[ ص: 285 ] تفسير سورة الإنسان وهي مكية . 
قد تقدم في صحيح مسلم  ، عن ابن عباس   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة " الم تنزيل " السجدة ، و " هل أتى على الإنسان " 
وقال  عبد الله بن وهب   : أخبرنا ابن زيد   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة :  " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود ، فلما بلغ صفة الجنان ، زفر زفرة فخرجت نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخرج نفس صاحبكم - أو قال : أخيكم - الشوق إلى الجنة "  . مرسل غريب . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا    ( 1 ) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا   ( 2 ) إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا   ( 3 ) ) 
يقول تعالى مخبرا عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئا يذكر لحقارته وضعفه ، فقال : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا   ) ؟ 
ثم بين ذلك فقال : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج   ) أي : أخلاط . والمشج والمشيج : الشيء الخليط ، بعضه في بعض . 
قال ابن عباس  في قوله : ( من نطفة أمشاج   ) يعني : ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا ، ثم ينتقل بعد من طور إلى طور ، وحال إلى حال ، ولون إلى لون . وهكذا قال عكرمة  ، ومجاهد  ، والحسن  ،  والربيع بن أنس   : الأمشاج : هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة . 
 [ ص: 286 ] 
وقوله : ( نبتليه   ) أي : نختبره ، كقوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا   ) [ الملك : 2 ] . ( فجعلناه سميعا بصيرا   ) أي : جعلنا له سمعا وبصرا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية . 
وقوله : ( إنا هديناه السبيل   ) أي : بيناه له ووضحناه وبصرناه به ، كقوله : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى   ) [ فصلت : 17 ] ، وكقوله : ( وهديناه النجدين   ) [ البلد : 10 ] ، أي : بينا له طريق الخير وطريق الشر . وهذا قول عكرمة  وعطية  وابن زيد  ومجاهد   - في المشهور عنه - والجمهور . 
وروي عن مجاهد  وأبي صالح  والضحاك   والسدي  أنهم قالوا في قوله : ( إنا هديناه السبيل   ) يعني خروجه من الرحم . وهذا قول غريب ، والصحيح المشهور الأول . 
وقوله : ( إما شاكرا وإما كفورا    ) منصوب على الحال من " الهاء " في قوله : ( إنا هديناه السبيل   ) تقديره : فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم  ، عن أبي مالك الأشعري  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فموبقها أو معتقها "  . وتقدم في سورة " الروم " عند قوله : ( فطرت الله التي فطر الناس عليها   ) [ الروم : 30 ] من رواية  جابر بن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا أعرب عنه لسانه ، فإما شاكرا وإما كفورا "  . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا أبو عامر  ، حدثنا عبد الله بن جعفر  ، عن عثمان بن محمد  ، عن المقبري  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان : راية بيد ملك ، وراية بيد شيطان ، فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته ، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته . وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته ، فلم يزل تحت راية الشيطان ، حتى يرجع إلى بيته "  . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا معمر  ، عن ابن خثيم  ، عن عبد الرحمن بن سابط  ، عن  جابر بن عبد الله   : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  لكعب بن عجرة   :  " أعاذك الله من إمارة السفهاء " . قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : " أمراء يكونون من بعدي ، لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ولست منهم ، ولا يردون على حوضي . ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم ، فأولئك مني وأنا منهم ، وسيردون على حوضي . يا كعب بن عجرة  ، الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة قربان - أو قال : برهان - يا كعب بن عجرة ، إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت ، النار أولى به . يا كعب ، الناس غاديان ، فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها "  . 
ورواه عن عفان  ، عن وهيب  ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم  ، به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					