قوله تعالى : قوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ثم لتسألن يومئذ عن النعيم روى مسلم في صحيحه عن قال : أبي هريرة بأبي بكر وعمر ; فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ) ؟ قالا : الجوع يا رسول الله . قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوما " فقاما معه ; فأتى رجلا من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحبا وأهلا . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أين فلان " ؟ قالت : يستعذب لنا من الماء ; إذ جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه ، ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني . قال : فانطلق ، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب ، فقال : كلوا من هذه . وأخذ المدية فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إياك والحلوب " فذبح لهم ، فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العذق ، وشربوا ; فلما أن شبعوا ورووا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر : " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم ، يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " . خرجه خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو الترمذي ، وقال فيه : " " وكنى الرجل الذي من هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة : ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد الأنصار ، فقال : . وذكر قصته . أبو الهيثم بن التيهان
[ ص: 157 ] قلت : اسم هذا الرجل الأنصاري مالك بن التيهان ، ويكنى أبا الهيثم . وفي هذه القصة يقول عبد الله بن رواحة ، يمدح بها : أبا الهيثم بن التيهان
فلم أر كالإسلام عزا لأمة ولا مثل أضياف الإراشي معشرا نبي وصديق وفاروق أمة
وخير بني حواء فرعا وعنصرا فوافوا لميقات وقدر قضية
وكان قضاء الله قدرا مقدرا إلى رجل نجد يباري بجوده
شموس الضحى جودا ومجدا ومفخرا وفارس خلق الله في كل غارة
إذا لبس القوم الحديد المسمرا ففدى وحيا ثم أدنى قراهم
فلم يقرهم إلا سمينا متمرا
واختلف أهل التأويل في النعيم المسئول عنه على عشرة أقوال :
أحدها : الأمن والصحة ; قاله ابن مسعود .
الثاني : الصحة والفراغ ; قاله سعيد بن جبير . وفي عنه - عليه السلام - : البخاري . نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ
الثالث : الإدراك بحواس السمع والبصر ; قاله ابن عباس . وفي التنزيل : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا . وفي الصحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " . . . " ، الحديث . خرجه يؤتى بالعبد يوم القيامة ، فيقول له : ألم أجعل لك سمعا وبصرا ، ومالا وولدا الترمذي وقال فيه : حديث حسن صحيح .
الرابع : ملاذ المأكول والمشروب قاله . وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري يدل عليه . أبي هريرة
[ ص: 158 ] الخامس : أنه الغداء والعشاء ; قاله الحسن .
السادس : قول : أنه شبع البطون وبارد الشراب ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق ; ولذة النوم . ورواه مكحول الشامي عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " زيد بن أسلم لتسألن يومئذ عن النعيم يعني عن شبع البطون . . . " . فذكره . ذكره وقال : وهذا السؤال يعم الكافر والمؤمن ، إلا أن سؤال المؤمن تبشير بأن يجمع له بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة . وسؤال الكافر تقريع أن قابل نعيم الدنيا بالكفر والمعصية . وقال قوم : هذا السؤال عن كل نعمة ، إنما يكون في حق الكفار ، فقد روي الماوردي ، أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله ، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان ، من خبز شعير ولحم وبسر قد ذنب ، وماء عذب ، أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه ؟ فقال - عليه السلام - : " ذلك للكفار ; ثم قرأ : وهل نجازي إلا الكفور " . ذكره أن . وقال القشيري أبو نصر الحسن لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار . وقال القشيري : والجمع بين الأخبار : أن الكل يسألون ولكن سؤال الكفار توبيخ ; لأنه قد ترك الشكر . وسؤال المؤمن سؤال تشريف ; لأنه شكر . وهذا النعيم في كل نعمة .
قلت : هذا القول حسن ; لأن اللفظ يعم . وقد ذكر الفريابي قال : حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال : كل شيء من لذة الدنيا . وروى أبو الأحوص عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . وفي إن الله تعالى ليعدد نعمه على العبد يوم القيامة ، حتى يعد عليه : سألتني فلانة أن أزوجكها ، فيسميها باسمها ، فزوجتكها الترمذي عن قال : أبي هريرة ثم لتسألن يومئذ عن النعيم قال الناس : يا رسول الله ، عن أي النعيم نسأل ؟ فإنما هما الأسودان والعدو حاضر ، وسيوفنا على عواتقنا . قال : " إن ذلك سيكون " . وعنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما نزلت هذه الآية : - يعني العبد - أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد أول ما يسأل عنه يوم القيامة " قال : حديث إن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " . والجاه من نعيم الدنيا لا محالة . وقال إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده ، فيوقفه بين يديه ، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله مالك - رحمه الله - : إنه صحة البدن ، وطيب النفس . وهو القول السابع . وقيل : النوم مع الأمن والعافية . وقال سفيان بن عيينة : إن ما سد الجوع وستر العورة من خشن [ ص: 159 ] الطعام واللباس ، لا يسأل عنه المرء يوم القيامة ، وإنما يسأل عن النعيم . قال : والدليل عليه أن الله تعالى أسكن آدم الجنة . فقال له : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى . فكانت هذه الأشياء الأربعة - ما يسد به الجوع ، وما يدفع به العطش ، وما يستكن فيه من الحر ، ويستر به عورته - لآدم - عليه السلام - بالإطلاق ، لا حساب عليه فيها لأنه لا بد له منها .
قلت : ونحو هذا ذكره قال : إن مما لا يسأل عنه العبد لباسا يواري سوأته ، وطعاما يقيم صلبه ، ومكانا يكنه من الحر والبرد . القشيري أبو نصر ،
قلت : وهذا منتزع من قوله - عليه السلام - : " " خرجه ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال : بيت يسكنه ، وثوب يواري عورته ، وجلف الخبز والماء الترمذي . وقال النضر بن شميل : جلف الخبز : ليس معه إدام . وقال محمد بن كعب : النعيم : هو ما أنعم الله علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - . وفي التنزيل : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم . وقال الحسن أيضا والمفضل : هو تخفيف الشرائع ، وتيسير القرآن ، قال الله تعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وقال تعالى : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر .
قلت : وكل هذه نعم ، فيسأل العبد عنها : هل شكر ذلك أم كفر . والأقوال المتقدمة أظهر والله أعلم .