(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89ولما جاءهم ) : الضمير عائد على اليهود ، ونزلت فيهم حين كانت غطفان تقاتلهم وتهزمهم ، أو حين كانوا يلقون من العرب أذى كثيرا ، أو حين حاربهم
الأوس والخزرج فغلبتهم .
( كتاب ) : هو القرآن ، وإسناد المجيء إليه مجاز .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89من عند الله ) : في موضع الصفة ، وصفه بـ " من عند الله " جدير أن يقبل ، ويتبع ما فيه ، ويعمل بمضمونه ، إذ هو وارد من عند خالقهم وإلههم الذي هو ناظر
[ ص: 303 ] في مصالحهم .
( مصدق ) : صفة ثانية ، وقدمت الأولى عليها ؛ لأن الوصف بكينونته من عند الله آكد ، ووصفه بالتصديق ناشئ عن كونه من عند الله . لا يقال : إنه يحتمل أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89من عند الله ) متعلقا بجاءهم ، فلا يكون صفة للفصل بين الصفة والموصوف بما هو معمول لغير أحدهما . وفي مصحف
أبي مصدقا ، وبه قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة ونصبه على الحال من " كتاب " ، وإن كان نكرة . وقد أجاز ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بلا شرط ، فقد تخصصت بالصفة ، فقربت من المعرفة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89لما معهم ) : هو التوراة والإنجيل ، وتصديقه إما بكونهما من عند الله ، أو بما اشتملا عليه من ذكر بعث الرسول ونعته .
( وكانوا ) : يجوز أن يكون معطوفا على جاءهم ، فيكون جواب لما مرتبا على المجيء والكون . ويحتمل أن يكون جملة حالية ، أي وقد كانوا ، فيكون الجواب مرتبا على المجيء بقيد في مفعوله ، وهم كونهم يستفتحون . وظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن قوله : وكانوا ليست معطوفة على الفعل بعد لما ، ولا حالا لأنه قدر جواب لما محذوفا قبل تفسيره يستفتحون ، فدل على أن قوله : وكانوا ، جملة معطوفة على مجموع الجملة من قوله : ولما .
( من قبل ) : أي من قبل المجيء ، وبني لقطعه عن الإضافة إلى معرفة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89يستفتحون ) : أي يستحكمون ، أو يستعلمون ، أو يستنصرون ، أقوال ثلاثة . يقولون إذا دهمهم العدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة . واختلفوا في جواب ولما الأولى ، فذهب
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج إلى أنه محذوف لدلالة المعنى عليه ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وقدره نحو : كذبوا به واستهانوا بمجيئه ، وقدره غيره : كفروا ، فحذف لدلالة كفروا به عليه ، والمعنى قريب في ذلك . وذهب
الفراء إلى أن الفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ) جواب لما الأولى ، وكفروا ، جواب لقوله : فلما جاءهم . وهو عنده نظير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف ) . قال : ويدل على أن الفاء هنا ليست بناسقة أن الواو لا تصلح في موضعها . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد إلى أن جواب لما الأولى هو : كفروا به ، وكرر لما لطول الكلام ، ويقيد ذلك تقريرا للذنب وتأكيدا له . وهذا القول كان يكون أحسن لولا أن الفاء تمنع من التأكيد . وأما قول
الفراء فلم يثبت من لسانهم ، لما جاء زيد ، فلما جاء خالد أقبل جعفر ، فهو تركيب مفقود في لسانهم فلا نثبته ، ولا حجة في هذا المختلف فيه ، فالأولى أن كون الجواب محذوفا لدلالة المعنى عليه ، وأن يكون التقدير : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم كذبوه ، ويكون التكذيب حاصلا بنفس مجيء الكتاب من غير فكر فيه ولا روية ، بل بادروا إلى تكذيبه . ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل يستفتحون ) ، أي يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم ، أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبيا يبعث قد قرب وقت بعثه ، فكانوا يخبرون بذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ما عرفوا ) : وما سبق لهم تعريفه للمشركين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89كفروا به ) : ستروه وجحدوه ، وهذا أبلغ في ذمهم ، إذ يكون الشيء المعروف لهم ، المستقر في قلوبهم وقلوب من أعلموهم به كيانه ونعته يعمدون
[ ص: 304 ] إلى ستره وجحده ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) . وقال
أبو القاسم الراغب ما ملخصه : الاستفتاح ، طلب الفتح ، وهو ضربان : إلهي ، وهو النصرة بالوصول إلى العلوم المؤدية إلى الثواب ، ومنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك ) ، ( فعسى أن يأتي بالفتح ) . ودنيوي ، وهو النصرة بالوصول إلى اللذات البدنية ، ومنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) . فمعنى يستفتحون : أي يعلمون خبره من الناس مرة ، ويستنبطون ذكره من الكتب مرة . وقيل : يطلبون من الله بذكره الظفر . وقيل : كانوا يقولون إنا ننصر
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - على عبدة الأوثان . وكل ذلك داخل في عموم الاستفتاح . انتهى . وظاهر قوله : ما عرفوا أنه الكتاب ؛ لأنه أتى بلفظ ما ، ويحتمل أنه يراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن " ما " قد يعبر بها عن صفات من يعقل ، ويجوز أن يكون المعنى : ما عرفوه من الحق ، فيندرج فيه معرفة نبوته وشريعته وكتابه ، وما تضمنه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلعنة الله على الكافرين ) : لما كان الكتاب جائيا من عند الله إليهم ، فكذبوه وستروا ما سبق لهم عرفانه ، فكان ذلك استهانة بالمرسل والمرسل به . قابلهم الله بالاستهانة والطرد ، وأضاف اللعنة إلى الله تعالى على سبيل المبالغة ؛ لأن من لعنه الله تعالى هو الملعون حقيقة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله ) ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ) . ثم إنه لم يكتف باللعنة حتى جعلها مستعلية عليهم ، كأنه شيء جاءهم من أعلاهم ، فجللهم بها ، ثم نبه على علة اللعنة وسببها ، وهي الكفر ، كما قال قبل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88بل لعنهم الله بكفرهم ) ، وأقام الظاهر مقام المضمر لهذا المعنى ، فتكون الألف واللام للعهد ، أو تكون للعموم ، فيكون هؤلاء فردا من أفراد العموم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن تكون للجنس ، ويكون فيه دخولا أوليا . ونعني بالجنس العموم ، وتخيله أنهم يدخلون فيه دخولا أوليا ليس بشيء ؛ لأن دلالة العلة على أفراده ليس فيها بعض الأفراد أولى من بعض ، وإنما هي دلالة على كل فرد فرد ، فهي دلالة متساوية . وإذا كانت دلالة متساوية ، فليس فيها شيء أول ولا أسبق من شيء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28973بئسما اشتروا به أنفسهم ) : تقدم الكلام على بئس ، وأما ما فاختلف فيها ، ألها موضع من الإعراب أم لا . فذهب
الفراء إلى أنه بجملته شيء واحد ركب ، كحبذا ، هذا نقل
ابن عطية عنه . وقال
المهدوي : قال
الفراء : يجوز أن تكون ما مع بئس بمنزلة كلما ، فظاهر هذين النقلين أن " ما " لا موضع لها من الإعراب ، وذهب الجمهور إلى أن لها موضعا من الإعراب . واختلف ، أموضعها نصب أم رفع ؟ فذهب
الأخفش إلى أن موضعها نصب على التمييز ، والجملة بعدها في موضع نصب على الصفة ، وفاعل بئس مضمر مفسر بما ، التقدير : بئس هو شيئا اشتروا به أنفسهم ، وأن يكفروا هو المخصوص بالذم ، وبه قال
الفارسي في أحد قوليه ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . ويحتمل على هذا الوجه أن يكون المخصوص بالذم محذوفا ، واشتروا صفة له ، والتقدير : بئس شيئا شيء اشتروا به أنفسهم ، وأن يكفروا بدل من ذلك المحذوف ، فهو في موضع رفع ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو أن يكفروا . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي في أحد قوليه إلى ما ذهب إليه هؤلاء ، من أن ما موضعها نصب على التمييز ، وثم ما أخرى محذوفة موصولة هي المخصوص بالذم ، التقدير : بئس شيئا الذي اشتروا به أنفسهم . فالجملة بعد ما المحذوفة صلة لها ، فلا موضع لها من
[ ص: 305 ] الإعراب . و " أن يكفروا " - على هذا القول - بدل ، ويجوز على هذا القول أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هو كفرهم . فتلخص في قول النصب في الجملة بعد " ما " أقوال ثلاثة : أن يكون صفة لما هذه التي هي تمييز فموضعها نصب ، أو صلة لما المحذوفة الموصولة فلا موضع لها ، أو صفة لشيء المحذوف المخصوص بالذم فموضعها الرفع ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه إلى أن موضعها رفع على أنها فاعل بئس ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : هي معرفة تامة ، التقدير : بئس الشيء ، والمخصوص بالذم على هذا محذوف ، أي شيء اشتروا به أنفسهم . وعزي هذا القول ، أعني أن ما معرفة تامة لا موصولة ، إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي . وقال
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، فيما نقل عنهما : أن ما موصولة بمعنى الذي ، واشتروا : صلة ، وبذلك قال الفارسي ، في أحد قوليه ، وعزى
ابن عطية هذا القول إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه قال : فالتقدير على هذا القول : بئس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا ، كقولك : بئس الرجل زيد ، وما في هذا القول موصولة . انتهى كلامه ، وهو وهم على
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي فيما نقل عنه
المهدوي وابن عطية إلى أن ما وما بعدها في موضع رفع ، على أن تكون مصدرية ، التقدير : بئس اشتراؤهم . قال
ابن عطية : وهذا معترض ؛ لأن بئس لا تدخل على اسم معين يتعرف بالإضافة إلى الضمير . انتهى كلامه . وما قاله لا يلزم إلا إذا نص على أنه مرفوع ببئس ، أما إذا جعله المخصوص بالذم ، وجعل فاعل بئس مضمرا والتمييز محذوفا ، لفهم المعنى . التقدير : بئس اشتراء اشتراؤهم ، فلا يلزم الاعتراض ، لكن يبطل هذا القول الثاني عود الضمير في به على ما ، وما المصدرية لا يعود عليها ضمير ، لأنها حرف على مذهب الجمهور ، إذ
الأخفش يزعم أنها اسم . والكلام على هذه المذاهب تصحيحا وإبطالا يذكر في علم النحو .
اشتروا هنا : بمعنى باعوا ، وتقدم أنه قال : شرى واشترى : بمعنى باع ، هذا قول الأكثرين . وفي المنتخب : إن الاشتراء هنا على بابه ؛ لأن المكلف إذا خاف على نفسه من العقاب ، أتى بأعمال يظن أنها تخلصه ، وكأنه قد اشترى نفسه بها . فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنه يخلصهم ، ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم ، فذمهم الله عليه . قال : وهذا الوجه أقرب إلى المعنى واللفظ من الأول ، يعني بالأول أن يكون بمعنى باع ، وهذا الذي اختاره صاحب المنتخب ، يرد عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ، فدل على أن المراد ليس اشتراءهم أنفسهم بالكفر ، ظنا منهم أنهم يخلصون من العقاب ، بل ذلك كان على سبيل البغي والحسد ، لكونه تعالى جعل ذلك في
محمد - صلى الله عليه وسلم - فاتضح أن قول الجمهور أولى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90أن يكفروا ) : تقدم أن موضعه رفع ، إما على أن يكون مخصوصا بالذم عند من جعل ما قبله من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بئسما اشتروا به ) غير تام ، وفيه الأعاريب التي في المخصوص بالذم إذا تأخر ، أهو مبتدأ ، والجملة التي قبله خبر مبتدأ محذوف على ما تقرر قبل ؟ وأجاز
الفراء على هذا التقدير أن يكون بدلا من الضمير في به ، فيكون في موضع خبر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بما أنزل الله ) : هو الكتاب الذي تقدم ذكره ، وهو القرآن . وفي ذلك من التفخيم إن لم يحصل مضمر ، بل أظهر موصولا بالفعل الذي هو أنزل المشعر بأنه من العالم العلوي ، ونسب إسناده إلى الله ، ليحصل التوافق من حيث المعنى بين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89كتاب من عند الله ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بما أنزل الله ) . ويحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل ، إذ كفروا
بعيسى وبمحمد صلوات الله وسلامه عليهما ، والكفر بهما كفر بالتوراة . ويحتمل أن يراد الجميع من قرآن وإنجيل وتوراة ؛ لأن الكفر ببعضها كفر بكلها .
( بغيا ) : أي حسدا ، إذ لم يكن من
بني إسرائيل ، قاله
قتادة وأبو العالية والسدي . وقيل : معناه ظلما ، وانتصابه على أنه مفعول من أجله وظاهره أن العامل فيه يكفروا ، أي كفرهم لأجل البغي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو علة اشتروا ، فعلى قوله يكون العامل فيه اشتروا . وقيل : هو نصب على المصدر لا مفعول من أجله ، والتقدير : بغوا بغيا ، وحذف
[ ص: 306 ] الفعل لدلالة الكلام عليه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90أن ينزل الله ) : أن مع الفعل بتأويل المصدر ، وذلك المصدر المقدر منصوب على أنه مفعول من أجله ، أي بغوا لتنزيل الله . وقيل : التقدير بغيا على أن ينزل الله ; لأن معناه حسدا على أن ينزل الله ، أي على ما خص الله به نبيه من الوحي ، فحذفت على ، ويجيء الخلاف الذي في أن وأن ، إذا حذف حرف الجر منهما ، أهما في موضع نصب أم في موضع خفض ؟ وقيل : أن ينزل في موضع جر على أنه بدل اشتمال من ما في قوله : بما أنزل الله ، أي بتنزيل الله ، فيكون مثل قول الشاعر :
أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص
وقرأ
أبو عمرو وابن كثير جميع المضارع مخففا من أنزل ، إلا ما وقع الإجماع على تشديده ، وهو في الحجر ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وما ننزله ) ، إلا أن أبا عمرو شدد " على أن ننزل آية " في الأنعام ،
وابن كثير شدد (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننزل من القرآن ما هو شفاء ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93حتى تنزل علينا كتابا ) ، وشدد الباقون المضارع حيث وقع إلا
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي فخففا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34وينزل الغيث ) ، في آخر
لقمان ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=28وهو الذي ينزل الغيث ) ، في الشورى . والهمزة والتشديد كل منهما للتعدية . وقد ذكروا مناسبات لقراءات القراء واختياراتهم ولا تصح .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90من فضله ) : من لابتداء الغاية ، والفضل هنا الوحي والنبوة . وقد جوز بعضهم أن تكون من زائدة على مذهب
الأخفش ، فيكون في موضع المفعول ، أي أن ينزل الله فضله .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90على من يشاء ) على متعلقة بينزل ، والمراد بمن يشاء :
محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب ، وعز النبوة من
يعقوب إلى
عيسى عليهم الصلاة والسلام كان في
إسحاق ، فختم في
عيسى ، ولم يكن من ولد
إسماعيل نبي غير نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - فختمت النبوة على غيرهم ، وعدموا العز والفضل . و ( من ) هنا موصولة ، وقيل نكرة موصوفة . و ( يشاء ) على القول الأول : صلة ، فلا موضع لها من الإعراب ، وصفة على القول الثاني ، فهي في موضع خفض ، والضمير العائد على الموصول أو الموصوف محذوف تقديره يشاءوه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90من عباده ) : جار ومجرور في موضع الحال ، تقديره كائنا من عباده ، وأضاف العباد إليه تشريفا لهم ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا يرضى لعباده الكفر ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90فباءوا ) : أي مضوا ، وتقدم معنى باءوا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بغضب على غضب ) : أي مترادف متكاثر ، ويدل ذلك على تشديد الحال عليهم . وقيل المراد بذلك : غضبان معللان بقصتين : الغضب الأول : لعبادة العجل ، والثاني : لكفرهم
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . أو الأول : كفرهم بالإنجيل ، والثاني : كفرهم بالقرآن ، قاله
قتادة . أو الأول : كفرهم
بعيسى ، والثاني : كفرهم
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قاله
الحسن وغيره ، أو الأول : قولهم
عزير ابن الله ، وقولهم يد الله مغلولة ، وغير ذلك من أنواع كفرهم ، والثاني : كفرهم
بمحمد - صلى الله عليه وسلم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90وللكافرين عذاب مهين ) : الألف واللام في الكافرين للعهد ، وأقام المظهر مقام المضمر إشعارا بعلة كون العذاب المهين لهم ، إذ لو أتى ، ولهم عذاب مهين ، لم يكن في ذلك تنبيه على العلة ، أو تكون الألف واللام للعموم ، فيندرجون في الكافرين . ووصف العذاب بالإهانة ، وهي الإذلال ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) . وجاء في الصحيح ، في حديث عبادة ، وقد ذكر أشياء محرمة فقال : " فمن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له " . فهذا العذاب إنما هو لتكفير السيئات ، أو لأنه يقتضي الخلود خلودا لا ينقطع ، أو لشدته وعظمته واختلاف أنواعه ، أو لأنه جزاء على تكبرهم عن اتباع الحق . وقد احتج
الخوارج بهذه الآية على أن الفاسق كافر ؛ لأنه ثبت تعذيبه ، واحتج بها
المرجئة على أن الفاسق لا يعذب لأنه ليس بكافر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَلَمَّا جَاءَهُمْ ) : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ حِينَ كَانَتْ غَطَفَانُ تُقَاتِلُهُمْ وَتَهْزِمُهُمْ ، أَوْ حِينَ كَانُوا يَلْقَوْنَ مِنَ الْعَرَبِ أَذًى كَثِيرًا ، أَوْ حِينَ حَارَبَهُمُ
الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَغَلَبَتْهُمْ .
( كِتَابٌ ) : هُوَ الْقُرْآنُ ، وَإِسْنَادُ الْمَجِيءِ إِلَيْهِ مَجَازٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) : فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ ، وَصْفُهُ بِـ " مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " جَدِيرٌ أَنْ يُقْبَلَ ، وَيُتَّبَعَ مَا فِيهِ ، وَيُعْمَلَ بِمَضْمُونِهِ ، إِذْ هُوَ وَارِدٌ مِنْ عِنْدِ خَالِقِهِمْ وَإِلَهِهِمُ الَّذِي هُوَ نَاظِرٌ
[ ص: 303 ] فِي مَصَالِحِهِمْ .
( مُصَدِّقٌ ) : صِفَةٌ ثَانِيَةٌ ، وَقُدِّمَتِ الْأَوْلَى عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِكَيْنُونَتِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ آكَدُ ، وَوَصْفَهُ بِالتَّصْدِيقِ نَاشِئٌ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . لَا يُقَالُ : إِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) مُتَعَلِّقًا بِجَاءَهُمْ ، فَلَا يَكُونَ صِفَةً لِلْفَصْلِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِمَا هُوَ مَعْمُولٌ لِغَيْرِ أَحَدِهِمَا . وَفِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ مُصَدِّقًا ، وَبِهِ قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ " كِتَابٌ " ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً . وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ بِلَا شَرْطٍ ، فَقَدْ تَخَصَّصَتْ بِالصِّفَةِ ، فَقَرُبَتْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89لِمَا مَعَهُمْ ) : هُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، وَتَصْدِيقُهُ إِمَّا بِكَوْنِهِمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، أَوْ بِمَا اشْتَمَلَا عَلَيْهِ مَنْ ذِكْرِ بَعْثِ الرَّسُولِ وَنَعْتِهِ .
( وَكَانُوا ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى جَاءَهُمْ ، فَيَكُونَ جَوَابُ لَمَّا مُرَتَّبًا عَلَى الْمَجِيءِ وَالْكَوْنِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً ، أَيْ وَقَدْ كَانُوا ، فَيَكُونَ الْجَوَابُ مُرَتَّبًا عَلَى الْمَجِيءِ بِقَيْدٍ فِي مَفْعُولِهِ ، وَهُمْ كَوْنُهُمْ يَسْتَفْتِحُونَ . وَظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ : وَكَانُوا لَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى الْفِعْلِ بَعْدَ لَمَّا ، وَلَا حَالًا لِأَنَّهُ قَدَّرَ جَوَابَ لَمَّا مَحْذُوفًا قَبْلَ تَفْسِيرِهِ يَسْتَفْتِحُونَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : وَكَانُوا ، جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَةِ مِنْ قَوْلِهِ : وَلَمَّا .
( مِنْ قَبْلُ ) : أَيْ مِنْ قَبْلِ الْمَجِيءِ ، وَبُنِيَ لِقَطْعِهِ عَنِ الْإِضَافَةِ إِلَى مَعْرِفَةٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89يَسْتَفْتِحُونَ ) : أَيْ يَسْتَحْكِمُونَ ، أَوْ يَسْتَعْلِمُونَ ، أَوْ يَسْتَنْصِرُونَ ، أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ . يَقُولُونَ إِذَا دَهَمَهُمُ الْعَدُوُّ : اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ . وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ وَلَمَّا الْأُولَى ، فَذَهَبَ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ إِلَى أَنَّهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَقَدَّرَهُ نَحْوَ : كَذَّبُوا بِهِ وَاسْتَهَانُوا بِمَجِيئِهِ ، وَقَدَّرَهُ غَيْرُهُ : كَفَرُوا ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ كَفَرُوا بِهِ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ فِي ذَلِكَ . وَذَهَبَ
الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ ) جَوَابُ لَمَّا الْأُولَى ، وَكَفَرُوا ، جَوَابٌ لِقَوْلِهِ : فَلَمَّا جَاءَهُمْ . وَهُوَ عِنْدَهُ نَظِيرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ ) . قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ هُنَا لَيْسَتْ بِنَاسِقَةٍ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَّرِدُ إِلَى أَنَّ جَوَابَ لَمَّا الْأُولَى هُوَ : كَفَرُوا بِهِ ، وَكُرِّرَ لَمَّا لِطُولِ الْكَلَامِ ، وَيُقَيِّدُ ذَلِكَ تَقْرِيرًا لِلذَّنْبِ وَتَأْكِيدًا لَهُ . وَهَذَا الْقَوْلُ كَانَ يَكُونُ أَحْسَنَ لَوْلَا أَنَّ الْفَاءَ تَمْنَعُ مِنَ التَّأْكِيدِ . وَأَمَّا قَوْلُ
الْفَرَّاءِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ لِسَانِهِمْ ، لَمَّا جَاءَ زَيْدٌ ، فَلَمَّا جَاءَ خَالِدٌ أَقْبَلَ جَعْفَرٌ ، فَهُوَ تَرْكِيبٌ مَفْقُودٌ فِي لِسَانِهِمْ فَلَا نُثْبِتُهُ ، وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، فَالْأَوْلَى أَنَّ كَوْنَ الْجَوَابِ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ كَذَّبُوهُ ، وَيَكُونُ التَّكْذِيبُ حَاصِلًا بِنَفْسِ مَجِيءِ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ فِيهِ وَلَا رَوِيَّةٍ ، بَلْ بَادَرُوا إِلَى تَكْذِيبِهِ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ ) ، أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا قَاتَلُوهُمْ ، أَوْ يَفْتَحُونَ عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّفُونَهُمْ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ قَدْ قَرُبَ وَقْتُ بَعْثِهِ ، فَكَانُوا يُخْبِرُونَ بِذَلِكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا ) : وَمَا سَبَقَ لَهُمْ تَعْرِيفُهُ لِلْمُشْرِكِينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89كَفَرُوا بِهِ ) : سَتَرُوهُ وَجَحَدُوهُ ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي ذَمِّهِمْ ، إِذْ يَكُونُ الشَّيْءُ الْمَعْرُوفُ لَهُمْ ، الْمُسْتَقِرُّ فِي قُلُوبِهِمْ وَقُلُوبِ مَنْ أَعْلَمُوهُمْ بِهِ كِيَانَهُ وَنَعْتَهُ يَعْمِدُونَ
[ ص: 304 ] إِلَى سَتْرِهِ وَجَحْدِهِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) . وَقَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ الرَّاغِبُ مَا مُلَخَّصُهُ : الِاسْتِفْتَاحُ ، طَلَبُ الْفَتْحِ ، وَهُوَ ضَرْبَانِ : إِلَهِيٌّ ، وَهُوَ النُّصْرَةُ بِالْوُصُولِ إِلَى الْعُلُومِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الثَّوَابِ ، وَمِنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ) ، ( فَعَسَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ ) . وَدُنْيَوِيٌّ ، وَهُوَ النُّصْرَةُ بِالْوُصُولِ إِلَى اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ ، وَمِنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) . فَمَعْنَى يَسْتَفْتِحُونَ : أَيْ يَعْلَمُونَ خَبَرَهُ مِنَ النَّاسِ مَرَّةً ، وَيَسْتَنْبِطُونَ ذِكْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ مَرَّةً . وَقِيلَ : يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ بِذِكْرِهِ الظَّفَرَ . وَقِيلَ : كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّا نُنْصَرُ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ . وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الِاسْتِفْتَاحِ . انْتَهَى . وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : مَا عَرَفُوا أَنَّهُ الْكِتَابُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظِ مَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ " مَا " قَدْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : مَا عَرَفُوهُ مِنَ الْحَقِّ ، فَيَنْدَرِجَ فِيهِ مَعْرِفَةُ نُبُوَّتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَكِتَابِهِ ، وَمَا تَضَمَّنَهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) : لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ جَائِيًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ ، فَكَذَّبُوهُ وَسَتَرُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ عِرْفَانُهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ اسْتِهَانَةً بِالْمُرْسِلِ وَالْمُرْسَلِ بِهِ . قَابَلَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِهَانَةِ وَالطَّرْدِ ، وَأَضَافَ اللَّعْنَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَلْعُونُ حَقِيقَةً .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ ) ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=52وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) . ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِاللَّعْنَةِ حَتَّى جَعَلَهَا مُسْتَعْلِيَةً عَلَيْهِمْ ، كَأَنَّهُ شَيْءٌ جَاءَهُمْ مِنْ أَعْلَاهُمْ ، فَجَلَّلَهُمْ بِهَا ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى عِلَّةِ اللَّعْنَةِ وَسَبَبِهَا ، وَهِيَ الْكُفْرُ ، كَمَا قَالَ قَبْلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ ) ، وَأَقَامَ الظَّاهِرَ مُقَامَ الْمُضْمَرِ لِهَذَا الْمَعْنَى ، فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ ، أَوْ تَكُونُ لِلْعُمُومِ ، فَيَكُونُ هَؤُلَاءِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ، وَيَكُونَ فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا . وَنَعْنِي بِالْجِنْسِ الْعُمُومَ ، وَتَخَيُّلُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِيهِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعِلَّةِ عَلَى أَفْرَادِهِ لَيْسَ فِيهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ دَلَالَةٌ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ ، فَهِيَ دَلَالَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ . وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةً مُتَسَاوِيَةً ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ أَوَّلُ وَلَا أَسْبَقُ مِنْ شَيْءٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90nindex.php?page=treesubj&link=28973بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) : تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بِئْسَ ، وَأَمَّا مَا فَاخْتُلِفَ فِيهَا ، أَلَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ أَمْ لَا . فَذَهَبَ
الْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّهُ بِجُمْلَتِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ رُكِّبَ ، كَحَبَّذَا ، هَذَا نَقْلُ
ابْنِ عَطِيَّةَ عَنْهُ . وَقَالَ
الَمَهْدَوِيُّ : قَالَ
الْفَرَّاءُ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَعَ بِئْسَ بِمَنْزِلَةِ كُلَّمَا ، فَظَاهِرُ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ أَنَّ " مَا " لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ لَهَا مَوْضِعًا مِنَ الْإِعْرَابِ . وَاخْتُلِفَ ، أَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ أَمْ رَفْعٌ ؟ فَذَهَبَ
الْأَخْفَشُ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَهَا نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الصِّفَةِ ، وَفَاعِلُ بِئْسَ مُضْمَرٌ مُفَسَّرٌ بِمَا ، التَّقْدِيرُ : بِئْسَ هُوَ شَيْئًا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ، وَأَنْ يَكْفُرُوا هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ ، وَبِهِ قَالَ
الْفَارِسِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفًا ، وَاشْتَرَوْا صِفَةً لَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : بِئْسَ شَيْئًا شَيْءٌ اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ، وَأَنْ يَكْفُرُوا بَدَلٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هُوَ أَنْ يَكْفُرُوا . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ ، مِنْ أَنَّ مَا مَوْضِعُهَا نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ ، وَثَمَّ مَا أُخْرَى مَحْذُوفَةٌ مَوْصُولَةٌ هِيَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ ، التَّقْدِيرُ : بِئْسَ شَيْئًا الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ . فَالْجُمْلَةُ بَعْدَ مَا الْمَحْذُوفَةِ صِلَةٌ لَهَا ، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ
[ ص: 305 ] الْإِعْرَابِ . وَ " أَنْ يَكْفُرُوا " - عَلَى هَذَا الْقَوْلِ - بَدَلٌ ، وَيَجُوزَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هُوَ كُفْرُهُمْ . فَتَلَخَّصَ فِي قَوْلِ النَّصْبِ فِي الْجُمْلَةِ بَعْدَ " مَا " أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ : أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا هَذِهِ الَّتِي هِيَ تَمْيِيزٌ فَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ ، أَوْ صِلَةً لِمَا الْمَحْذُوفَةِ الْمَوْصُولَةِ فَلَا مَوْضِعَ لَهَا ، أَوْ صِفَةً لِشَيْءٍ الْمَحْذُوفِ الْمَخْصُوصِ بِالذَّمِّ فَمَوْضِعُهَا الرَّفْعُ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَهَا رَفْعٌ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلُ بِئْسَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : هِيَ مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ ، التَّقْدِيرُ : بِئْسَ الشَّيْءُ ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ عَلَى هَذَا مَحْذُوفٌ ، أَيْ شَيْءٌ اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ . وَعُزِيَ هَذَا الْقَوْلُ ، أَعْنِي أَنَّ مَا مَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ ، إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيِّ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، فِيمَا نُقِلَ عَنْهُمَا : أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي ، وَاشْتَرَوْا : صِلَةٌ ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْفَارِسِيُّ ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَعَزَى
ابْنُ عَطِيَّةَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ قَالَ : فَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : بِئْسَ الَّذِي اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا ، كَقَوْلِكَ : بِئْسَ الرَّجُلُ زِيدٌ ، وَمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مَوْصُولَةٌ . انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ وَهْمٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ فِيمَا نَقَلَ عَنْهُ
الَمَهْدَوِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى أَنَّ مَا وَمَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، عَلَى أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً ، التَّقْدِيرُ : بِئْسَ اشْتِرَاؤُهُمْ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا مُعْتَرَضٌ ؛ لِأَنَّ بِئْسَ لَا تَدْخُلُ عَلَى اسْمٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الضَّمِيرِ . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَمَا قَالَهُ لَا يَلْزَمُ إِلَّا إِذَا نُصَّ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ بِبِئْسَ ، أَمَّا إِذَا جَعَلَهُ الْمَخْصُوصَ بِالذَّمِّ ، وَجَعَلَ فَاعِلَ بِئْسَ مُضْمَرًا وَالتَّمْيِيزَ مَحْذُوفًا ، لَفُهِمَ الْمَعْنَى . التَّقْدِيرُ : بِئْسَ اشْتِرَاءٌ اشْتِرَاؤُهُمْ ، فَلَا يَلْزَمُ الِاعْتِرَاضُ ، لَكِنْ يُبْطِلُ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي بِهِ عَلَى مَا ، وَمَا الْمَصْدَرِيَّةُ لَا يَعُودُ عَلَيْهَا ضَمِيرٌ ، لِأَنَّهَا حَرْفٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ ، إِذِ
الْأَخْفَشُ يَزْعُمُ أَنَّهَا اسْمٌ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تَصْحِيحًا وَإِبْطَالًا يُذْكَرُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ .
اشْتَرَوْا هُنَا : بِمَعْنَى بَاعُوا ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ : شَرَى وَاشْتَرَى : بِمَعْنَى بَاعَ ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ . وَفِي الْمُنْتَخَبِ : إِنَّ الِاشْتِرَاءَ هُنَا عَلَى بَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعِقَابِ ، أَتَى بِأَعْمَالٍ يَظُنُّ أَنَّهَا تُخَلِّصُهُ ، وَكَأَنَّهُ قَدِ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِهَا . فَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ لَمَّا اعْتَقَدُوا فِيمَا أَتَوْا بِهِ أَنَّهُ يُخَلِّصُهُمْ ، ظَنُّوا أَنَّهُمُ اشْتَرَوْا أَنْفُسَهُمْ ، فَذَمَّهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ . قَالَ : وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ مِنَ الْأَوَّلِ ، يَعْنِي بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى بَاعَ ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ ، يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ اشْتِرَاءَهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَخْلُصُونَ مِنَ الْعِقَابِ ، بَلْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ ، لِكَوْنِهِ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ فِي
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ أَوْلَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90أَنْ يَكْفُرُوا ) : تَقَدَّمَ أَنَّ مَوْضِعَهُ رَفْعٌ ، إِمَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالذَّمِّ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ ) غَيْرَ تَامٍّ ، وَفِيهِ الْأَعَارِيبُ الَّتِي فِي الْمَخْصُوصِ بِالذَّمِّ إِذَا تَأَخَّرَ ، أَهْوَ مُبْتَدَأٌ ، وَالْجُمْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَبْلُ ؟ وَأَجَازَ
الْفَرَّاءُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي بِهِ ، فَيَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) : هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَهُوَ الْقُرْآنُ . وَفِي ذَلِكَ مِنَ التَّفْخِيمِ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُضْمَرٌ ، بَلْ أَظْهَرَ مَوْصُولًا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَنْزَلَ الْمُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ ، وَنُسِبَ إِسْنَادُهُ إِلَى اللَّهِ ، لِيَحْصُلَ التَّوَافُقُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، إِذْ كَفَرُوا
بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا ، وَالْكُفْرُ بِهِمَا كُفْرٌ بِالتَّوْرَاةِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْجَمِيعُ مِنْ قُرْآنٍ وَإِنْجِيلٍ وَتَوْرَاةٍ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِبَعْضِهَا كُفْرٌ بِكُلِّهَا .
( بَغْيًا ) : أَيْ حَسَدًا ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ ظُلْمًا ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ يَكْفُرُوا ، أَيْ كُفْرُهُمْ لِأَجْلِ الْبَغْيِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هُوَ عِلَّةُ اشْتَرَوْا ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ اشْتَرَوْا . وَقِيلَ : هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : بَغَوْا بَغْيًا ، وَحُذِفَ
[ ص: 306 ] الْفِعْلُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ ) : أَنْ مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ ، وَذَلِكَ الْمَصْدَرُ الْمُقَدَّرُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ ، أَيْ بَغَوْا لِتَنْزِيلِ اللَّهِ . وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ بَغْيًا عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَسَدًا عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ ، أَيْ عَلَى مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مِنَ الْوَحْيِ ، فَحُذِفَتْ عَلَى ، وَيَجِيءُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي أَنَّ وَأَنْ ، إِذَا حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مِنْهُمَا ، أَهُمَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَمْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ ؟ وَقِيلَ : أَنْ يُنَزِّلَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ : بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، أَيْ بِتَنْزِيلِ اللَّهِ ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ
وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ جَمِيعَ الْمُضَارِعِ مُخَفَّفًا مِنْ أَنْزَلَ ، إِلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَشْدِيدِهِ ، وَهُوَ فِي الْحِجْرِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وَمَا نُنَزِّلُهُ ) ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرٍو شَدَّدَ " عَلَى أَنْ نُنَزِّلَ آيَةً " فِي الْأَنْعَامِ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ شَدَّدَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا ) ، وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ الْمُضَارِعَ حَيْثُ وَقَعَ إِلَّا
حَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيَّ فَخَفَّفَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) ، فِي آخِرِ
لُقْمَانَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=28وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) ، فِي الشُّورَى . وَالْهَمْزَةُ وَالتَّشْدِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلتَّعْدِيَةِ . وَقَدْ ذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ لِقِرَاءَاتِ الْقُرَّاءِ وَاخْتِيَارَاتِهِمْ وَلَا تَصِحُّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90مِنْ فَضْلِهِ ) : مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَالْفَضْلُ هُنَا الْوَحْيُ وَالنُّبُوَّةُ . وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ تَكُونَ مِنْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ
الْأَخْفَشِ ، فَيَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ ، أَيْ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فَضْلَهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90عَلَى مَنْ يَشَاءُ ) عَلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِيُنَزِّلُ ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ يَشَاءُ :
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمْ حَسَدُوهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَكَانَ مِنَ الْعَرَبِ ، وَعِزُّ النُّبُوَّةِ مِنْ
يَعْقُوبَ إِلَى
عِيسَى عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي
إِسْحَاقَ ، فَخُتِمَ فِي
عِيسَى ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ نَبِيٌّ غَيْرُ نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخُتِمَتِ النُّبُوَّةُ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَعَدِمُوا الْعِزَّ وَالْفَضْلَ . وَ ( مَنْ ) هُنَا مَوْصُولَةٌ ، وَقِيلَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ . وَ ( يَشَاءُ ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : صِلَةٌ ، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَصِفَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، فَهِيَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ ، وَالضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ أَوِ الْمَوْصُوفِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَشَاءُوهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90مِنْ عِبَادِهِ ) : جَارٌّ وَمَجْرُورٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، تَقْدِيرُهُ كَائِنًا مِنْ عِبَادِهِ ، وَأَضَافَ الْعِبَادَ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهُمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90فَبَاءُوا ) : أَيْ مَضَوْا ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى بَاءُوا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ) : أَيْ مُتَرَادِفٍ مُتَكَاثِرٍ ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَشْدِيدِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ : غَضَبَانِ مُعَلَّلَانِ بِقِصَّتَيْنِ : الْغَضَبُ الْأَوَّلُ : لِعِبَادَةِ الْعِجْلِ ، وَالثَّانِي : لِكُفْرِهِمْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . أَوِ الْأَوَّلُ : كُفْرُهُمْ بِالْإِنْجِيلِ ، وَالثَّانِي : كُفْرُهُمْ بِالْقُرْآنِ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ . أَوِ الْأَوَّلُ : كُفْرُهُمْ
بِعِيسَى ، وَالثَّانِي : كُفْرُهُمْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ
الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ ، أَوِ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُمْ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُمْ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ كُفْرِهِمْ ، وَالثَّانِي : كُفْرُهُمْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) : الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْكَافِرِينَ لِلْعَهْدِ ، وَأَقَامَ الْمُظْهَرَ مُقَامَ الْمُضْمَرِ إِشْعَارًا بِعِلَّةِ كَوْنِ الْعَذَابِ الْمُهِينِ لَهُمْ ، إِذْ لَوْ أَتَى ، وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى الْعِلَّةِ ، أَوْ تَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ ، فَيَنْدَرِجُونَ فِي الْكَافِرِينَ . وَوَصَفَ الْعَذَابَ بِالْإِهَانَةِ ، وَهِيَ الْإِذْلَالُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) . وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ ، فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ ، وَقَدْ ذَكَرَ أَشْيَاءَ مُحَرَّمَةً فَقَالَ : " فَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ " . فَهَذَا الْعَذَابُ إِنَّمَا هُوَ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ ، أَوْ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْخُلُودَ خُلُودًا لَا يَنْقَطِعُ ، أَوْ لِشِدَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ ، أَوْ لِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى تَكَبُّرِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ . وَقَدِ احْتَجَّ
الْخَوَارِجُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ كَافِرٌ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَعْذِيبُهُ ، وَاحْتَجَّ بِهَا
الْمُرْجِئَةُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُعَذَّبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ .