و " لحم الخنزير " : ظاهره أن المحرم منه هو لحمه فقط . وقد ذهب إلى ذلك
داود - رأس الظاهرية - فقال : المحرم اللحم دون الشحم . وقال غيره من سائر العلماء : المحرم لحمه وسائر أجزائه . وإنما خص اللحم بالذكر ، والمراد جميع أجزائه ; لكون اللحم هو معظم ما ينتفع به . كما نص على قتل الصيد على المحرم ، والمراد حظر جميع أفعاله في الصيد . وكما نص على ترك البيع (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) ; لأنه كان أعظم ما كانوا يبتغون به منافعهم ، فهو أشغل
[ ص: 488 ] لهم من غيره ، والمراد جميع الأمور الشاغلة عن الصلاة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه ؟ ( قلت ) : لأن الشحم داخل في ذكر اللحم بدليل قوله : لحم سمين ، يريدون أنه شحيم . انتهى . وقولهم هذا ليس بدليل على أن الشحم داخل في ذكر اللحم ; لأن وصف الشيء بأنه يمازجه شيء آخر ، لا يدل على أنه مندرج تحت مدلول ذلك الشيء ، ألا ترى أنك تقول مثلا رجل لابن ، أو رجل عالم ؟ لا يدل ذلك على أن اللبن أو العلم داخل في ذكر الرجل ، ولا أن ذكر الرجل . مجردا عن الوصفين يدل عليهما . وقال
ابن عطية : وخص ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه ، ذكي أو لم يذك ، وليعم الشحم وما هناك من الغضاريف وغيرها . وأجمعت الأمة على تحريم شحمه . انتهى كلامه . وليس كما ذكر ; لأن ذكر اللحم لا يعم الشحم وما هناك من الغضاريف ; لأن كلا من اللحم والشحم وما هناك من غضروف وغيره ، ليس له اسم يخصه . إذ أطلق ذلك الاسم ، لم يدخل فيه الآخر ، ولا يدل عليه لا بمطابقة ولا تضمن . فإذن تخصيصه بالذكر يدل على تخصيصه بالحكم ، إذ لو أريد المجموع ، لدل بلفظ يدل على المجموع . وقوله : أجمعت الأمة على تحريم شحمه ، ليس كما ذكر . ألا ترى أن
داود لا يحرم إلا ما ذكره الله تعالى ، وهو اللحم دون الشحم ؟ إلا أن يذهب
ابن عطية إلى ما يذكر عن
أبي المعالي عبد الملك الجويني ، من أنه لا يعتد في الإجماع ، بخلاف
داود ، فيكون ذلك عنده إجماعا . وقد اعتد أهل العلم الذين لهم الفهم التام والاجتهاد ، قبل أن يخلق
الجويني بأزمان ، بخلاف
داود ، ونقلوا أقاويله في كتبهم ، كما نقلوا أقاويل الأئمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760كالأوزاعي ،
وأبي حنيفة ،
ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد . ودان بمذهبه وقوله وطريقته ناس وبلاد وقضاة وملوك الأزمان الطويلة ، ولكنه في عصرنا هذا قد حمل هذا المذهب . ولما كان اللحم يتضمن عند
مالك الشحم ، ذهب إلى أنه لو حلف حالف أن لا يأكل لحما ، فأكل شحما ، أنه يحنث . وخالفه
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي فقالا : لا يحنث ، كما لو حلف أنه لا يأكل شحما ، فأكل لحما . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146حرمنا عليهم شحومهما ) . والإجماع أن اللحم ليس بمحرم على
اليهود ، فالحق أن كلا منهما لا يندرج تحت لفظ الآخر .
واختلفوا في الانتفاع بشعره في خرز وغيره ، فأجاز ذلك
مالك وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، ولم يجز ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
أبو يوسف : أكره الخرز به . وروي عنه الإباحة أيضا . وهل يتناول لفظ الخنزير خنزير البحر ؟ ذهب إلى ذلك
أبو حنيفة وأصحابه ؟ فمنعوا من أكله ؟ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا بأس بأكله . وقال
الليث : لا يؤكل خنزير الماء ، ولا إنسانه ، ولا كلبه . وسئل
مالك عن خنزير الماء ، فتوقف وقال : أنتم تسمونه خنزيرا . وقال
ابن القاسم : أنا أتقيه ولا أحرمه . وعلة تحريم لحم الخنزير قالوا : تفرد النصارى بأكله ، فنهي المسلمون عن أكله ، ليكون ذلك ذريعة إلى أن تقاطعوهم ، إذ كان الخنزير من أنفس طعامهم . وقيل : لكونه ممسوخا ، فغلظ تحريم أكله لخبث أصله . وقيل : لأنه يقطع الغيرة ويذهب بالأنفة ، فيتساهل الناس في هتك المحرم وإباحة الزنا ، ولم تشر الآية الكريمة إلى شيء من هذه التعليلات التي ذكروها .
" وما أهل به لغير الله " : أي ما ذبح للأصنام والطواغيت ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ، أو ما ذكر عليه اسم غير الله ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس وغيره ، أو ما ذكر اسم المسيح عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، أو ما قصد به غير وجه الله تعالى للتفاخر والتباهي ، قاله
علي والحسن . وروي أن
عليا قال في الإبل التي نحرها
غالب أبو الفرزدق : إنها مما أهل بها لغير الله ، فتركها الناس ، راعى
علي النية في ذلك . ومنع
الحسن من أكل جزور ذبحتها امرأة للعبها وقال : إنها نحرت لصنم . وسئلت
عائشة عن أكل ما يذبحه الأعاجم لأعيادهم ويهدون للمسلمين فقالت : لا تأكلوه ، وكلوا من أشجارهم . والذي يظهر من الآية
nindex.php?page=treesubj&link=16989تحريم ما ذبح لغير الله ، فيندرج
[ ص: 489 ] في لفظ غير الله الصنم والمسيح والفخر واللعب ، وسمي ذلك إهلالا ; لأنهم يرفعون أصواتهم باسم المذبوح له عند الذبيحة ، ثم توسع فيه وكثر حتى صار اسما لكل ذبيحة جهر عليها أو لم يجهر ، كالإهلال بالتلبية صار علما لكل محرم رفع صوته أو لم يرفعه . ومن حمل ذلك على ما ذبح على النصب ، وهي الأوثان ، أجاز ذبيحة النصراني ، إذا سمى عليها باسم المسيح . وإلى هذا ذهب
عطاء ومكحول والحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي والليث . وقال
أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا تؤكل ذبائحهم إذا سموا عليها اسم المسيح ، وهو ظاهر قوله : ( لغير الله ) كما ذكرناه ; لأن الإهلال لغير الله هو إظهار غير اسم الله ، ولم يفرق بين اسم المسيح واسم غيره . وروي عن
علي أنه قال : إذا سمعتم
اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا . وأهل : مبني للمفعول الذي لم يسم فاعله . والمفعول الذي لم يسم فاعله هو الجار والمجرور في قوله : " به " ، والضمير في " به " عائد على " ما " ، إذ هي موصولة بمعنى الذي . ومعنى أهل بكذا ، أي صاح . فالمعنى : وما صيح به ، أي فيه ، أي في ذبحه لغير الله ، ثم صار ذلك كناية عن كل ما ذبح لغير الله ، صيح في ذبحه أو لم يصح ، كما ذكرناه قبل . وفي ذبيحة المجوسي خلاف . وكذلك فيما حرم على اليهودي والنصراني بالكتاب . أما ما حرموه باجتهادهم ، فذلك لنا حلال . ونقل
ابن عطية عن
مالك : الكراهة فيما سمى عليه الكتابي اسم المسيح ، أو ذبحه لكنيسة ، ولا يبلغ به التحريم .
وَ " لَحْمُ الْخِنْزِيرِ " : ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهُ هُوَ لَحْمُهُ فَقَطْ . وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ
دَاوُدُ - رَأْسُ الظَّاهِرِيَّةِ - فَقَالَ : الْمُحَرَّمُ اللَّحْمُ دُونَ الشَّحْمِ . وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ : الْمُحَرَّمُ لَحْمُهُ وَسَائِرُ أَجْزَائِهِ . وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّحْمُ بِالذِّكْرِ ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ ; لِكَوْنِ اللَّحْمِ هُوَ مُعْظَمَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ . كَمَا نَصَّ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ ، وَالْمُرَادُ حَظْرُ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ فِي الصَّيْدِ . وَكَمَا نَصَّ عَلَى تَرْكِ الْبَيْعِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=9إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) ; لِأَنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ مَا كَانُوا يَبْتَغُونَ بِهِ مَنَافِعَهُمْ ، فَهُوَ أَشْغَلُ
[ ص: 488 ] لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ عَنِ الصَّلَاةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : فَمَا لَهُ ذَكَرَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ دُونَ شَحْمِهِ ؟ ( قُلْتُ ) : لِأَنَّ الشَّحْمَ دَاخِلٌ فِي ذِكْرِ اللَّحْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : لَحْمٌ سَمِينٌ ، يُرِيدُونَ أَنَّهُ شَحِيمٌ . انْتَهَى . وَقَوْلُهُمْ هَذَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الشَّحْمَ دَاخِلٌ فِي ذِكْرِ اللَّحْمِ ; لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ يُمَازِجُهُ شَيْءٌ آخَرَ ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَدْلُولِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ مَثَلًا رَجُلٌ لَابِنٌ ، أَوْ رَجُلٌ عَالِمٌ ؟ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ أَوِ الْعِلْمَ دَاخِلٌ فِي ذِكْرِ الرَّجُلِ ، وَلَا أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ . مُجَرَّدًا عَنِ الْوَصْفَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَخُصٌّ ذِكْرُ اللَّحْمِ مِنِ الْخِنْزِيرِ لِيَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِ عَيْنِهِ ، ذُكِيَّ أَوْ لَمْ يُذَكَّ ، وَلِيَعُمَّ الشَّحْمَ وَمَا هُنَاكَ مِنَ الْغَضَارِيفِ وَغَيْرِهَا . وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ . انْتَهَى كَلَامُهُ . وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ ; لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّحْمِ لَا يَعُمُّ الشَّحْمَ وَمَا هُنَاكَ مِنَ الْغَضَارِيفِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَمَا هُنَاكَ مِنْ غُضْرُوفٍ وَغَيْرِهِ ، لَيْسَ لَهُ اسْمٌ يَخُصُّهُ . إِذْ أُطْلِقَ ذَلِكَ الِاسْمُ ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْآخَرُ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا بِمُطَابَقَةٍ وَلَا تَضَمُّنٍ . فَإِذَنْ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْحُكْمِ ، إِذْ لَوْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ ، لَدَلَّ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَجْمُوعِ . وَقَوْلُهُ : أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ ، لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ . أَلَا تَرَى أَنَّ
دَاوُدَ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ اللَّحْمُ دُونَ الشَّحْمِ ؟ إِلَّا أَنْ يَذْهَبَ
ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى مَا يُذْكَرُ عَنْ
أَبِي الْمَعَالِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْجُوَيْنِيِّ ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ فِي الْإِجْمَاعِ ، بِخِلَافِ
دَاوُدَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ إِجْمَاعًا . وَقَدِ اعْتَدَّ أَهْلُ الْعِلْمِ الَّذِينَ لَهُمُ الْفَهْمُ التَّامُّ وَالِاجْتِهَادُ ، قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ
الْجُوَيْنِيُّ بِأَزْمَانٍ ، بِخِلَافِ
دَاوُدَ ، وَنَقَلُوا أَقَاوِيلَهُ فِي كُتُبِهِمْ ، كَمَا نَقَلُوا أَقَاوِيلَ الْأَئِمَّةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760كَالْأَوْزَاعِيِّ ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ ،
وَمَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ،
وَأَحْمَدَ . وَدَانَ بِمَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ وَطَرِيقَتِهِ نَاسٌ وَبِلَادٌ وَقُضَاةٌ وَمُلُوكُ الْأَزْمَانِ الطَّوِيلَةِ ، وَلَكِنَّهُ فِي عَصْرِنَا هَذَا قَدْ حُمِلَ هَذَا الْمَذْهَبُ . وَلَمَّا كَانَ اللَّحْمُ يَتَضَمَّنُ عِنْدَ
مَالِكٍ الشَّحْمَ ، ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ حَالِفٌ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا ، فَأَكَلَ شَحْمًا ، أَنَّهُ يَحْنَثُ . وَخَالَفَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ فَقَالَا : لَا يَحْنَثُ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا ، فَأَكَلَ لَحْمًا . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا ) . وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ اللَّحْمَ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَى
الْيَهُودِ ، فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ لَفْظِ الْآخَرِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الِانْتِفَاعِ بِشِعْرِهِ فِي خَرَزِ وَغَيْرِهِ ، فَأَجَازَ ذَلِكَ
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ . وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : أَكْرَهُ الْخَرَزَ بِهِ . وَرُوِيَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ أَيْضًا . وَهَلْ يَتَنَاوَلُ لَفْظُ الْخِنْزِيرِ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ ؟ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ؟ فَمَنَعُوا مِنْ أَكْلِهِ ؟ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنُ أَبِي لَيْلَى nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ . وَقَالَ
اللَّيْثُ : لَا يُؤْكَلُ خِنْزِيرُ الْمَاءِ ، وَلَا إِنْسَانُهُ ، وَلَا كَلْبُهُ . وَسُئِلَ
مَالِكٌ عَنْ خِنْزِيرِ الْمَاءِ ، فَتَوَقَّفَ وَقَالَ : أَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ خِنْزِيرًا . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : أَنَا أَتَّقِيهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ . وَعِلَّةُ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ قَالُوا : تَفَرَّدَ النَّصَارَى بِأَكْلِهِ ، فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ أَكْلِهِ ، لِيَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى أَنْ تُقَاطِعُوهُمْ ، إِذْ كَانَ الْخِنْزِيرُ مِنْ أَنْفَسِ طَعَامِهِمْ . وَقِيلَ : لِكَوْنِهِ مَمْسُوخًا ، فَغَلَّظَ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ لِخُبْثِ أَصْلِهِ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْغَيْرَةَ وَيَذْهَبُ بِالْأَنَفَةِ ، فَيَتَسَاهَلُ النَّاسُ فِي هَتْكِ الْمُحَرَّمِ وَإِبَاحَةِ الزِّنَا ، وَلَمْ تُشِرِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرُوهَا .
" وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ " : أَيْ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالطَّوَاغِيتِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ ، أَوْ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14354الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ ، أَوْ مَا ذُكِرَ اسْمُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ ، أَوْ مَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّبَاهِي ، قَالَهُ
عَلِيٌّ وَالْحَسَنُ . وَرُوِيَ أَنَّ
عَلِيًّا قَالَ فِي الْإِبِلِ الَّتِي نَحَرَهَا
غَالِبٌ أَبُو الْفَرَزْدَقِ : إِنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ ، فَتَرَكَهَا النَّاسُ ، رَاعَى
عَلِيٌّ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ . وَمَنَعَ
الْحَسَنُ مِنْ أَكْلِ جَزُورٍ ذَبَحَتْهَا امْرَأَةٌ لِلَعِبِهَا وَقَالَ : إِنَّهَا نَحَرَتْ لِصَنَمٍ . وَسُئِلَتْ
عَائِشَةُ عَنْ أَكْلِ مَا يَذْبَحُهُ الْأَعَاجِمُ لِأَعْيَادِهِمْ وَيَهْدُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَتْ : لَا تَأْكُلُوهُ ، وَكُلُوا مِنْ أَشْجَارِهِمْ . وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=16989تَحْرِيمُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، فَيَنْدَرِجُ
[ ص: 489 ] فِي لَفْظِ غَيْرِ اللَّهِ الصَّنَمُ وَالْمَسِيحُ وَالْفَخْرُ وَاللَّعِبُ ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ إِهْلَالًا ; لِأَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِاسْمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ ، ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ وَكَثُرَ حَتَّى صَارَ اسْمًا لِكُلِّ ذَبِيحَةٍ جُهِرَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُجْهَرْ ، كَالْإِهْلَالِ بِالتَّلْبِيَةِ صَارَ عَلَمًا لِكُلِّ مُحْرِمٍ رَفَعَ صَوْتَهُ أَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ . وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ، وَهِيَ الْأَوْثَانُ ، أَجَازَ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ ، إِذَا سَمَّى عَلَيْهَا بِاسْمِ الْمَسِيحِ . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَابْنُ الْمُسَيَّبِ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَمَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ إِذَا سَمَّوْا عَلَيْهَا اسْمَ الْمَسِيحِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ : ( لِغَيْرِ اللَّهِ ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ ; لِأَنَّ الْإِهْلَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ هُوَ إِظْهَارُ غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اسْمِ الْمَسِيحِ وَاسْمِ غَيْرِهِ . وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا سَمِعْتُمُ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُهِلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلُوا . وَأُهِلَّ : مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ . وَالْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ هُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ : " بِهِ " ، وَالضَّمِيرُ فِي " بِهِ " عَائِدٌ عَلَى " مَا " ، إِذْ هِيَ مَوْصُولَةٌ بِمَعْنَى الَّذِي . وَمَعْنَى أَهَلَّ بِكَذَا ، أَيْ صَاحَ . فَالْمَعْنَى : وَمَا صِيحَ بِهِ ، أَيْ فِيهِ ، أَيْ فِي ذَبْحِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ كُلِّ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، صِيحَ فِي ذَبْحِهِ أَوْ لَمْ يُصَحْ ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ . وَفِي ذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ خِلَافٌ . وَكَذَلِكَ فِيمَا حُرِّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِالْكِتَابِ . أَمَّا مَا حَرَّمُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ ، فَذَلِكَ لَنَا حَلَالٌ . وَنَقَلَ
ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ
مَالِكٍ : الْكَرَاهَةَ فِيمَا سَمَّى عَلَيْهِ الْكِتَابِيُّ اسْمَ الْمَسِيحِ ، أَوْ ذَبَحَهُ لِكَنِيسَةٍ ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ التَّحْرِيمَ .