( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا    ( 23 ) فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا   ( 24 ) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا   ( 25 ) ) 
( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا   ( 26 ) إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا   ( 27 ) نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا   ( 28 ) إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا   ( 29 ) وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما   ( 30 ) يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما   ( 31 ) ) 
 [ ص: 294 ] 
يقول تعالى ممتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم بما نزله عليه من القرآن العظيم تنزيلا ( فاصبر لحكم ربك   ) أي : كما أكرمتك بما أنزلت عليك ، فاصبر على قضائه وقدره ، واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره ، ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا   ) أي : لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك بل بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وتوكل على الله ; فإن الله يعصمك من الناس ، فالآثم هو الفاجر في أفعاله ، والكفور هو الكافر بقلبه . 
( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا   ) أي : أول النهار وآخره . 
( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا   ) كقوله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا   ) [ الإسراء : 79 ] وكقوله : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا   ) [ المزمل : 1 - 4 ] . 
ثم قال : منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها  ، وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم : ( إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا   ) يعني : يوم القيامة . 
ثم قال : ( نحن خلقناهم وشددنا أسرهم   ) قال ابن عباس  ومجاهد  ، وغير واحد : يعني خلقهم . ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا   ) أي : وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة ، وبدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا . وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة . 
وقال ابن زيد   وابن جرير   : ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا   ) [ أي ] : وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم ، كقوله : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا   ) [ النساء : 133 ] وكقوله : ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز   ) [ إبراهيم : 19 ، 20 ، وفاطر 16 ، 17 ] . 
ثم قال تعالى : ( إن هذه ) يعني : هذه السورة ( تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا   ) أي طريقا ومسلكا ، أي : من شاء اهتدى بالقرآن ، كقوله : ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما   ) [ النساء : 39 ] .  [ ص: 295 ] 
ثم قال : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله   ) أي : لا يقدر أحد أن يهدي نفسه ، ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعا ، ( إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما   ) أي : عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ، ويقيض له أسبابها ، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى ، وله الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة ; ولهذا قال تعالى : ( إن الله كان عليما حكيما   ) 
ثم قال : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما   ) أي : يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ومن يهده فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . 
[ آخر سورة " الإنسان " ] [ والله أعلم ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					