : هي الإبل تطأ الحصى ، فتخرج منها النار . وأصل القدح الاستخراج ; ومنه قدحت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسد . واقتدحت بالزند . واقتدحت المرق : غرفته . وركي قدوح : تغترف باليد . والقديح : ما يبقى في أسفل القدر ، فيغرف بجهد . والمقدحة : ما تقدح به النار . والقداحة والقداح : الحجر الذي يوري النار . يقال : ورى الزند ( بالفتح ) يري وريا : إذا خرجت ناره . [ ص: 140 ] وفيه لغة أخرى : وري الزند ( بالكسر ) يري فيهما . وقد مضى هذا في سورة ( الواقعة ) . وقدحا انتصب بما انتصب به ضبحا . وقيل : هذه الآيات في الخيل ; ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم . ومنه يقال للحرب إذا التحمت : حمي الوطيس . ومنه قوله تعالى : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله . وروي معناه عن ابن عباس أيضا ، وقاله قتادة . وعن ابن عباس أيضا ، وقاله قتادة . وعن ابن عباس أيضا : أن المراد بالموريات قدحا : مكر الرجال في الحرب ; وقاله مجاهد وزيد بن أسلم . والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكرن بك ، ثم لأورين لك . وعن ابن عباس أيضا : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل ، لحاجتهم وطعامهم . وعنه أيضا : أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهابا . وكل من قرب من العدو يوقد نيرانا كثيرة ليظنهم العدو كثيرا . فهذا إقسام بذلك . قال محمد بن كعب : هي النار تجمع . وقيل هي أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة .
وقال عكرمة : هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ، ويظهر بها من إقامة الحجج ، وإقامة الدلائل ، وإيضاح الحق ، وإبطال الباطل . وروى عن بعضهم قال : فالمنجحات أمرا وعملا ، كنجاح الزند إذا أوري . ابن جريح
قلت : هذه الأقوال مجاز ; ومنه قولهم : فلان يوري زناد الضلالة . والأول : الحقيقة ، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النار بحوافرها . قال مقاتل : العرب تسمي تلك النار نار أبي حباحب ، وكان أبو حباحب شيخا من مضر في الجاهلية ، من أبخل الناس ، وكان لا يوقد نارا لخبز ولا غيره حتى تنام العيون ، فيوقد نويرة تقد مرة وتخمد أخرى ; فإن استيقظ لها أحد أطفأها ، كراهية أن ينتفع بها أحد . فشبهت العرب هذه النار بناره ; لأنه لا ينتفع بها . وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت نارا ، فكذلك يسمونها . قال النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب