الثانية : هذه الآية في ، وظاهرها العموم ومعناها الخصوص . وحكى عدة المتوفى عنها زوجها المهدوي عن بعض العلماء أن الآية تناولت الحوامل ثم نسخ ذلك بقوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . وأكثر العلماء على أن هذه الآية ناسخة لقوله عز وجل [ ص: 160 ] : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ؛ لأن الناس أقاموا برهة من الإسلام إذا توفي الرجل وخلف امرأته حاملا أوصى لها زوجها بنفقة سنة وبالسكنى ما لم تخرج فتتزوج ، ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر وبالميراث . وقال قوم : ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول ، كصلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى الاثنتين لم يكن هذا نسخا . وهذا غلط بين ؛ لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج ، فإن خرجت لم تمنع ، ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا ، وهذا هو النسخ ، وليست صلاة المسافر من هذا في شيء . وقد عائشة رضي الله عنها : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر بحالها ، وسيأتي . قالت
الثالثة : وضع حملها عند جمهور العلماء . وروي عن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها علي بن أبي طالب أن تمام عدتها آخر الأجلين ، واختاره وابن عباس سحنون من علمائنا . وقد روي هذا عن ابن عباس أنه رجع عن هذا . والحجة لما روي عن علي روم الجمع بين قوله تعالى : وابن عباس والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وبين قوله : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، وذلك أنها إذا قعدت أقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين ، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة ، والجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول . وهذا نظر حسن لولا ما يعكر عليه من سبيعة الأسلمية وأنها نفست بعد وفاة زوجها بليال ، وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج ، أخرجه في الصحيح . فبين الحديث أن قوله تعالى : حديث وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن ، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنفين ، ويعتضد هذا بقول ابن مسعود : ومن شاء باهلته أن آية النساء القصرى نزلت بعد آية عدة الوفاة . قال علماؤنا : وظاهر كلامه أنها ناسخة لها وليس ذلك مراده . والله أعلم . وإنما يعني أنها مخصصة لها ، فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها . وكذلك حديث سبيعة متأخر عن عدة الوفاة ؛ لأن قصة سبيعة كانت بعد حجة الوداع ، وزوجها [ ص: 161 ] هو سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرا ، توفي بمكة حينئذ وهي حامل ، وهو الذي رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة ، وولدت بعده بنصف شهر . وقال : بأربعين ليلة . وروى البخاري مسلم من حديث عمر بن عبد الله بن الأرقم سبيعة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالت : فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدا لي . قال أن ابن شهاب : ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها ، غير أن زوجها لا يقربها حتى تطهر ، وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفقهاء . وقال الحسن والشعبي والنخعي وحماد : لا تنكح النفساء ما دامت في دم نفاسها . فاشترطوا شرطين : وضع الحمل ، والطهر من دم النفاس . والحديث حجة عليهم ، ولا حجة لهم في قوله : كما في صحيح فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب مسلم وأبي داود ؛ لأن ( تعلت ) وإن كان أصله طهرت من دم نفاسها - على ما قاله الخليل - فيحتمل أن يكون المراد به هاهنا تعلت من آلام نفاسها ، أي استقلت من أوجاعها . ولو سلم أن معناه ما قال الخليل فلا حجة فيه ، وإنما الحجة في قوله عليه السلام لسبيعة : فأوقع الحل في حين الوضع وعلقه عليه ، ولم يقل إذا انقطع دمك ولا إذا طهرت ، فصح ما قاله الجمهور . قد حللت حين وضعت
الرابعة : ولا خلاف بين العلماء على أن يملك الزوج رجعتها أو لا يملك ، حرة كانت أو أمة أو مدبرة أو مكاتبة أن تضع حملها . أجل كل حامل مطلقة
واختلفوا في أجل الحامل المتوفى عنها كما تقدم ، وقد أجمع الجميع بلا خلاف بينهم [ ص: 162 ] أن أنها لا تحل حتى تلد ، فعلم أن المقصود الولادة . رجلا لو توفي وترك امرأة حاملا فانقضت أربعة أشهر وعشر
الخامسة : قوله تعالى : ( يتربصن ) التربص : التأني والتصبر عن النكاح ، وترك الخروج عن مسكن النكاح وذلك بألا تفارقه ليلا . ولم يذكر الله تعالى السكنى للمتوفى عنها في كتابه كما ذكرها للمطلقة بقوله تعالى : أسكنوهن وليس في لفظ العدة في كتاب الله تعالى ما يدل على الإحداد ، وإنما قال : يتربصن فبينت السنة جميع ذلك . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن إنما هو بإحداد ، وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه ، وهذا قول جمهور العلماء . وقال التربص في الوفاة : ليس الإحداد بشيء ، إنما تتربص عن الزوج ، ولها أن تتزين وتتطيب ، وهذا ضعيف لأنه خلاف السنة على ما نبينه إن شاء الله تعالى . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحسن بن أبي الحسن للفريعة بنت مالك بن سنان وكانت متوفى عنها : ، وهذا حديث امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ثابت أخرجه مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، رواه عنه مالك والثوري ووهيب بن خالد وحماد بن زيد وعدد كثير وعيسى بن يونس وابن عيينة والقطان وشعبة ، وقد رواه مالك عن ابن شهاب وحسبك ، قال : لم يرو عنه غيره ، وقد أخذ به الباجي عثمان بن عفان . قال أبو عمر : وقضى به في اعتداد المتوفى عنها في بيتها ، وهو حديث معروف مشهور عند علماء الحجاز والعراق أن ولا تخرج عنه ، وهو قول جماعة فقهاء الأمصار المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها بالحجاز والشام والعراق ومصر . وكان داود يذهب إلى أن المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتد في بيتها وتعتد حيث شاءت ؛ لأن السكنى إنما ورد به القرآن في المطلقات ، ومن حجته أن المسألة مسألة خلاف . قالوا : وهذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم ، وإيجاب السكنى إيجاب حكم ، والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب الله أو سنة أو إجماع . قال أبو عمر : أما السنة فثابتة بحمد الله ، وأما الإجماع فمستغنى عنه بالسنة ؛ لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة ، وبالله التوفيق : وروي عن علي وابن عباس وجابر مثل قول وعائشة داود ، وبه قال جابر بن زيد وعطاء والحسن البصري . قال ابن عباس : إنما قال الله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل يعتددن في بيوتهن ، ولتعتد حيث شاءت ، وروي عن أبي حنيفة . وذكر عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الزهري عن عروة قال : خرجت عائشة [ ص: 163 ] بأختها أم كلثوم - حين قتل عنها زوجها - إلى طلحة بن عبيد الله مكة في عمرة ، وكانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها . قال : وحدثنا الثوري عن عبيد الله بن عمر أنه سمع يقول : أبى الناس ذلك عليها . قال : وحدثنا القاسم بن محمد معمر عن الزهري قال : أخذ المترخصون في المتوفى عنها زوجها بقول عائشة ، وأخذ أهل الورع والعزم بقول ابن عمر . وفي الموطأ : أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج . وهذا من عمر رضي الله عنه اجتهاد ؛ لأنه كان يرى اعتداد المرأة في منزل زوجها المتوفى عنها لازما لها ، وهو مقتضى القرآن والسنة ، فلا يجوز لها أن تخرج في حج ولا عمرة حتى تنقضي عدتها . وقال مالك : ترد ما لم تحرم .
السادسة : إذا كان ، وعليه أكثر الفقهاء : الزوج يملك رقبة المسكن فإن للزوجة العدة فيه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم لحديث الفريعة . ، فالذي عليه جمهور أصحابنا أن ذلك جائز ، ويشترط فيه العدة للمرأة . قال وهل يجوز بيع الدار إذا كانت ملكا للمتوفى وأراد ذلك الورثة ابن القاسم : لأنها أحق بالسكنى من الغرماء . وقال محمد بن الحكم : البيع فاسد ؛ لأنها قد ترتاب فتمتد عدتها . وجه قول ابن القاسم : أن الغالب السلامة ، والريبة نادرة وذلك لا يؤثر في فساد العقود ، فإن وقع البيع فيه بهذا الشرط فارتابت ، قال مالك في كتاب محمد : هي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة ، وأحب إلينا أن يكون للمشتري الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ولا يرجع بشيء ؛ لأنه دخل على العدة المعتادة ، ولو وقع البيع بشرط زوال الريبة كان فاسدا . وقال سحنون : لا حجة للمشتري وإن تمادت الريبة إلى خمس سنين ؛ لأنه دخل على العدة والعدة قد تكون خمس سنين ، ونحو هذا روى أبو زيد عن ابن القاسم .
السابعة : ، خلافا فإن كان للزوج السكنى دون الرقبة ، فلها السكنى في مدة العدة لأبي حنيفة ، لقوله عليه السلام والشافعي للفريعة - وقد علم أن زوجها لا يملك رقبة المسكن - : . لا يقال إن المنزل كان لها ، فلذلك قال لها : ( امكثي في بيتك ) فإن امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله معمرا روى عن الزهري أنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها قتل ، وأنه تركها [ ص: 164 ] في مسكن ليس لها واستأذنته ، وذكر الحديث . ولنا من جهة المعنى أنه ترك دارا يملك سكناها ملكا لا تبعة عليه فيه ، فلزم أن تعتد الزوجة فيه ، أصل ذلك إذا ملك رقبتها .
الثامنة : وهذا إذا كان قد أدى الكراء ، وأما إذا كان لم يؤد الكراء فالذي في المدونة : أنه لا سكنى لها في مال الميت وإن كان موسرا ؛ لأن حقها إنما يتعلق بما يملكه من السكنى ملكا تاما ، وما لم ينقد عوضه لم يملكه ملكا تاما ، وإنما ملك العوض الذي بيده ، ولا حق في ذلك للزوجة إلا بالميراث دون السكنى ؛ لأن ذلك مال وليس بسكنى . وروى محمد عن مالك أن الكراء لازم للميت في ماله .
التاسعة : قوله صلى الله عليه وسلم للفريعة : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله يحتمل أنه أمرها بذلك لما كان زوجها قد أدى كراء المسكن ، أو كان أسكن فيه إلى وفاته ، أو أن أهل المنزل أباحوا لها العدة فيه بكراء أو غير كراء ، أو ما شاء الله تعالى من ذلك مما رأى به أن المقام لازم لها فيه حتى تنقضي عدتها .
العاشرة : واختلفوا في ، فأمرها بالرجوع إلى مسكنه وقراره المرأة يأتيها نعي زوجها وهي في بيت غير بيت زوجها مالك بن أنس ، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه . وقال سعيد بن المسيب والنخعي : تعتد حيث أتاها الخبر ، لا تبرح منه حتى تنقضي العدة . قال ابن المنذر : قول مالك صحيح ، إلا أن يكون نقلها الزوج إلى مكان فتلزم ذلك المكان .
الحادية عشرة : ويجوز بكرة إلى وقت هدوئهم بعد العتمة ، ولا تبيت إلا في ذلك المنزل . وفي لها أن تخرج في حوائجها من وقت انتشار الناس البخاري ومسلم عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . وفي حديث لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار أم حبيبة : الحديث . لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق [ ص: 165 ] ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ترك المرأة الزينة كلها من اللباس والطيب والحلي والكحل والخضاب بالحناء ما دامت في عدتها ؛ لأن الزينة داعية إلى الأزواج ، فنهيت عن ذلك قطعا للذرائع ، وحماية لحرمات الله تعالى أن تنتهك ، وليس دهن المرأة رأسها بالزيت والشيرج من الطيب في شيء . يقال : امرأة حاد ومحد . قال الإحداد : الأصمعي : ولم نعرف ( حدت ) . وفاعل ( لا يحل ) المصدر الذي يمكن صياغته من ( تحد ) مع ( أن ) المرادة ، فكأنه قال : الإحداد .
الثانية عشرة : وصفه عليه السلام المرأة بالإيمان يدل على صحة أحد القولين عندنا في ، وهو قول الكتابية المتوفى عنها زوجها أنها لا إحداد عليها ابن كنانة وابن نافع ، ورواه أشهب عن مالك ، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر ، وروي عن ابن القاسم أن عليها الإحداد كالمسلمة ، وبه قال الليث والشافعي وعامة أصحابنا ؛ لأنه حكم من أحكام العدة فلزمت الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة . وأبو ثور
الثالثة عشرة : وفي قوله عليه السلام : ( فوق ثلاث إلا على زوج ) دليل على تحريم ، وإباحة الإحداد عليهم ثلاثا تبدأ بالعدد من الليلة التي تستقبلها إلى آخر ثالثها ، فإن مات حميمها في بقية يوم أو ليلة ألغته وحسبت من الليلة القابلة . إحداد المسلمات على غير أزواجهن فوق ثلاث
الرابعة عشرة : هذا الحديث بحكم عمومه يتناول الزوجات كلهن المتوفى عنهن أزواجهن ، فيدخل فيه ، وهو مذهب الجمهور من العلماء . وذهب الإماء والحرائر والكبار والصغار أبو حنيفة إلى أنه لا إحداد على أمة ولا على صغيرة ، حكاه عنه . قال القاضي أبو الوليد الباجي ابن المنذر : أما الأمة الزوجة فهي داخلة في جملة الأزواج وفي عموم الأخبار ، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، ولا أحفظ في ذلك عن أحد خلافا ، ولا أعلمهم يختلفون في وأبي ثور ؛ لأنها ليست بزوجة ، والأحاديث إنما جاءت في الأزواج . قال الإحداد على أم الولد إذا مات سيدها : الصغيرة إذا كانت ممن تعقل الأمر والنهي وتلتزم ما حد لها أمرت بذلك ، وإن كانت لا تدرك شيئا من ذلك لصغرها فروى الباجي ابن مزين عن عيسى يجنبها أهلها جميع ما تجتنبه الكبيرة ، وذلك لازم لها . والدليل على ما [ ص: 166 ] وجوب الإحداد على الصغيرة ، ولو كان الحكم يفترق بالصغر والكبر لسأل عن سنها حتى يبين الحكم ، وتأخير البيان في مثل هذا لا يجوز ، وأيضا فإن كل من لزمتها العدة بالوفاة لزمها الإحداد كالكبيرة . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة عن بنت لها توفي عنها زوجها فاشتكت عينها أفتكحلها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ) مرتين أو ثلاثا ، كل ذلك يقول ( لا ) ولم يسأل عن سنها
الخامسة عشرة : : قال ابن المنذر : ولا أعلم خلافا أن الخضاب . وأجمعوا على أنه داخل في جملة الزينة المنهي عنها ، إلا ما صبغ بالسواد فإنه رخص فيه لا يجوز لها لباس الثياب المصبغة والمعصفرة عروة بن الزبير ومالك ، وكرهه والشافعي الزهري . وقال الزهري : لا تلبس ثوب عصب ، وهو خلاف الحديث . وفي المدونة قال مالك : لا تلبس رقيق عصب اليمن ، ووسع في غليظه . قال ابن القاسم : لأن رقيقه بمنزلة الثياب المصبغة وتلبس رقيق الثياب وغليظه من الحرير والكتان والقطن . قال ابن المنذر : ورخص كل من أحفظ عنه في لباس البياض ، قال القاضي عياض : ذهب إلى أن كل صبغ كان زينة لا تمسه الحاد رقيقا كان أو غليظا . ونحوه الشافعي قال : كل ما كان من الألوان تتزين به النساء لأزواجهن فلتمتنع منه الحاد . ومنع بعض مشايخنا المتأخرين جيد البياض الذي يتزين به ، وكذلك الرفيع من السواد . وروى للقاضي عبد الوهاب ابن المواز عن مالك : لا تلبس حليا وإن كان حديدا ، وفي الجملة أن كل ما تلبسه المرأة على وجه ما يستعمل عليه الحلي من التجمل فلا تلبسه الحاد . ولم ينص أصحابنا على الجواهر واليواقيت والزمرد وهو داخل في معنى الحلي . والله أعلم .
السادسة عشرة : وأجمع الناس على وجوب ، إلا الإحداد على المتوفى عنها زوجها الحسن فإنه قال : ليس بواجب ، واحتج بما رواه عبد الله بن شداد بن الهاد قالت : لما أصيب أسماء بنت عميس قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت جعفر بن أبي طالب . قال عن ابن المنذر : كان من بين سائر أهل العلم لا يرى الإحداد ، وقال : الحسن البصري . وقد ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإحداد ، وليس لأحد بلغته إلا التسليم ، ولعل المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها تكتحلان وتختضبان وتصنعان ما شاءا الحسن لم تبلغه ، أو بلغته فتأولها بحديث أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تحد على أسماء بنت عميس جعفر وهى امرأته ، فأذن لها ثلاثة أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي . قال ابن المنذر ، [ ص: 167 ] وقد دفع أهل العلم هذا الحديث بوجوه ، وكان يقول : هذا الشاذ من الحديث لا يؤخذ به ، وقاله أحمد بن حنبل إسحاق .
السابعة عشرة : ذهب مالك إلى أن والشافعي كانت أو بائنة واحدة أو أكثر ، وهو قول لا إحداد على مطلقة ، رجعية ربيعة . وذهب وعطاء الكوفيون : أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد إلى أن ، وهو قول المطلقة ثلاثا عليها الإحداد سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن سيرين . قال والحكم بن عيينة الحكم : هو عليها أوكد وأشد منه على المتوفى عنها زوجها ، ومن جهة المعنى أنهما جميعا في عدة يحفظ بها النسب . وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : الاحتياط أن تتقي المطلقة الزينة . قال ابن المنذر : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : دليل على أن لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا . المطلقة ثلاثا والمطلق حي لا إحداد عليها
الثامنة عشرة : أجمع العلماء على أن من أن عليها عدة الوفاة وترثه . واختلفوا في طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها ثم توفي قبل انقضاء العدة ، فقالت طائفة تعتد عدة الطلاق ، هذا قول عدة المطلقة ثلاثا في المرض مالك والشافعي ويعقوب وأبي عبيد . قال وأبي ثور ابن المنذر : وبه نقول ؛ لأن الله تعالى جعل عدة المطلقات الأقراء ، وقد أجمعوا على ، وذلك لأنها غير زوجة ، وإذا كانت غير زوجة فهو غير زوج لها . وقال المطلقة ثلاثا لو ماتت لم يرثها المطلق الثوري : تعتد بأقصى العدتين . وقال النعمان ومحمد : عليها أربعة أشهر وعشر تستكمل في ذلك ثلاث حيض .
التاسعة عشرة : واختلفوا في ، فقالت طائفة : المرأة يبلغها وفاة زوجها أو طلاقه ، هذا قول العدة في الطلاق والوفاة من يوم يموت أو يطلق ابن عمر وابن مسعود ، وبه قال وابن عباس مسروق وجماعة من التابعين ، وإليه ذهب وعطاء مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والثوري وأصحاب الرأي وأبو ثور وابن المنذر . وفيه قول ثان وهو أن عدتها من يوم يبلغها الخبر ، روي هذا القول عن علي ، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء الخراساني وجلاس بن عمرو . وقال سعيد بن المسيب : إن قامت بينة فعدتها من يوم مات أو طلق ، وإن لم تقم بينة فمن يوم يأتيها الخبر ، والصحيح الأول ؛ لأنه تعالى علق العدة بالوفاة أو الطلاق ، ولأنها وعمر بن عبد العزيز ، فإذا تركته مع عدم العلم فهو أهون ، ألا ترى أن الصغيرة تنقضي عدتها ولا إحداد عليها . وأيضا فقد أجمع العلماء [ ص: 168 ] على أنها لو علمت بموته فتركت الإحداد انقضت العدة . ولا فرق بين هذه المسألة وبين المسألة المختلف فيها . ووجه من قال بالعدة من يوم يبلغها الخبر ، أن العدة عبادة بترك الزينة وذلك لا يصح إلا بقصد ونية ، والقصد لا يكون إلا بعد العلم . والله أعلم . لو كانت حاملا لا تعلم طلاق الزوج أو وفاته ثم وضعت حملها أن عدتها منقضية
الموفية عشرين : والتي لم تبلغ المحيض ، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية - دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل - وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لعموم الآية في قوله تعالى : عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا . شهران وخمس ليال . قال وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها : نصف عدة الحرة إجماعا ، إلا ما يحكى عن ابن العربي الأصم فإنه سوى فيها بين الحرة والأمة وقد سبقه الإجماع ، لكن لصممه لم يسمع . قال : ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروى عن الباجي ابن سيرين ، وليس بالثابت عنه أنه قال : عدتها عدة الحرة .
قلت : قول الأصم صحيح من حيث النظر ، فإن الآيات الواردة في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة ، فعدة الحرة والأمة سواء على هذا النظر ، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة ، وكما استوت الأمة والحرة في النكاح فكذلك تستوي معها في العدة . والله أعلم . قال : وروي عن ابن العربي مالك أن إذ يبرأ الرحم ، وهذا منه فاسد جدا ؛ لأنه أخرجها من عموم آية الوفاة وهي منها وأدخلها في عموم آية الطلاق وليست منها . الكتابية تعتد بثلاث حيض
قلت : وعليه بناء ما في المدونة لا عدة عليها إن كانت غير مدخول بها ؛ لأنه قد علم براءة رحمها ، هذا يقتضي أن تتزوج مسلما أو غيره إثر وفاته ؛ لأنه إذا لم يكن عليها عدة للوفاة ولا استبراء للدخول فقد حلت للزواج .
الحادية والعشرون : واختلفوا في ، فقالت طائفة : عدتها أربعة أشهر وعشر ، قاله جماعة من التابعين منهم عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها سعيد والزهري والحسن البصري وغيرهم ، وبه قال الأوزاعي وإسحاق . وروى أبو داود عن والدارقطني عن قبيصة بن ذؤيب عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ، يعني في أم الولد ، لفظ أبي داود . وقال : موقوف . وهو الصواب ، وهو [ ص: 169 ] مرسل لأن الدارقطني قبيصة لم يسمع من عمرو . قال ابن المنذر : وضعف أحمد وأبو عبيد هذا الحديث . وروي عن علي أن عدتها ثلاث حيض ، وهو قول وابن مسعود عطاء وإبراهيم النخعي وأصحاب الرأي ، قالوا : لأنها عدة تجب في حال الحرية ، فوجب أن تكون عدة كاملة ، أصله عدة الحرة . وقال وسفيان الثوري مالك والشافعي وأحمد : عدتها حيضة ، وهو قول وأبو ثور ابن عمر . وروي عن طاوس أن عدتها نصف عدة الحرة المتوفى عنها ، وبه قال قتادة . قال ابن المنذر : وبقول ابن عمر أقول ؛ لأنه الأقل مما قيل فيه وليس فيه سنة تتبع ولا إجماع يعتمد عليه . وذكر اختلافهم في عدتها في العتق كهو في الوفاة سواء ، إلا أن الأوزاعي جعل عدتها في العتق ثلاث حيض .
قلت : أصح هذه الأقوال قول مالك ؛ لأن الله سبحانه قال : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فشرط في تربص الأقراء أن يكون عن طلاق ، فانتفى بذلك أن يكون عن غيره . وقال : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فعلق وجوب ذلك بكون المتربصة زوجة ، فدل على أن الأمة بخلافها . وأيضا فإن هذه أمة موطوءة بملك اليمين فكان استبراؤها بحيضة ، أصل ذلك الأمة .
الثانية والعشرون : إذا ثبت هذا فهل عدة ، فالذي ذكره أم الولد استبراء محض أو عدة أبو محمد في معونته أن الحيضة استبراء وليست بعدة . وفي المدونة أن أم الولد عليها العدة ، وأن عدتها حيضة كعدة الحرة ثلاث حيض . وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا هي عدة فقد قال مالك : لا أحب أن تواعد أحدا ينكحها حتى تحيض حيضة . قال ابن القاسم : وبلغني عنه أنه قال : لا تبيت إلا في بيتها ، فأثبت لمدة استبرائها حكم العدة .
الثالثة والعشرون : أجمع أهل العلم على أن واجبة ، لقوله تعالى : نفقة المطلقة ثلاثا أو مطلقة للزوج عليها رجعة وهي حامل وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن .
واختلفوا في وجوب ، فقالت طائفة : لا نفقة لها ، كذلك قال نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق ، وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي . وفيه قول ثان وهو أن لها النفقة من جميع المال ، وروي هذا القول [ ص: 170 ] عن علي وعبد الله وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي وجلاس بن عمرو وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول ؛ لأنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه ، فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه . وقال القاضي أبو محمد : لأن نفقة الحمل ليست بدين ثابت فتتعلق بماله بعد موته ، بدليل أنها تسقط عنه بالإعسار فبأن تسقط بالموت أولى وأحرى .
الرابعة والعشرون : قوله تعالى : أربعة أشهر وعشرا اختلف العلماء في ، فقال بعضهم : لا تبرأ إذا كانت ممن توطأ إلا بحيضة تأتي بها في الأربعة الأشهر والعشر ، وإلا فهي مسترابة . وقال آخرون : ليس عليها أكثر من أربعة أشهر وعشر ، إلا أن تستريب نفسها ريبة بينة ؛ لأن هذه المدة لا بد فيها من الحيض في الأغلب من أمر النساء إلا أن تكون المرأة ممن لا تحيض أو ممن عرفت من نفسها أو عرف منها أن حيضتها لا تأتيها إلا في أكثر من هذه المدة . الأربعة الأشهر والعشر التي جعلها الله ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها ، هل تحتاج فيها إلى حيضة أم لا
الخامسة والعشرون : قوله تعالى : وعشرا روى عن وكيع عن أبي جعفر الرازي الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه سئل : لم ضمت العشر إلى الأربعة الأشهر ؟ قال : لأن الروح تنفخ فيها ، وسيأتي في الحج بيان هذا إن شاء الله تعالى . وقال الأصمعي : ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض . وقال غيره : أركضت فهي مركضة وأنشد : ( للشاعر أوس بن علفاء الهجيمي ) :
ومركضة صريحي أبوها تهان لها الغلامة والغلام
وقال : قوله الخطابي وعشرا يريد - والله أعلم - الأيام بلياليها . وقال المبرد : إنما أنث العشر لأن المراد به المدة . المعنى وعشر مدد ، كل مدة من يوم وليلة ، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر . وقيل : لم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها . ( وعشرا ) أخف في اللفظ ، فتغلب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ ؛ لأن ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال ، فلما كان أول الشهر الليلة غلب الليلة ، تقول : صمنا خمسا من الشهر ، فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار . وذهب مالك والشافعي والكوفيون إلى أن المراد بها الأيام والليالي . قال ابن المنذر : فلو عقد عاقد عليها النكاح على هذا القول [ ص: 171 ] وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليال كان باطلا حتى يمضي اليوم العاشر . وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت للأزواج ، وذلك لأنه رأى العدة مبهمة فغلب التأنيث وتأولها على الليالي . وإلى هذا ذهب الأوزاعي من الفقهاء من المتكلمين . وروي عن وأبو بكر الأصم ابن عباس أنه قرأ " أربعة أشهر وعشر ليال " .قوله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير فيه ثلاث مسائل : الأولى : أضاف تعالى الأجل إليهن إذ هو محدود مضروب في أمرهن ، وهو عبارة عن انقضاء العدة .
الثانية : قوله تعالى : فلا جناح عليكم خطاب لجميع الناس ، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء . فيما فعلن يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد . ( بالمعروف ) أي بما أذن فيه الشرع من اختيار أعيان الأزواج وتقدير الصداق دون مباشرة العقد ؛ لأنه حق للأولياء كما تقدم .
الثالثة : وفي هذه الآية دليل على أن للأولياء منعهن من . وفيها رد على التبرج والتشوف للزوج في زمان العدة إسحاق في قوله : إن المطلقة إذا طعنت في الحيضة الثالثة بانت وانقطعت رجعة الزوج الأول ، إلا أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل . وعن شريك أن لزوجها الرجعة ما لم تغتسل ولو بعد عشرين سنة ، قال الله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن وبلوغ الأجل هنا انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ولم يذكر غسلا ، فإذا انقضت عدتها حلت للأزواج ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك . والحديث عن ابن عباس لو صح يحتمل أن يكون منه على الاستحباب ، والله أعلم .