القول في تأويل قوله ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة    ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا فرغتم ، أيها المؤمنون ، من صلاتكم وأنتم مواقفو عدوكم التي بيناها لكم ، فاذكروا الله على كل أحوالكم قياما وقعودا ومضطجعين على جنوبكم ، بالتعظيم له ، والدعاء لأنفسكم بالظفر على عدوكم ، لعل الله أن يظفركم وينصركم عليهم . وذلك نظير قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون   ) [ سورة الأنفال : 45 ] ، وكما : - 
10380 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثني معاوية  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس  قوله : " واذكروا الله كثيرا   " ، يقول : لا يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال عذر ، غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، فقال : " فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم   " ، بالليل والنهار ، في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال .  [ ص: 165 ] 
وأما قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة   " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله . 
فقال بعضهم : معنى قوله : " فإذا اطمأننتم   " ، فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم فأقيموا يعني : فأتموا الصلاة التي أذن لكم بقصرها في حال خوفكم في سفركم وضربكم في الأرض . 
ذكر من قال ذلك : 
10381 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ،  عن رجل ، عن مجاهد  في قوله : " فإذا اطمأننتم   " ، قال : الخروج من دار السفر إلى دار الإقامة . 
10382 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  عن قتادة  في قوله : " فإذا اطمأننتم   " ، يقول : إذا اطمأننتم في أمصاركم ، فأتموا الصلاة  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : فإذا استقررتم فأقيموا الصلاة  أي : فأتموا حدودها بركوعها وسجودها . 
ذكر من قال ذلك : 
10383 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " فإذا اطمأننتم   " ، قال : فإذا اطمأننتم بعد الخوف  . 
10384 - وحدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة   " ، قال : فإذا اطمأننتم فصلوا الصلاة ، لا تصلها راكبا ولا ماشيا ولا قاعدا  .  [ ص: 166 ] 
10385 - حدثنا محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم ،  عن عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة   " ، قال : أتموها . 
10386 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  مثله . 
قال أبو جعفر   : وأولى التأويلين بتأويل الآية ، تأويل من تأوله : فإذا زال خوفكم من عدوكم وأمنتم ، أيها المؤمنون ، واطمأنت أنفسكم بالأمن فأقيموا الصلاة  فأتموا حدودها المفروضة عليكم ، غير قاصريها عن شيء من حدودها . 
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله تعالى ذكره عرف عباده المؤمنين الواجب عليهم من فرض صلاتهم بهاتين الآيتين في حالين : 
إحداهما : حال شدة خوف ، أذن لهم فيها بقصر الصلاة ، على ما بينت من قصر حدودها عن التمام . 
والأخرى : حال غير شدة الخوف ، أمرهم فيها بإقامة حدودها وإتمامها ، على ما وصفه لهم جل ثناؤه ، من معاقبة بعضهم بعضا في الصلاة خلف أئمتهم ، وحراسة بعضهم بعضا من عدوهم . وهي حالة لا قصر فيها ، لأنه يقول جل ثناؤه : لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الحال : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة   " . فمعلوم بذلك أن قوله : " فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة   " ، إنما هو : فإذا اطمأننتم من الحال التي لم تكونوا مقيمين فيها صلاتكم ، فأقيموها . وتلك حالة شدة الخوف ، لأنه قد أمرهم بإقامتها في حال غير شدة الخوف بقوله : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة   " الآية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					