[ ص: 454 ] الصفا : ألفه منقلبة عن واو لقولهم : صفوان ، ولاشتقاقه من الصفو ، وهو الخالص . وقيل : هو اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث ، ومفرده صفاة . وقيل : هو اسم مفرد يجمع على فعول وأفعال ، قالوا : صفي وأصفاء . مثل : قفي وأقفاء . وتضم الصاد في فعول وتكسر ، كعصي ، وهو الحجر الأملس . وقيل : الحجر الذي لا يخالطه غيره من طين ، أو تراب يتصل به ، وهو الذي يدل عليه الاشتقاق . وقيل : هو الصخرة العظيمة . المروة : واحدة المرو ، وهو اسم جنس ، قال :
فترى المرو إذا ما هجرت عن يديها كالفراش المشفتر
وقالوا : مروات في جمع مروة ، وهو القياس في جمع تصحيح مروة ، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين . وقيل : الحجارة الصلبة . وقيل : الصغار المرهفة الأطراف . وقيل : الحجارة السود . وقيل : البيض . وقيل : البيض الصلبة . والصفا والمروة في الآية : علمان لجبلين معروفين ، والألف واللام لزمتا فيهما للغلبة ، كهما في البيت : للكعبة ، والنجم : للثريا ، الشعائر : جمع شعيرة أو شعارة . قال الهروي : سمعت الأزهري يقول : هي العلائم التي ندب الله إليها ، وأمر بالقيام بها . وقال : كل ما كان من موقف ومشهد ومسعى ومذبح . وقد تقدمت لنا هذه المادة ، أعني مادة شعر ، أي أدرك وعلم . وتقول العرب : بيتنا شعار : أي علامة ، ومنه إشعار الهدي . الحج : القصد مرة بعد أخرى . قال الراجز : الزجاج
لراهب يحج بيت المقدس في منقل وبرجد وبرنس
والاعتمار : الزيارة . وقيل : القصد ، ثم صار الحج والعمرة علمين لقصد البيت وزيارته للنسكين المعروفين ، وهما في المعاني : كالبيت والنجم في الأعيان . وقد تقدمت هاتان المادتان في يحاجوكم وفي " يعمر " . الجناح : الميل إلى المأثم ، ثم أطلق على الإثم . يقال : جنح إلى كذا جنوحا : مال ، ومنه جنح الليل : ميله بظلمته ، وجناح الطائر . تطوع : تفعل من الطوع ، وهو الانقياد . الليل : قيل هو اسم جنس ، مثل : تمرة وتمر ، والصحيح أنه مفرد ، ولا يحفظ جمع لليل ، وأخطأ من ظن أن الليالي جمع الليل ، بل الليالي جمع ليلة ، وهو جمع غريب ، ونظيره : كيكة والكياكي ، والكيكة : البيضة ، كأنهم توهموا أنهما ليلاه وكيكاه ، ويدل على هذا التوهم قولهم في تصغير ليلة : لييلة ، وقد صرحوا بليلاة في الشعر ، قال الشاعر :
في كل يوم وبكل ليلاة
على أنه يحتمل أن تكون هذه الألف إشباعا نحو :
أعوذ بالله من العقراب
وقال ابن فارس : بعض الطير يسمى ليلا ، ويقال : إنه ولد الحبارى . وأما النهار : فجمعه نهر وأنهرة ، كقذل وأقذلة ، وهما جمعان مقيسان فيه . وقيل : النهار مفرد لا يجمع ; لأنه بمنزلة المصدر ، كقولك : الضياء يقع على القليل والكثير ، وليس بصحيح . قال الشاعر :
لولا الثريدان هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنهر
ويقال : رجل نهر ، إذا كان يعمل في النهار ، وفيه معنى النسب . قالوا : والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - - لعدي : " إنما هو بياض النهار وسواد الليل " ، يعني في [ ص: 455 ] قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) . وظاهر اللغة أنه من وقت الإسفار . وقال : ويغلب أول النهار طلوع الشمس . زاد النضر بن شميل النضر : ولا يعد ما قبل ذلك من النهار . وقال ، في ( كتب الأنواء ) : أول النهار ذرور الشمس ، واستدل بقول الزجاج : أمية بن أبي الصلت
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد
وقال : عدي بن زيد
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به بين النهار وبين الليل قد فصلا
والمصر : القطع . وأنشد : الكسائي
إذا طلعت شمس النهار فإنها أمارة تسليمي عليك فودعي
وقال : من طلوع الشمس إلى غروبها نهار ، ومن الفجر إلى طلوعها مشترك بين الليل والنهار . وقد تقدمت مادة نهر في قوله : ( تجري من تحتها الأنهار ) . الفلك : السفن ، ويكون مفردا وجمعا . وزعموا أن حركاته في الجمع ليست حركاته في المفرد ، وإذا استعمل مفردا ثني ، قالوا : فلكان . وقيل : إذا أريد به الجمع ، فهو اسم جمع ، والذي نذهب إليه أنه لفظ مشترك بين المفرد والجمع ، وأن حركاته في الجمع حركاته في المفرد ، ولا تقدر بغيرها . وإذا كان مفردا فهو مذكر ، كما قال : ( ابن الأنباري في الفلك المشحون ) . وقالوا : ويؤنث تأنيث المفرد ، قال : ( والفلك التي تجري ) ، ولا حجة في هذا ، إذ يكون هنا استعمل جمعا ، فهو من تأنيث الجمع ، والجمع يوصف بالتي ، كما توصف به المؤنثة . وقيل : واحد الفلك فلك ، كأسد وأسد ، وأصله من الدوران ، ومنه : فلك السماء الذي تدور فيه النجوم ، وفلكة المغزل ، وفلكة الجارية : استدرار نهدها . بث : نشر وفرق وأظهر . قال الشاعر :
وفي الأرض مبثوثا شجاع وعقرب
ومضارعه : يبث ، على القياس في كل ثلاثي مضعف متعد أنه يفعل إلا ما شذ . الدابة : اسم لكل حيوان ، ورد قول من أخرج منه الطير بقول علقمة :
كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب
ويقول الأعشى :
دبيب قطا البطحاء في كل منهل
وفعله : دب يدب ، وهذا قياسه ; لأنه لازم ، وسمع فيه يدب بضم عين الكلمة ، والهاء في الدابة للتأنيث ، إما على معنى نفس دابة ، وإما للمبالغة ، لكثرة وقوع هذا الفعل ، وتطلق على الذكر والأنثى . التصريف : مصدر صرف ، ومعناه : راجع للصرف ، وهو الرد . صرفت زيدا عن كذا : رددته . الرياح : جمع ريح ، جمع تكسير ، وياؤه واو ; لأنها من راح يروح ، وقلبت ياء لكسرة ما قبلها ، وحين زال موجب القلب - وهو الكسر - ظهرت الواو ، وقالوا : أرواح ، كجمع الروح . قال الشاعر :
أربت بها الأرواح كل عشية فلم يبق إلا آل نؤي منضد
قال ابن عطية : وقد لحن في هذه اللفظة عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ، فاستعمل الأرياح في شعره ، ولحن في ذلك . وقال أبو حاتم : إن الأرياح لا يجوز ، فقال له عمارة : ألا تسمع قولهم : رياح ؟ فقال له أبو حاتم : هذا خلاف ذلك ، فقال له : صدقت ورجع . انتهى . وفي محفوظي قديما أن الأرياح جاءت في شعر بعض فصحاء العرب الذين يستشهد بكلامهم ، كأنهم بنوه على المفرد ، وإن كانت علة القلب مفقودة في الجمع ، كما قالوا : عيد وأعياد ، وإنما ذلك من العود ، لكنه لما لزم البدل جعله كالحرف الأصلي . والسحاب : اسم جنس ، المفرد سحابة ، سمي بذلك ; لأنه ينسحب ، كما يقال له : حبى ; لأنه يحبو ، قاله أبو علي . التسخير : هو [ ص: 456 ] التذليل وجعل الشيء داخلا تحت الطوع . قال الراغب : التسخير : القهر على الفعل ، وهو أبلغ من الإكراه . الحب : مصدر حب يحب ، وقياس مضارعه يحب بالضم ; لأنه من المضاعف المتعدي ، وقياس المصدر الحب بفتح الحاء ، ويقال : أحب ، بمعنى : حب ، وهو أكثر منه ، ومحبوب أكثر من محب ، ومحب أكثر من حاب ، وقد جاء جمع الحب لاختلاف أنواعه ، قال الشاعر :
ثلاثة أحباب فحب علاقة وحب تملاق وحب هو القتل
والحب : إناء يجعل فيه الماء . الجميع : فعيل من الجمع ، وكأنه اسم جمع ، فلذلك يتبع تارة بالمفرد : ( نحن جميع منتصر ) ، وتارة بالجمع : ( جميع لدينا محضرون ) ، وينتصب حالا : جاء زيد وعمرو جميعا ، ويؤكد به بمعنى كلهم : جاء القوم جميعهم ، أي كلهم ، ولا يدل على الاجتماع في الزمان ، إنما يدل على الشمول في نسبة الفعل . تبرأ : تفعل ، من قولهم : برئت من الدين . براءة : وهو الخلوص والانفصال والبعد . تقطع : تفعل من القطع ، وهو معروف . الأسباب : جمع سبب ، وهو الوصلة إلى الموضع والحاجة من باب ، أو مودة ، أو غير ذلك . قيل : وقد تطلق الأسباب على الحوادث ، قال الشاعر :
ومن هاب أسباب المنية يلقها ولو رام أسباب السماء بسلم
وأصل السبب : الحبل ، وقيل : الذي يصعد به ، وقيل : الرابط الموصل . الكرة : العودة إلى الحالة التي كان فيها ، والفعل كر يكر كرا ، قال الشاعر :
أكر على الكتيبة لا أبالي أحتفي كان فيها أم سواها
الحسرة : شدة الندم ، وهو تألم القلب بانحساره عن مأموله .
( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ، سبب النزول : أن الأنصار كانوا يحجون لمناة ، وكانت مناة خزفا وحديدا ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام سألوا ، فأنزلت . وخرج هذا السبب في الصحيحين وغيرهما . وقد ذكر في التحرج عن الطواف بينهما أقوال . ( ومناسبة هذه الآية لما قبلها ) : أن الله تعالى لما أثنى على الصابرين ، وكان ، ناسب ذكره بعد ذلك . الحج من الأعمال الشاقة المفنية للمال والبدن وكان أحد أركان الإسلام والصفا والمروة ، كما ذكرنا ، قيل : علمان لهذين الجبلين ، والأعلام لا يلحظ فيها تذكير اللفظ ولا تأنيثه ; ألا ترى إلى قولهم : طلحة وهند ؟ وقد نقلوا أن قوما قالوا : ذكر الصفا ; لأن آدم وقف عليه ، وأنثت المروة ; لأن حواء وقفت عليها . وقال : كان على الشعبي الصفا صنم يدعى إسافا ، وعلى المروة صنم يدعى نائلة ، فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث ، وقدم المذكر . نقل القولين ابن عطية : ولولا أن ذلك دون في كتاب ما ذكرته . ولبعض الصوفية وبعض أهل البيت كلام منقول عنهم في الصفا والمروة ، رغبنا عن ذكره . وليس الجبلان لذاتهما من شعائر الله ، بل ذلك على حذف مضاف ، أي إن طواف الصفا والمروة ، ومعنى من شعائر الله : معالمه . وإذا قلنا : معنى من شعائر الله من مواضع عبادته ، فلا يحتاج إلى حذف مضاف في الأول ، بل يكون ذلك في الجر . ولما كان الطواف بينهما ليس عبادة مستقلة ، إنما يكون عبادة إذا كان بعض حج أو عمرة . بين تعالى ذلك بقوله : ( فمن حج البيت أو اعتمر ) ، ومن شرطية . ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، قرأ الجمهور : أن يطوف . وقرأ أنس وابن عباس وابن سيرين وشهر : أن لا ، وكذلك هي في مصحف أبي وعبد الله ، وخرج ذلك على زيادة لا ، نحو : ( " ما منعك أن لا تسجد " ) ؟ وقوله :
وما ألوم البيض أن لا تسخرا إذا رأين الشمط القفندرا
فتتحد معنى القراءتين ، ولا يلزم ذلك ; لأن رفع الجناح في فعل الشيء هو رفع في تركه ; إذ هو تخيير بين [ ص: 457 ] الفعل والترك ، نحو قوله تعالى : ( فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) . فعلى هذا تكون لا على بابها للنفي ، وتكون قراءة الجمهور فيها رفع الجناح في فعل الطواف نصا ، وفي هذه رفع الجناح في الترك نصا ، وكلتا القراءتين تدل على التخيير بين الفعل والترك ، فليس الطواف بهما واجبا ، وهو مروي عن ، ابن عباس وأنس ، وابن الزبير ، وعطاء ، ومجاهد ، ، فيما نقل عنه وأحمد بن حنبل أبو طالب ، وأنه لا شيء على من تركه ، عمدا كان أو سهوا ، ولا ينبغي أن يتركه . ومن ذهب إلى أنه ركن ، كالشافعي وأحمد ومالك ، في مشهور مذهبه ، أو واجب يجبر بالدم ، كالثوري وأبي حنيفة ، أو إن ترك أكثر من ثلاثة أشواط فعليه دم ، أو ثلاثة فأقل فعليه لكل شوط إطعام مسكين ، كأبي حنيفة في بعض الروايات ، يحتاج إلى نص جلي ينسخ هذا النص القرآني . وقول عائشة لعروة حين قال لها : أرأيت قول الله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، فما نرى على أحد شيئا ؟ فقالت : يا عرية ، كلا ، لو كان كذلك لقال : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . كلام لا يخرج اللفظ عما دل عليه من رفع الإثم عمن طاف بهما ، ولا يدل ذلك على وجوب الطواف ; لأن مدلول اللفظ إباحة الفعل ، وإذا كان مباحا كنت مخيرا بين فعله وتركه . وظاهر هذا الطواف أن يكون بالصفا والمروة ، فمن سعى بينهما من غير صعود عليهما ، لم يعد طائفا . ودلت الآية على مطلق الطواف ، لا على كيفية ، ولا عدد . واتفق علماء الأمصار على أن الرمل في السعي سنة . وروى عطاء ، عن : من شاء سعى بمسيل ابن عباس مكة ، ومن شاء لم يسع ، وإنما يعني الرمل في بطن الوادي . وكان عمر يمشي بين الصفا والمروة وقال : إن مشيت ، فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي ، وإن سعيت ، فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسعى . وسعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما ليري المشركين قوته . فيحتمل أن يزول الحكم بزوال سببه ، ويحتمل مشروعيته دائما ، وإن زال السبب ، والركوب في السعي بينهما مكروه عند أبي حنيفة وأصحابه ، ولا يجوز عند مالك ، إلا من عذر ، وعليه إذ ذاك دم . وإن طاف راكبا بغير عذر ، أعاد إن كان بحضرة البيت ، وإلا أهدى . وشكت الركوب في السعي ، ولا في الطواف بالبيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أم سلمة " . ولم يجئ في هذا الحديث أنه أمرها بدم . وفرق بعض أهل العلم فقال : إن طاف على ظهر بعير أجزاه ، أو على ظهر إنسان لم يجزه . وكون الضمير مثنى في قوله : " بهما " ، لا يدل على البداءة بالصفا ، بل الظاهر أنه لو بدأ بالمروة في السعي أجزأه ، ومشروعية السعي ، على قول كافة العلماء ، البداءة طوفي من وراء الناس وأنت راكبة بالصفا . فإن بدأ بالمروة ، فمذهب مالك ، ومشهور مذهب أبي حنيفة ، أنه يلغى ذلك الشوط ، فإن لم يفعل لم يجزه . وروي عن أبي حنيفة أيضا : إن لم يلغه فلا شيء عليه ، نزله بمنزلة الترتيب في أعضاء الوضوء . وقرأ الجمهور : " يطوف " ، وأصله يتطوف ، وفي الماضي كان أصله تطوف ، ثم أدغم التاء في الطاء ، فاحتاج إلى اجتلاب همزة الوصل ; لأن المدغم في الشيء لا بد من تسكينه ، فصار اطوف ، وجاء مضارعه يطوف ، فانحذفت همزة الوصل لتحصين الحرف المدغم بحرف المضارعة . وقرأ أبو حمزة : أن يطوف بهما ، من طاف يطوف ، وهي قراءة ظاهرة . وقرأ ابن عباس وأبو السمال : يطاف بهما ، وأصله : يطتوف ، يفتعل ، وماضيه : اطتوف افتعل ، تحركت الواو ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، وأدغمت الطاء في التاء بعد قلب التاء طاء ، كما قلبوا في اطلب ، فهو مطلب ، فصار : اطاف ، وجاء مضارعه : يطاف ، كما جاء يطلب : ومصدر اطوف : اطوافا ، ومصدر اطاف : اطيافا ، عادت الواو إلى أصلها ; لأن موجب إعلالها قد زال ، ثم قلبت ياء لكسرة ما قبلها ، كما قالوا : اعتدا اعتيادا ، وأن يطوف أصله ، في أن يطوف ، أي لا إثم عليه في الطواف بهما ، فحذف الحرف مع أن ، وحذفه قياس معها إذا لم يلبس ، وفيه الخلاف السابق ، أموضعها بعد الحذف [ ص: 458 ] جر أم نصب ؟ وجوز بعض من لا يحسن علم النحو أن يكون : " أن يطوف " ، في موضع رفع على أن يكون خبرا أيضا ، قال التقدير : فلا جناح الطواف بهما ، وأن يكون في موضع نصب على الحال ، والتقدير : فلا جناح عليه في حال تطوفه بهما ، قال : والعامل في الحال العامل في الجر ، وهي حال من الهاء في عليه . وهذان القولان ساقطان ، ولولا تسطيرهما في بعض كتب التفسير لما ذكرتهما .
( ومن تطوع خيرا ) : التطوع : ما تترغب به من ذات نفسك مما لا يجب عليك ; ألا ترى إلى قوله في حديث ضمام : ، أي تتبرع . هذا هو الظاهر ، فيكون المراد التبرع بأي فعل طاعة كان ، وهو قول هل علي غيرها ؟ قال : " لا ، إلا أن تطوع " الحسن ; أو بالنفل على واجب الطواف ، قاله مجاهد ، أو بالعمرة ، قاله ابن زيد ; أو بالحج والعمرة بعد قضاء الواجب عليه ، أو بالسعي بين الصفا والمروة ، وهذا قول من أسقط وجوب السعي ، لما فهم الإباحة في التطوف بهما من قوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ، حمل هذا على الطواف بهما ، كأنه قيل : ومن تبرع بالطواف بينهما ، أو بالسعي في الحجة الثانية التي هي غير واجبة ، أقوال ستة . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : تطوع فعلا ماضيا هنا ، وفي قوله : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) ، فيحتمل من أن يكون بمعنى الذي ، ويحتمل أن تكون شرطية . وقرأ حمزة ، : يطوع مضارعا مجزوما بمن الشرطية ، وافقهما والكسائي زيد ورويس في الأول منهما ، وانتصاب خيرا على المفعول بعد إسقاط حرف الجر ، أي بخير ، وهي قراءة ، قرأ : يتطوع بخير . ويطوع أصله : يتطوع ، كقراءة ابن مسعود عبد الله ، فأدغم . وأجازوا جعل خيرا نعتا لمصدر محذوف ، أي ومن يتطوع تطوعا خيرا .
( فإن الله شاكر عليم ) : هذه الجملة جواب الشرط . وإذا كانت من موصولة في احتمال أحد وجهي من في قراءة من قرأ تطوع فعلا ماضيا ، فهي جملة في موضع خبر المبتدأ ; لأن تطوع إذ ذاك تكون صلة . وشكر الله العبد بأحد معنيين : إما بالثواب ، وإما بالثناء . وعلمه هنا هو علمه بقدر الجزاء الذي للعبد على فعل الطاعة ، أو بنيته وإخلاصه في العمل . وقد وقعت الصفتان هنا الموقع الحسن ; لأن التطوع بالخير يتضمن الفعل والقصد ، فناسب ذكر الشكر باعتبار الفعل ، وذكر العلم باعتبار القصد ، وأخرت صفة العلم ، وإن كانت متقدمة ، على الشكر ، كما أن النية مقدمة على الفعل لتواخي رءوس الآي .