(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=28973ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم )
[ ص: 46 ] الختم : الوسم بطابع أو غيره مما يوسم به . القلب : مصدر قلب ، والقلب : اللحمة الصنوبرية المعروفة سميت بالمصدر ، وكني به في القرآن وغيره عن العقل ، وأطلق أيضا على لب كل شيء وخالصه . السمع : مصدر سمع سمعا وسماعا ، وكني به في بعض المواضع عن الأذن . البصر : نور العين ، وهو ما تدرك به المرئيات . الغشاوة : الغطاء ، غشاه أي غطاه ، وتصحح الواو لأن الكلمة بنيت على تاء التأنيث ، كما صححوا اشتقاقه ، قال
أبو علي الفارسي : لم أسمع من الغشاوة فعلا متصرفا بالواو ، وإذا لم يوجد ذلك كان معناها معنى ما اللام منه الياء ، غشي يغشى بدلالة قولهم : الغشيان والغشاوة من غشي ، كالجباوة من جبيت في أن الواو كأنها بدل من الياء إذا لم يصرف منه فعل ، كما لم يصرف من الجباوة ، انتهى كلامه . العذاب : أصله الاستمرار ، ثم اتسع فيه فسمي به كل استمرار ألم ، واشتقوا منه فقالوا : عذبته ، أي داومت عليه الألم ، وقد جعل الناس بينه وبين العذب : الذي هو الماء الحلو ، وبين عذب الفرس : استمر عطشه ، قدرا مشتركا وهو الاستمرار ، وإن اختلف متعلق الاستمرار . وقال
الخليل : أصله المنع ، يقال عذب الفرس : امتنع من العلف . عظيم : اسم فاعل من عظم غير مذهوب به مذهب الزمان ، وفعيل اسم وصفة الاسم مفرد نحو : قميص ، وجمع نحو : كليب ، ومعنى نحو : صهيل ، والصفة مفرد فعلة كقرى ، وفعلة كسري ، واسم فاعل من فعل ككريم ، وللمبالغة من فاعل كعليم ، وبمعنى أفعل كشميط ، وبمعنى مفعول كجريح ، ومفعل كسميع وأليم ، وتفعل كوكيد ، ومفاعل كجليس ، ومفتعل كسعير ، ومستفعل كمكين ، وفعل كرطيب ، وفعل كعجيب ، وفعال كصحيح ، وبمعنى الفاعل والمفعول كصريح ، وبمعنى الواحد والجمع كخليط وجمع فاعل كغريب .
مناسبة اتصال هذه الآية بما قبلها ظاهر ، وهو أنه لما ذكر صفة من الكتاب له هدى وهم المتقون الجامعون للأوصاف المؤدية إلى الفوز ، ذكر صفة ضدهم وهم الكفار المحتوم لهم بالوفاة على الكفر ، وافتتح قصتهم بحرف التأكيد ليدل على استئناف الكلام فيهم ، ولذلك لم يدخل في قصة المتقين ، لأن الحديث إنما جاء فيهم بحكم الانجرار ، إذ الحديث إنما هو عن الكتاب ثم أنجز ذكرهم في الإخبار عن الكتاب ، وعلى تقدير إعراب الذين يؤمنون ، الأول والثاني مبتدأ ، فإنما هو في المعنى من تمام صفة المتقين الذين كفروا ، يحتمل أن يكون للجنس ملحوظا فيه قيد ، وهو أن يقضي عليه بالكفر والوفاة عليه ، وأن يكون لمعنيين
كأبي جهل وأبي لهب وغيرهما . وسواء وما بعده يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون لا موضع له من الإعراب ، ويكون جملة اعتراض من مبتدأ وخبر ، بجعل سواء المبتدأ والجملة بعده الخبر أو العكس ، والخبر قوله : لا يؤمنون ، ويكون قد دخلت جملة الاعتراض تأكيدا لمضمون الجملة ; لأن من أخبر الله عنه أنه لا يؤمن استوى إنذاره وعدم إنذاره . والوجه الثاني : أن يكون له موضع من الإعراب ، وهو أن يكون في موضع خبر إن ، فيحتمل لا يؤمنون أن يكون له موضع من الإعراب ، إما خبر بعد خبر على مذهب من يجيز تعداد الأخبار ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هم لا يؤمنون ، وجوزوا فيه أن يكون في موضع الحال وهو بعيد ، ويحتمل أن يكون لا موضع له من الإعراب فتكون جملة تفسيرية لأن عدم الإيمان هو استواء الإنذار وعدمه ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=9وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ) ، أو يكون جملة دعائية وهو بعيد ، وإذا كان لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) موضع من الإعراب فيحتمل أن يكون سواء خبر إن ، والجملة في موضع رفع على الفاعلية ، وقد اعتمد بكونه خبر الذين ، والمعنى إن الذين كفروا مستو إنذارهم وعدمه . وفي كون الجملة تقع فاعلة خلاف مذهب جمهور البصريين أن الفاعل لا يكون إلا اسما أو ما هو في تقديره ، ومذهب
هشام وثعلب وجماعة من الكوفيين جواز كون الجملة تكون فاعلة ، وأجازوا يعجبني يقوم زيد ، وظهر لي أقام زيد أم عمرو ، أي قيام أحدهما ،
[ ص: 47 ] ومذهب
الفراء وجماعة أنه إن كانت الجملة معمولة لفعل من أفعال القلوب وعلق عنها ، جاز أن تقع في موضع الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله وإلا فلا ، ونسب هذا
nindex.php?page=showalam&ids=16076لسيبويه . قال أصحابنا : والصحيح المنع مطلقا ، وتقرير هذا في المبسوطات من كتب النحو . ويحتمل أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) مبتدأ وخبرا على التقديرين اللذين ذكرناهما إذا كانت جملة اعتراض ، وتكون في موضع خبر إن ، والتقديران المذكوران عن
أبي علي الفارسي وغيره . وإذا جعلنا سواء المبتدأ والجملة الخبر ، فلا يحتاج إلى رابط لأنها المبتدأ في المعنى والتأويل ، وأكثر ما جاء سواء بعده الجملة المصدرة بالهمزة المعادلة بأم (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=193سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ) ، وقد تحذف تلك الجملة للدلالة عليها ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم ) أي أصبرتم أم لم تصبروا ، وتأتي بعده الجملة الفعلية المتسلطة على اسم الاستفهام ، نحو : سواء علي أي الرجال ضربت ، قال
زهير :
سواء عليه أي حين أتيته أساعة نحس تتقى أم بأسعد
وقد جاء بعده ما عري عن الاستفهام ، وهو الأصل ، قال :
سواء صحيحات العيون وعوره
ا
وأخبر عن الجملة بأن جعلت فاعلا بسواء أو مبتدأة ، وإن لم تكن مصدرة بحرف مصدري حملا على المعنى ، وكلام العرب منه ما طابق فيه اللفظ المعنى ، نحو : قام زيد ، وزيد قائم ، وهو أكثر كلام العرب ، ومنه ما غلب فيه حكم اللفظ على المعنى ، نحو : علمت أقام زيد أم قعد ، لا يجوز تقديم الجملة على علمت ، وإن كان ليس ما بعد علمت استفهاما ، بل الهمزة فيه للتسوية . ومنه ما غلب فيه المعنى على اللفظ ، وذلك نحو الإضافة للجملة الفعلية نحو :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
إذ قياس الفعل أن لا يضاف إليه ، لكن لوحظ المعنى وهو المصدر ، فصحت الإضافة .
قال
ابن عطية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه الخبر ، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام لأن فيه التسوية التي هي في الاستفهام ، ألا ترى أنك إذا قلت مخبرا : سواء علي أقمت أم قعدت أم ذهبت ؟ وإذا قلت مستفهما : أخرج زيد أم قام ؟ فقد استوى الأمران عندك ، هذان في الخبر ، وهذان في الاستفهام ، وعدم علم أحدهما بعينه ، فلما عممتهما التسوية جرى على الخبر لفظ الاستفهام لمشاركته إياه في الإبهام ، وكل استفهام تسوية ، وإن لم يكن كل تسوية استفهاما ، انتهى كلامه . وهو حسن ، إلا أن في أوله مناقشة ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أأنذرتهم أم لم تنذرهم ) لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه الخبر ، وليس كذلك لأن هذا الذي صورته صورة الاستفهام ليس معناه الخبر ; لأنه مقدر بالمفرد إما مبتدأ وخبره سواء أو العكس ، أو فاعل سواء لكون سواء وحده خبرا لأن ، وعلى هذه التقادير كلها ليس معناه معنى الخبر وإنما سواء ، وما بعده إذا كان خبرا أو مبتدأ معناه الخبر . ولغة
تميم تخفيف الهمزتين في نحو أأنذرتهم ، وبه قرأ الكوفيون ،
وابن ذكوان ، وهو الأصل . وأهل
الحجاز لا يرون الجمع بينهما طلبا للتخفيف ، فقرأ
الحرميان ،
وأبو عمرو ،
وهشام بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، إلا أن
أبا عمرو ،
وقالون ،
nindex.php?page=showalam&ids=12430وإسماعيل بن جعفر ، عن
نافع ،
وهشام ، يدخلون بينهما ألفا ،
وابن كثير لا يدخل . وروي تحقيقا عن
هشام ، وإدخال ألف بينهما وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وابن أبي إسحاق . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش كابن كثير وكقالون ، وإبدال الهمزة الثانية ألفا فيلتقي ساكنان على غير حدهما عند البصريين ، وقد أنكر هذه القراءة
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وزعم أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين : أحدهما : الجمع بين ساكنين على غير حده . الثاني : إن طريق تخفيف الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها هو بالتسهيل بين بين لا بالقلب ألفا ، لأن ذلك هو طريق الهمزة الساكنة . وما قاله هو مذهب البصريين ، وقد أجاز الكوفيون الجمع بين الساكنين على غير الحد الذي أجازه
[ ص: 48 ] البصريون . وقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش صحيحة النقل لا تدفع باختيار المذاهب ولكن عادة هذا الرجل إساءة الأدب على أهل الأداء ونقلة القرآن .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،
وابن محيصن : أنذرتهم بهمزة واحدة ، حذف الهمزة الأولى لدلالة المعنى عليها ، ولأجل ثبوت ما عادلها وهو أم ، وقرأ
أبي أيضا بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم الساكنة قبلها ، والمفعول الثاني لأنذر محذوف لدلالة المعنى عليه ، التقدير أأنذرتهم العذاب على كفرهم أم لم تنذرهموه ؟ وفائدة الإنذار مع تساويه مع العدم أنه قاطع لحجتهم ، وأنهم قد دعوا فلم يؤمنوا ، ولئلا يقولوا
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=134ربنا لولا أرسلت ، وأن فيه تكثير الأجر بمعاناة من لا قبول له للإيمان ومقاساته ، وإن في ذلك عموم إنذاره لأنه أرسل للخلق كافة . وهل قوله لا يؤمنون خبر عنهم أو حكم عليهم أو ذم لهم أو دعاء عليهم ؟ أقوال ، وظاهر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله ) أنه إخبار من الله تعالى بختمه ، وحمله بعضهم على أنه دعاء عليهم ، وكنى بالختم على القلوب عن كونها لا تقبل شيئا من الحق ولا تعيه لإعراضها عنه ، فاستعار الشيء المحسوس للشيء المعقول ، أو مثل القلب بالوعاء الذي ختم عليه صونا لما فيه ومنعا لغيره من الدخول إليه . والأول مجاز الاستعارة ، والثاني مجاز التمثيل . ونقل عمن مضى أن الختم حقيقة وهو انضمام القلب وانكماشه ، قال
مجاهد : إذا أذنبت ضم من القلب هكذا ، وضم
مجاهد الخنصر ، ثم إذا أذنبت ضم هكذا ، وضم البنصر ، ثم هكذا إلى الإبهام ، وهذا هو الختم والطبع والرين . وقيل : الختم سمة تكون فيهم تعرفهم الملائكة بها من المؤمنين . وقيل : حفظ ما في قلوبهم من الكفر ليجازيهم . وقيل : الشهادة على قلوبهم بما فيها من الكفر ، ونسبة الختم إلى الله تعالى بأي معنى فسر إسناد صحيح ، إذ هو إسناد إلى الفاعل الحقيقي ، إذ الله تعالى خالق كل شيء .
وقد تأول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره من
المعتزلة هذا الإسناد ، إذ مذهبهم أن الله تعالى لا يخلق الكفر ولا يمنع من قبول الحق والوصول إليه ، إذ ذاك قبيح ، والله تعالى يتعالى عن فعل القبيح ، وذكر أنواعا من التأويل عشرة ، ( ملخصها ) : الأول : أن الختم كنى به عن الوصف الذي صار كالخلقي ، وكأنهم جبلوا عليه ، وصار كأن الله هو الذي فعل بهم . ( الثاني ) : أنه من باب التمثيل كقولهم : طارت به العنقاء ، إذا أطال الغيبة ، وكأنهم مثلت حال قلوبهم بحال قلوب ختم الله عليها . ( الثالث ) : أنه نسبه إلى السبب لما كان الله هو الذي أقدر الشيطان ومكنه أسند إليه الختم . ( الرابع ) : أنهم لما كانوا مقطوعا بهم أنهم لا يؤمنون طوعا ولم يبق طريق إيمانهم إلا بإلجاء وقسر ، وترك القسر عبر عن تركه بالختم . ( الخامس ) : أن يكون حكاية لما يقوله الكفار تهكما كقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5قلوبنا في أكنة ) . ( السادس ) : أن الختم منه على قلوبهم هو الشهادة منه بأنهم لا يؤمنون . ( السابع ) : أنها في قوم مخصوصين فعل ذلك بهم في الدنيا عقابا عاجلا ، كما عجل لكثير من الكفار عقوبات في الدنيا . ( الثامن ) : أن يكون ذلك فعله بهم من غير أن يحول بينهم وبين الإيمان لضيق صدورهم عقوبة غير مانعة من الإيمان . ( التاسع ) : أن يفعل بهم ذلك في الآخرة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=97ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ) . ( العاشر ) : ما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبي علي الجبائي ، والقاضي ، أن ذلك سمة وعلامة يجعلها الله تعالى في قلب الكافر وسمعه ، تستدل بذلك الملائكة على أنهم كفار وأنهم لا يؤمنون . انتهى ما قاله
المعتزلة . والمسألة يبحث عنها في أصول الدين . وقد وقع قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7وعلى سمعهم ) بين شيئين : يمكن أن يكون السمع محكوما عليه مع كل واحد منهما ، إذ يحتمل أن يكون أشرك في الختم بينه وبين القلوب ، ويحتمل أن يكون أشرك في الغشاوة بينه وبين الأبصار . لكن حمله على الأول أولى للتصريح بذلك في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) . وتكرير حرف الجر يدل على أن الختم ختمان ، أو على التوكيد ، إن كان الختم واحدا فيكون أدل على
[ ص: 49 ] شدة الختم .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة " أسماعهم " فطابق في الجمع بين القلوب والأسماع والأبصار . وأما الجمهور فقرءوا على التوحيد ، إما لكونه مصدرا في الأصل فلمح فيه الأصل ، وإما اكتفاء بالمفرد عن الجمع لأن ما قبله وما بعده يدل على أنه أريد به الجمع ، وإما لكونه مصدرا حقيقة وحذف ما أضيف إليه لدلالة المعنى أي حواس سمعهم . وقد اختلف الناس في أي الحاستين السمع والبصر أفضل ، وهو اختلاف لا يجدي كبير شيء . والإمالة في أبصارهم جائزة ، وقد قرئ بها ، وقد غلبت الراء المكسورة حرف الاستعلاء ، إذ لولاها لما جازت الإمالة ، وهذا بتمامه مذكور في النحو . وقرأ الجمهور : غشاوة بكسر الغين ورفع التاء ، وكانت هذه الجملة ابتدائية ليشمل الكلام الإسنادين : إسناد الجملة الفعلية وإسناد الجملة الابتدائية ، فيكون ذلك آكد لأن الفعلية تدل على التجدد والحدوث ، والاسمية تدل على الثبوت . وكان تقديم الفعلية أولى لأن فيها أن ذلك قد وقع وفرغ منه ، وتقديم المجرور الذي هو على أبصارهم مصحح لجواز الابتداء بالنكرة ، مع أن فيه مطابقة بالجملة قبله لأنه تقدم فيها الجزء المحكوم به . وهذه كذلك ، الجملتان تؤول دلالتهما إلى معنى واحد ، وهو منعهم من الإيمان ، ونصب
المفضل غشاوة يحتاج إلى إضمار ما أظهر في قوله : وجعل على بصره غشاوة ، أي وجعل على أبصارهم غشاوة ، أو إلى عطف أبصارهم على ما قبله ونصبها على حذف حرف الجر ، أي بغشاوة ، وهو ضعيف . ويحتمل عندي أن تكون اسما وضع موضع مصدر من معنى ختم ; لأن معنى ختم غشي وستر ، كأنه قيل : تغشيه على سبيل التأكيد ، وتكون قلوبهم وسمعهم وأبصارهم مختوما عليها مغشاة . وقال
أبو علي : وقراءة الرفع أولى لأن النصب إما أن يحمله على ختم الظاهر فيعرض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به ، وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر ، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه ختم تقديره وجعل على أبصارهم فيجيء الكلام من باب :
متقلدا سيفا ورمحا
، وقول الآخر :
علفتها تبنا وماء باردا
ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة واختيار ، فقراءة الرفع أحسن ، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة . انتهى كلام
أبي علي - رحمه الله تعالى - . ولا أدري ما معنى قوله : لأن النصب إنما يحمله على ختم الظاهر ، وكيف تحمل غشاوة المنصوب على ختم الذي هو فعل ؟ هذا ما لا حمل فيه اللهم إلا إن أراد أن يكون قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم ) دعاء عليهم لا خبرا ، فإن ذلك يناسب مذهبه لاعتزاله ، ويكون غشاوة في معنى المصدر المدعو به عليهم القائم مقام الفعل ، فكأنه قيل : وغشى الله على أبصارهم ، فيكون إذ ذاك معطوفا على ختم عطف المصدر النائب مناب فعله في الدعاء ، نحو قولك : رحم الله زيدا وسقيا له ، وتكون إذ ذاك قد حلت بين غشاوة المعطوف وبين ختم المعطوف عليه بالجار والمجرور . وأما إن جعلت ذلك خبرا محضا وجعلت غشاوة في موضع المصدر البدل عن الفعل في الخبر فهو ضعيف لا ينقاس ذلك بل يقتصر فيه على مورد السماع ، وقرأ
الحسن باختلاف عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي : غشاوة بضم الغين ورفع التاء ، وأصحاب عبد الله بالفتح والنصب وسكون الشين ،
nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير كذلك إلا أنه رفع التاء . وقرأ بعضهم : غشوة بالكسر والرفع ، وبعضهم : غشوة وهي قراءة
أبي حيوة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش قرأ بالفتح والرفع والنصب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : كان أصحاب
عبد الله يقرءونها غشية بفتح الغين والياء والرفع . اهـ . وقال
يعقوب : غشوة بالضم لغة ، ولم يؤثرها عن أحد من القراء . قال بعض المفسرين : وأصوب هذه القراءات المقروء بها ما عليه السبعة من كسر الغين على وزن عمامة ، والأشياء التي هي أبدا مشتملة ، فهذا يجيء وزنها كالصمامة ، والعمامة ، والعصابة ، والريانة ، وغير ذلك . وقرأ بعضهم : غشاوة بالعين المهملة المكسورة والرفع من العشي ، وهو شبه العمى في العين . وتقديم القلوب على السمع من باب التقديم بالشرف
[ ص: 50 ] وتقديم الجملة التي انتظمتها على الجملة التي تضمنت الأبصار من هذا الباب أيضا . وذكر أهل البيان أن التقديم يكون باعتبارات خمسة : تقدم العلة والسبب على المعلول والمسبب ، كتقديم الأموال على الأولاد في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=15إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ، فإنه إنما يشرع في النكاح عند قدرته على المؤنة ، فهي سبب إلى التزوج ، والنكاح سبب للتناسل ، والعلة : كتقدم المضيء على الضوء ، وليس تقدم زمان ; لأن جرم الشمس لا ينفك عن الضوء ، وتقدم بالذات ، كالواحد مع الاثنين ، وليس الواحد علة للاثنين بخلاف القسم الأول ، وتقدم بالشرف ، كتقدم الإمام على المأموم ، وتقدم بالزمان ، كتقدم الوالد على الولد بالوجود ، وزاد بعضهم سادس وهو : التقدم بالوجود حيث لا زمان . ولما ذكر تعالى حال هؤلاء الكفار في الدنيا ، أخبر بما يئول إليه أمرهم في الآخرة من العذاب العظيم . ولما كان قد أعد لهم العذاب صير كأنه ملك لهم لازم ، والعظيم هو الكبير . وقيل : العظيم فوق ; لأن الكبير يقابله الصغير ، والعظيم يقابله الحقير . قيل : والحقير دون الصغير ، وأصل العظم في الجثة ثم يستعمل في المعنى ، وعظم العذاب بالنسبة إلى عذاب دونه يتخلله فتور ، وبهذا التخلل المتصور يصح أن يتفاضل العرضان كسوادين أحدهما أشنع من الآخر ، إذ قد تخلل الآخر ما ليس بسواد . وذكر المفسرون في
nindex.php?page=treesubj&link=28861_32265سبب نزول قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا ) إلى قوله : ( عظيم ) أقوالا : ( أحدها ) : أنها نزلت في يهود كانوا حول المدينة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وكان يسميهم . ( الثاني ) : نزلت في قادة الأحزاب من مشركي
قريش ، قاله
أبو العالية . ( الثالث ) : في
أبي جهل وخمسة من أهل بيته ، قاله
الضحاك . ( الرابع ) : في أصحاب
القليب : وهم
أبو جهل ،
وشيبة بن ربيعة ،
وعقبة بن أبي معيط ،
وعتبة بن ربيعة ،
والوليد بن المغيرة . ( الخامس ) : في مشركي العرب
قريش وغيرها . ( السادس ) : في المنافقين ، فإن كانت نزلت في ناس بأعيانهم وافوا على الكفر ، فالذين كفروا معهودون ، وإن كانت لا في ناس مخصوصين وافوا على الكفر ، فيكون عاما مخصوصا . ألا ترى أنه قد أسلم من مشركي
قريش وغيرها ومن المنافقين ومن اليهود خلق كثير بعد نزول هاتين الآيتين ؟ . وذكروا أيضا أن في هاتين الآيتين من ضروب الفصاحة أنواعا : ( الأول ) : الخطاب العام اللفظ الخاص المعنى . ( الثاني ) : الاستفهام الذي يراد به تقرير المعنى في النفس ، أي يتقرر أن الإنذار وعدمه سواء عندهم . ( الثالث ) : المجاز ، ويسمى الاستعارة ، وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) ، وحقيقة الختم وضع محسوس على محسوس يحدث بينهما رقم يكون علامة للخاتم ، والختم هنا معنوي ، فإن القلب لما لم يقبل الحق مع ظهوره استعير له اسم المختوم عليه فبين أنه من مجاز الاستعارة . ( الرابع ) : الحذف ، وهو في مواضع ، منها :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا ، أي إن القوم الذين كفروا بالله وبك وبما جئت به . ومنها : لا يؤمنون بالله وبما أخبرتهم به عنه . ومنها : ختم الله على قلوبهم فلا تعي وعلى أسماعهم فلا تصغي . ومنها : وعلى أبصارهم غشاوة على من نصب ، أي وجعل على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون سبيل الهداية . ومنها : ولهم عذاب ، أي ولهم يوم القيامة عذاب عظيم دائم ، ويجوز أن يكون التقدير : ولهم عذاب عظيم في الدنيا بالقتل والسبي أو بالإذلال ووضع الجزية وفي الآخرة بالخلود في نار جهنم . ( الخامس ) : التعميم ، وهو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7ولهم عذاب عظيم ) ، فإنه لو اقتصر على قوله عذاب ولم يقل عظيم لاحتمل القليل والكثير ، فلما وصفه بالعظيم تمم المعنى وعلم أن العذاب الذي وعدوا به عظيم ، إما في المقدار وإما في الإيلام والدوام . ( السادس ) : الإشارة ، فإن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم ) إشارة إلى أن السواء الذي أضيف إليهم وباله ونكاله عليهم ومستعل فوقهم ; لأنه لو أراد بيان أن ذلك من وصفهم فحسب لقال : سواء عندهم ، فلما قال : سواء عليهم ، نبه على أنه
[ ص: 51 ] مستعل عليهم ، فإن كلمة على للاستعلاء وهو الذي قاله هذا القائل من أن على تشعر بالاستعلاء صحيح ، وأما أنها تدل على أن الكلام تضمن معنى الوبال والنكال عليهم فليس بصحيح ، بل المعنى في قولك سواء عليك وعندك كذا وكذا واحد ، وإن كان أكثر الاستعمال بعلى ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=136سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ) ، سواء عليها رحلتي ومقامي ، وكل هذا لا يدل على معنى الوبال والنكال عليهم . ( السابع ) : مجاز التشبيه ، شبه قلوبهم لتأبيها عن الحق ، وأسماعهم لإضرابها عن سماع داعي الفلاح ، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية بالوعاء المختوم عليه المسدود منافذه المغشى بغشاء يمنع أن يصل إليه ما يصلحه ، لما كانت مع صحتها وقوة إدراكها ممنوعة عن قبول الخير وسماعه وتلمح نوره ، وهذا كله من مجاز التشبيه ، إذ الختم والغشاوة لم يوجدا حقيقة ، وهو بالاستعارة أولى ، إذ من شرط التشبيه أن يذكر المشبه والمشبه به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=28973خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
[ ص: 46 ] الْخَتْمُ : الْوَسْمُ بِطَابَعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُوسَمُ بِهِ . الْقَلْبُ : مَصْدَرُ قَلَّبَ ، وَالْقَلْبُ : اللُّحْمَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ ، وَكُنِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْعَقْلِ ، وَأُطْلِقَ أَيْضًا عَلَى لُبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِصِهِ . السَّمْعُ : مَصْدَرُ سَمِعَ سَمْعًا وَسَمَاعًا ، وَكُنِّيَ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنِ الْأُذُنِ . الْبَصَرُ : نُورُ الْعَيْنِ ، وَهُوَ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْمَرْئِيَّاتِ . الْغِشَاوَةُ : الْغِطَاءُ ، غَشَّاهُ أَيْ غَطَّاهُ ، وَتُصَحَّحُ الْوَاوُ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ بُنِيَتْ عَلَى تَاءِ التَّأْنِيثِ ، كَمَا صَحَّحُوا اشْتِقَاقَهُ ، قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : لَمْ أَسْمَعْ مِنَ الْغِشَاوَةِ فِعْلًا مُتَصَرِّفًا بِالْوَاوِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهَا مَعْنَى مَا اللَّامُ مِنْهُ الْيَاءُ ، غَشِيَ يَغْشَى بِدَلَالَةِ قَوْلِهِمُ : الْغَشَيَانُ وَالْغِشَاوَةُ مِنْ غَشِيَ ، كَالْجِبَاوَةِ مِنْ جَبَيْتُ فِي أَنَّ الْوَاوَ كَأَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ إِذَا لَمْ يُصْرَفْ مِنْهُ فِعْلٌ ، كَمَا لَمْ يُصْرَفْ مِنَ الْجِبَاوَةَ ، انْتَهَى كَلَامُهُ . الْعَذَابُ : أَصْلُهُ الِاسْتِمْرَارُ ، ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَسُمِّيَ بِهِ كُلُّ اسْتِمْرَارِ أَلَمٍ ، وَاشْتَقُّوا مِنْهُ فَقَالُوا : عَذَّبْتُهُ ، أَيْ دَاوَمْتُ عَلَيْهِ الْأَلَمَ ، وَقَدْ جَعَلَ النَّاسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَذْبِ : الَّذِي هُوَ الْمَاءُ الْحُلْوُ ، وَبَيْنَ عَذُبَ الْفَرَسُ : اسْتَمَرَّ عَطَشُهُ ، قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَهُوَ الِاسْتِمْرَارُ ، وَإِنِ اخْتَلَفَ مُتَعَلِّقُ الِاسْتِمْرَارِ . وَقَالَ
الْخَلِيلُ : أَصْلُهُ الْمَنْعُ ، يُقَالُ عَذُبَ الْفُرْسُ : امْتَنَعَ مِنَ الْعَلَفِ . عَظِيمٌ : اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ عَظُمَ غَيْرُ مَذْهُوبٍ بِهِ مَذْهَبَ الزَّمَانِ ، وَفَعِيلٌ اسْمٌ وَصِفَةٌ الِاسْمُ مُفْرَدٌ نَحْوُ : قَمِيصٍ ، وَجَمْعٌ نَحْوُ : كَلِيبٍ ، وَمَعْنًى نَحْوُ : صَهِيلٍ ، وَالصِّفَةُ مُفْرَدُ فَعْلَةٍ كَقُرَى ، وَفُعَلَةٍ كَسَرِيٍّ ، وَاسْمُ فَاعِلٍ مِنْ فَعُلَ كَكَرِيمٍ ، وَلِلْمُبَالَغَةِ مِنْ فَاعِلٍ كَعَلِيمٍ ، وَبِمَعْنَى أَفْعَلٍ كَشَمِيطٍ ، وَبِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ ، وَمُفْعِلٍ كَسَمِيعٍ وَأَلِيمٍ ، وَتَفَعَّلَ كَوَكِيدٍ ، وَمُفَاعِلٍ كَجَلِيسٍ ، وَمُفْتَعَلٍ كَسَعِيرٍ ، وَمُسْتَفْعِلٍ كَمَكِينٍ ، وَفَعَلَ كَرَطِيبٍ ، وَفَعُلَ كَعَجِيبٍ ، وَفَعَّالٍ كَصَحِيحٍ ، وَبِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ كَصَرِيحِ ، وَبِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَخَلِيطٍ وَجَمْعِ فَاعِلٍ كَغَرِيبٍ .
مُنَاسِبَةُ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةً مِنَ الْكِتَابِ لَهُ هُدًى وَهُمُ الْمُتَّقُونَ الْجَامِعُونَ لِلْأَوْصَافِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْفَوْزِ ، ذَكَرَ صِفَةً ضِدَّهُمْ وَهُمُ الْكُفَّارُ الْمَحْتُومُ لَهُمْ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ ، وَافْتَتَحَ قِصَّتَهُمْ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِيَدُلَّ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ فِيهِمْ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قِصَّةِ الْمُتَّقِينَ ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا جَاءَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الِانْجِرَارِ ، إِذِ الْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْكِتَابِ ثُمَّ أَنْجَزَ ذِكْرَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْكِتَابِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ إِعْرَابِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ، الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُبْتَدَأٌ ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى مِنْ تَمَامِ صِفَةِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ مَلْحُوظًا فِيهِ قَيْدٌ ، وَهُوَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَالْوَفَاةِ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَكُونَ لِمَعْنَيَيْنِ
كَأَبِي جَهْلٍ وَأَبِي لَهَبٍ وَغَيْرِهِمَا . وَسَوَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَيَكُونَ جُمْلَةَ اعْتِرَاضٍ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ ، بِجَعْلِ سَوَاءٍ الْمُبْتَدَأَ وَالْجُمْلَةِ بَعْدَهُ الْخَبَرَ أَوِ الْعَكْسِ ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ : لَا يُؤْمِنُونَ ، وَيَكُونُ قَدْ دَخَلَتْ جُمْلَةُ الِاعْتِرَاضِ تَأْكِيدًا لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ مَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ اسْتَوَى إِنْذَارُهُ وَعَدَمُ إِنْذَارِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ ، فَيَحْتَمِلُ لَا يُؤْمِنُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ ، إِمَّا خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْأَخْبَارِ ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، وَجَوَّزُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ فَتَكُونُ جُمْلَةً تَفْسِيرِيَّةً لِأَنَّ عَدَمَ الْإِيمَانِ هُوَ اسْتِوَاءُ الْإِنْذَارِ وَعَدَمُهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=9وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) ، أَوْ يَكُونُ جُمْلَةً دِعَائِيَّةً وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَإِذَا كَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءٌ خَبَرَ إِنَّ ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ ، وَقَدِ اعْتُمِدَ بِكَوْنِهِ خَبَرَ الَّذِينَ ، وَالْمَعْنَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُسْتَوٍ إِنْذَارُهُمْ وَعَدَمُهُ . وَفِي كَوْنِ الْجُمْلَةِ تَقَعُ فَاعِلَةً خِلَافَ مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ إِلَّا اسْمًا أَوْ مَا هُوَ فِي تَقْدِيرِهِ ، وَمَذْهَبُ
هِشَامٍ وَثَعْلَبٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُ كَونِ الْجُمْلَةَ تَكُونُ فَاعِلَةً ، وَأَجَازُوا يُعْجِبُنِي يَقُومُ زَيْدٌ ، وَظَهَرَ لِي أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو ، أَيْ قِيَامُ أَحَدِهِمَا ،
[ ص: 47 ] وَمَذْهَبُ
الْفَرَّاءِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ مَعْمُولَةً لِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَعَلَّقَ عَنْهَا ، جَازَ أَنْ تَقَعَ فِي مَوْضِعِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَإِلَّا فَلَا ، وَنُسِبَ هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=16076لِسِيبَوَيْهِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، وَتَقْرِيرُ هَذَا فِي الْمَبْسُوطَاتِ مِنْ كُتُبِ النَّحْوِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) مُبْتَدَأً وَخَبَرًا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا إِذَا كَانَتْ جُمْلَةَ اعْتِرَاضٍ ، وَتَكُونُ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ ، وَالتَّقْدِيرَانِ الْمَذْكُورَانِ عَنْ
أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ . وَإِذَا جَعَلْنَا سَوَاءً الْمُبْتَدَأَ وَالْجُمْلَةَ الْخَبَرَ ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى رَابِطٍ لِأَنَّهَا الْمُبْتَدَأُ فِي الْمَعْنَى وَالتَّأْوِيلِ ، وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ سَوَاءٌ بَعْدَهُ الْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِالْهَمْزَةِ الْمُعَادَلَةُ بِأَمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=193سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ) ، وَقَدْ تُحْذَفُ تِلْكَ الْجُمْلَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ) أَيْ أَصَبَرْتُمْ أَمْ لَمْ تَصْبِرُوا ، وَتَأْتِي بَعْدَهُ الْجُمْلَةُ الْفِعْلِيَّةُ الْمُتَسَلِّطَةُ عَلَى اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ ، نَحْوُ : سَوَاءٌ عَلَيَّ أَيُّ الرِّجَالِ ضَرَبْتُ ، قَالَ
زُهَيْرٌ :
سَوَاءٌ عَلَيْهِ أَيَّ حِينٍ أَتَيْتُهُ أَسَاعَةَ نَحْسٍ تُتَّقَى أَمْ بِأَسْعَدِ
وَقَدْ جَاءَ بَعْدَهُ مَا عُرِّيَ عَنِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهُوَ الْأَصْلُ ، قَالَ :
سَوَاءٌ صَحِيحَاتُ الْعُيُونِ وَعُورُهَ
ا
وَأَخْبَرَ عَنِ الْجُمْلَةِ بِأَنْ جُعِلَتْ فَاعِلًا بِسَوَاءٍ أَوْ مُبْتَدَأَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُصَدَّرَةً بِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى ، وَكَلَامُ الْعَرَبِ مِنْهُ مَا طَابَقَ فِيهِ اللَّفْظُ الْمَعْنَى ، نَحْوُ : قَامَ زَيْدٌ ، وَزَيْدٌ قَائِمٌ ، وَهُوَ أَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْهُ مَا غُلِّبَ فِيهِ حُكْمُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى ، نَحْوَ : عَلِمْتُ أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ قَعَدَ ، لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْجُمْلَةِ عَلَى عَلِمْتُ ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَا بَعْدَ عَلِمْتُ اسْتِفْهَامًا ، بَلِ الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّسْوِيَةِ . وَمِنْهُ مَا غَلَبَ فِيهِ الْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْإِضَافَةِ لِلْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ نَحْوِ :
عَلَى حِينِ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا
إِذْ قِيَاسُ الْفِعْلِ أَنْ لَا يُضَافَ إِلَيْهِ ، لَكِنْ لُوحِظَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْمَصْدَرُ ، فَصَحَّتِ الْإِضَافَةُ .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَيْهِ لَفَظُ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ فِيهِ التَّسْوِيَةَ الَّتِي هِيَ فِي الِاسْتِفْهَامِ ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ مُخْبِرًا : سَوَاءٌ عَلَيَّ أَقُمْتَ أَمْ قَعَدْتَ أَمْ ذَهَبْتَ ؟ وَإِذَا قُلْتَ مُسْتَفْهِمًا : أَخَرَجَ زَيْدٌ أَمْ قَامَ ؟ فَقَدِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَكَ ، هَذَانِ فِي الْخَبَرِ ، وَهَذَانِ فِي الِاسْتِفْهَامِ ، وَعَدَمُ عِلْمِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، فَلَمَّا عَمَّمَتْهَمَا التَّسْوِيَةُ جَرَى عَلَى الْخَبَرِ لَفَظُ الِاسْتِفْهَامِ لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْإِبْهَامِ ، وَكُلُّ اسْتِفْهَامٍ تَسْوِيَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ تَسْوِيَةٍ اسْتِفْهَامًا ، انْتَهَى كَلَامُهُ . وَهُوَ حَسَنٌ ، إِلَّا أَنَّ فِي أَوَّلِهِ مُنَاقَشَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ) لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي صُورَتُهُ صُورَةُ الِاسْتِفْهَامِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْخَبَرَ ; لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمُفْرَدِ إِمَّا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ سَوَاءٌ أَوِ الْعَكْسُ ، أَوْ فَاعِلُ سَوَاءٍ لِكَوْنِ سَوَاءٍ وَحْدَهُ خَبَرًا لِأَنَّ ، وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ وَإِنَّمَا سَوَاءٌ ، وَمَا بَعْدَهُ إِذَا كَانَ خَبَرًا أَوْ مُبْتَدَأً مَعْنَاهُ الْخَبَرَ . وَلُغَةُ
تَمِيمٍ تَخْفِيفُ الْهَمْزَتَيْنِ فِي نَحْوِ أَأَنْذَرْتَهُمْ ، وَبِهِ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ ،
وَابْنُ ذَكْوَانَ ، وَهُوَ الْأَصْلُ . وَأَهْلُ
الْحِجَازِ لَا يَرَوْنَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ ، فَقَرَأَ
الْحَرَمِّيَانِ ،
وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَهُشَامٌ بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ ، إِلَّا أَنَّ
أَبَا عَمْرٍو ،
وَقَالُونَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12430وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ ، عَنْ
نَافِعٍ ،
وَهُشَامٍ ، يُدْخِلُونَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا ،
وَابْنُ كَثِيرٍ لَا يُدْخِلُ . وَرُوِيَ تَحْقِيقًا عَنْ
هِشَامٍ ، وَإِدْخَالُ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ . وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ كَابْنِ كَثِيرٍ وَكَقَالُونَ ، وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ أَلِفًا فَيَلْتَقِي سَاكِنَانِ عَلَى غَيْرِ حَدِّهِمَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَحْنٌ وَخُرُوجٌ عَنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْجَمْعُ بَيْنَ سَاكِنِينَ عَلَى غَيْرِ حَدِّهِ . الثَّانِي : إِنَّ طَرِيقَ تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْمَفْتُوحِ مَا قَبْلَهَا هُوَ بِالتَّسْهِيلِ بَيْنَ بَيْنَ لَا بِالْقَلْبِ أَلِفًا ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ طَرِيقُ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ . وَمَا قَالَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ ، وَقَدْ أَجَازَ الْكُوفِيُّونَ الْجَمْعَ بَيْنَ السَّاكِنِينَ عَلَى غَيْرِ الْحَدِّ الَّذِي أَجَازَهُ
[ ص: 48 ] الْبَصْرِيُّونَ . وَقِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٍ صَحِيحَةُ النَّقْلِ لَا تُدْفَعُ بِاخْتِيَارِ الْمَذَاهِبِ وَلَكِنَّ عَادَةَ هَذَا الرَّجُلِ إِسَاءَةُ الْأَدَبِ عَلَى أَهْلِ الْأَدَاءِ وَنَقْلَةِ الْقُرْآنِ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ ،
وَابْنُ مُحَيْصِنٍ : أَنْذَرْتَهُمْ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ ، حَذْفُ الْهَمْزَةِ الْأُولَى لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهَا ، وَلِأَجْلِ ثُبُوتِ مَا عَادَلَهَا وَهُوَ أَمْ ، وَقَرَأَ
أُبَيٌّ أَيْضًا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى الْمِيمِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِأَنْذَرَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ، التَّقْدِيرُ أَأَنْذَرْتَهُمُ الْعَذَابَ عَلَى كُفْرِهِمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمُوهُ ؟ وَفَائِدَةُ الْإِنْذَارِ مَعَ تَسَاوِيهِ مَعَ الْعَدَمِ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِحُجَّتِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ قَدْ دُعُوا فَلَمْ يُؤْمِنُوا ، وَلِئَلَّا يَقُولُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=134رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ ، وَأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْأَجْرِ بِمُعَانَاةِ مَنْ لَا قَبُولَ لَهُ لِلْإِيمَانِ وَمُقَاسَاتِهِ ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ عُمُومَ إِنْذَارِهِ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ لِلْخَلْقِ كَافَّةً . وَهَلْ قَوْلُهُ لَا يُؤْمِنُونَ خَبَرٌ عَنْهُمْ أَوْ حُكْمٌ عَلَيْهِمْ أَوْ ذَمٌّ لَهُمْ أَوْ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ ؟ أَقْوَالٌ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ ) أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخَتْمِهِ ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ ، وَكَنَّى بِالْخَتْمِ عَلَى الْقُلُوبِ عَنْ كَوْنِهَا لَا تَقْبَلُ شَيْئًا مِنَ الْحَقِّ وَلَا تَعِيهِ لِإِعْرَاضِهَا عَنْهُ ، فَاسْتَعَارَ الشَّيْءَ الْمَحْسُوسَ لِلشَّيْءِ الْمَعْقُولِ ، أَوْ مَثَّلَ الْقَلْبَ بِالْوِعَاءِ الَّذِي خُتِمَ عَلَيْهِ صَوْنًا لِمَا فِيهِ وَمَنْعًا لِغَيْرِهِ مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ . وَالْأَوَّلُ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ ، وَالثَّانِي مَجَازُ التَّمْثِيلِ . وَنُقِلَ عَمَّنْ مَضَى أَنَّ الْخَتْمَ حَقِيقَةٌ وَهُوَ انْضِمَامُ الْقَلْبِ وَانْكِمَاشُهُ ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : إِذَا أَذْنَبْتَ ضُمَّ مِنَ الْقَلْبِ هَكَذَا ، وَضَمَّ
مُجَاهِدٌ الْخِنْصَرَ ، ثُمَّ إِذَا أَذْنَبْتَ ضُمَّ هَكَذَا ، وَضَمَّ الْبِنْصِرَ ، ثُمَّ هَكَذَا إِلَى الْإِبْهَامِ ، وَهَذَا هُوَ الْخَتْمُ وَالطَّبْعُ وَالرَّيْنُ . وَقِيلَ : الْخَتْمُ سِمَةٌ تَكُونُ فِيهِمْ تَعْرِفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : حَفِظَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ لِيُجَازِيَهُمْ . وَقِيلَ : الشَّهَادَةُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْكُفْرِ ، وَنِسْبَةُ الْخَتْمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَيِّ مَعْنَى فُسِّرَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، إِذْ هُوَ إِسْنَادٌ إِلَى الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ ، إِذِ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ .
وَقَدْ تَأَوَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ هَذَا الْإِسْنَادَ ، إِذْ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَخْلُقُ الْكُفْرَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْوُصُولِ إِلَيْهِ ، إِذْ ذَاكَ قَبِيحٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ ، وَذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنَ التَّأْوِيلِ عَشَرَةً ، ( مُلَخَّصُهَا ) : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْخَتْمَ كَنَّى بِهِ عَنِ الْوَصْفِ الَّذِي صَارَ كَالْخُلُقِيِّ ، وَكَأَنَّهُمْ جُبِلُوا عَلَيْهِ ، وَصَارَ كَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِهِمْ . ( الثَّانِي ) : أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِمْ : طَارَتْ بِهِ الْعَنْقَاءُ ، إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ ، وَكَأَنَّهُمْ مُثِّلَتْ حَالُ قُلُوبِهِمْ بِحَالِ قُلُوبٍ خَتَمَ اللَّهُ عَلَيْهَا . ( الثَّالِثُ ) : أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى السَّبَبِ لَمَّا كَانَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَقْدَرَ الشَّيْطَانَ وَمَكَّنَهُ أَسْنَدَ إِلَيْهِ الْخَتْمَ . ( الرَّابِعُ ) : أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مَقْطُوعًا بِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ طَوْعًا وَلَمْ يَبْقَ طَرِيقُ إِيمَانِهِمْ إِلَّا بِإِلْجَاءٍ وَقَسْرٍ ، وَتَرْكُ الْقَسْرِ عَبَّرَ عَنْ تَرْكِهِ بِالْخَتْمِ . ( الْخَامِسُ ) : أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِمَا يَقُولُهُ الْكُفَّارُ تَهَكُّمًا كَقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ) . ( السَّادِسُ ) : أَنَّ الْخَتْمَ مِنْهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ هُوَ الشَّهَادَةُ مِنْهُ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . ( السَّابِعُ ) : أَنَّهَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا عِقَابًا عَاجِلًا ، كَمَا عَجَّلَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْكُفَّارِ عُقُوبَاتٍ فِي الدُّنْيَا . ( الثَّامِنُ ) : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَعَلَهُ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ لِضِيقِ صُدُورِهِمْ عُقُوبَةً غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنَ الْإِيمَانِ . ( التَّاسِعُ ) : أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=97وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ) . ( الْعَاشِرُ ) : مَا حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=13980أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ ، وَالْقَاضِي ، أَنَّ ذَلِكَ سِمَةٌ وَعَلَامَةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ الْكَافِرِ وَسَمْعِهِ ، تَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . انْتَهَى مَا قَالَهُ
الْمُعْتَزِلَةُ . وَالْمَسْأَلَةُ يُبْحَثُ عَنْهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ . وَقَدْ وَقَعَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) بَيْنَ شَيْئَيْنِ : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشْرَكَ فِي الْخَتْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُلُوبِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشْرَكَ فِي الْغِشَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبْصَارِ . لَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى لِلتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ) . وَتَكْرِيرُ حَرْفِ الْجَرِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَتْمَ خَتْمَانِ ، أَوْ عَلَى التَّوْكِيدِ ، إِنْ كَانَ الْخَتْمُ وَاحِدًا فَيَكُونُ أَدَلَّ عَلَى
[ ص: 49 ] شِدَّةِ الْخَتْمِ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ " أَسْمَاعِهِمْ " فَطَابَقَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَرَءُوا عَلَى التَّوْحِيدِ ، إِمَّا لِكَوْنِهِ مَصْدَرًا فِي الْأَصْلِ فَلُمِحَ فِيهِ الْأَصْلُ ، وَإِمَّا اكْتِفَاءً بِالْمُفْرَدِ عَنِ الْجَمْعِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَصْدَرًا حَقِيقَةً وَحَذْفُ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى أَيْ حَوَاسِّ سَمْعِهِمْ . وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَيِّ الْحَاسَّتَيْنِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ أَفْضَلُ ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَا يُجْدِي كَبِيرَ شَيْءٍ . وَالْإِمَالَةُ فِي أَبْصَارِهِمْ جَائِزَةٌ ، وَقَدْ قُرِئَ بِهَا ، وَقَدْ غَلَبَتِ الرَّاءُ الْمَكْسُورَةُ حَرْفَ الِاسْتِعْلَاءِ ، إِذْ لَوْلَاهَا لَمَا جَازَتِ الْإِمَالَةُ ، وَهَذَا بِتَمَامِهِ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : غِشَاوَةٌ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَرَفْعِ التَّاءِ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةً لِيَشْمَلَ الْكَلَامُ الْإِسْنَادَيْنِ : إِسْنَادَ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَإِسْنَادَ الْجُمْلَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ آكَدَ لِأَنَّ الْفِعْلِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ ، وَالِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ . وَكَانَ تَقْدِيمُ الْفِعْلِيَّةِ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ وَفُرِغَ مِنْهُ ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ مُصَحِّحٌ لِجَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ ، مَعَ أَنَّ فِيهِ مُطَابَقَةً بِالْجُمْلَةِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِيهَا الْجُزْءُ الْمَحْكُومُ بِهِ . وَهَذِهِ كَذَلِكَ ، الْجُمْلَتَانِ تُؤَوَّلُ دَلَالَتُهُمَا إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَنْعُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَنَصَبُ
الْمُفَضِّلِ غِشَاوَةً يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ مَا أَظْهَرَ فِي قَوْلِهِ : وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ، أَيْ وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً ، أَوْ إِلَى عَطْفِ أَبْصَارِهِمْ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَنَصْبِهَا عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ، أَيْ بِغِشَاوَةٍ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ . وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ اسْمًا وُضِعَ مَوْضِعَ مَصْدَرٍ مِنْ مَعْنَى خَتَمَ ; لِأَنَّ مَعْنَى خَتَمَ غَشِيَ وَسَتَرَ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : تُغَشِّيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ ، وَتَكُونُ قُلُوبُهُمْ وَسَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ مَخْتُومًا عَلَيْهَا مُغَشَّاةً . وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ أَوْلَى لِأَنَّ النَّصْبَ إِمَّا أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى خَتْمِ الظَّاهِرِ فَيَعْرِضَ فِي ذَلِكَ أَنَّكَ حُلْتَ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفِ بِهِ ، وَهَذَا عِنْدَنَا إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ ، وَإِمَّا أَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ خَتَمَ تَقْدِيرُهُ وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ فَيَجِيءُ الْكَلَامُ مِنْ بَابِ :
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
، وَقَوْلِ الْآخَرِ :
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وَلَا تَكَادُ تَجِدُ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالِ سَعَةٍ وَاخْتِيَارٍ ، فَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ أَحْسَنُ ، وَتَكُونُ الْوَاوُ عَاطِفَةً جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ . انْتَهَى كَلَامُ
أَبِي عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - . وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِهِ : لِأَنَّ النَّصْبَ إِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى خَتْمِ الظَّاهِرِ ، وَكَيْفَ تَحْمِلُ غِشَاوَةً الْمَنْصُوبَ عَلَى خَتْمِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ ؟ هَذَا مَا لَا حَمْلَ فِيهِ اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) دُعَاءً عَلَيْهِمْ لَا خَبَرًا ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَاسِبُ مَذْهَبَهُ لِاعْتِزَالِهِ ، وَيَكُونُ غِشَاوَةً فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ الْمَدْعُوِّ بِهِ عَلَيْهِمُ الْقَائِمِ مَقَامَ الْفِعْلِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَغَشَّى اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ ، فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَعْطُوفًا عَلَى خَتَمَ عَطْفَ الْمَصْدَرِ النَّائِبِ مَنَابَ فِعْلِهِ فِي الدُّعَاءِ ، نَحْوَ قَوْلِكَ : رَحِمَ اللَّهُ زَيْدًا وَسُقْيًا لَهُ ، وَتَكُونُ إِذْ ذَاكَ قَدْ حُلْتَ بَيْنَ غِشَاوَةٍ الْمَعْطُوفِ وَبَيْنَ خَتَمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ . وَأَمَّا إِنْ جَعَلْتَ ذَلِكَ خَبَرًا مَحْضًا وَجَعَلْتَ غِشَاوَةً فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ الْبَدَلِ عَنِ الْفِعْلِ فِي الْخَبَرِ فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَنْقَاسُ ذَلِكَ بَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ السَّمَاعِ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : غُشَاوَةٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَرَفْعِ التَّاءِ ، وَأَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْبِ وَسُكُونِ الشِّينِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16531وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ رَفَعَ التَّاءَ . وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : غِشْوَةٌ بِالْكَسْرِ وَالرَّفْعِ ، وَبَعْضُهُمْ : غِشْوَةً وَهِيَ قِرَاءَةُ
أَبِي حَيْوَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ قَرَأَ بِالْفَتْحِ وَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ : كَانَ أَصْحَابُ
عَبْدِ اللَّهِ يَقْرَءُونَهَا غَشْيَةٌ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْيَاءِ وَالرَّفْعِ . اهـ . وَقَالَ
يَعْقُوبُ : غُشْوَةٌ بِالضَّمِّ لُغَةٌ ، وَلَمْ يُؤْثِرْهَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْقُرَّاءِ . قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : وَأَصْوَبُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الْمَقْرُوءِ بِهَا مَا عَلَيْهِ السَّبْعَةُ مِنْ كَسْرِ الْغَيْنِ عَلَى وَزْنِ عِمَامَةٍ ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ أَبَدًا مُشْتَمِلَةٌ ، فَهَذَا يَجِيءُ وَزْنُهَا كَالصِّمَامَةِ ، وَالْعِمَامَةِ ، وَالْعِصَابَةِ ، وَالرَّيَّانَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : غِشَاوَةٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالرَّفْعِ مِنَ الْعَشِيِّ ، وَهُوَ شِبْهُ الْعَمَى فِي الْعَيْنِ . وَتَقْدِيمُ الْقُلُوبِ عَلَى السَّمْعِ مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ بِالشَّرَفِ
[ ص: 50 ] وَتَقْدِيمُ الْجُمْلَةِ الَّتِي انْتَظَمَتْهَا عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الْأَبْصَارَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا . وَذَكَرَ أَهْلُ الْبَيَانِ أَنَّ التَّقْدِيمَ يَكُونُ بِاعْتِبَارَاتٍ خَمْسَةٍ : تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ عَلَى الْمَعْلُولِ وَالْمُسَبَّبِ ، كَتَقْدِيمِ الْأَمْوَالِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=15إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَشْرَعُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُؤْنَةِ ، فَهِيَ سَبَبٌ إِلَى التَّزَوُّجِ ، وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلتَّنَاسُلِ ، وَالْعِلَّةُ : كَتَقَدُّمِ الْمُضِيءِ عَلَى الضَّوْءِ ، وَلَيْسَ تَقَدُّمُ زَمَانٍ ; لِأَنَّ جِرْمَ الشَّمْسِ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الضَّوْءِ ، وَتَقَدُّمٌ بِالذَّاتِ ، كَالْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ ، وَلَيْسَ الْوَاحِدُ عِلَّةً لِلِاثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، وَتَقَدُّمٌ بِالشَّرَفِ ، كَتَقَدُّمِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ ، وَتَقَدُّمٌ بِالزَّمَانِ ، كَتَقَدُّمِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ بِالْوُجُودِ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ سَادِسٌ وَهُوَ : التَّقَدُّمُ بِالْوُجُودِ حَيْثُ لَا زَمَانَ . وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا ، أَخْبَرَ بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ . وَلَمَّا كَانَ قَدْ أَعَدَّ لَهُمُ الْعَذَابَ صَيَّرَ كَأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ لَازِمٌ ، وَالْعَظِيمُ هُوَ الْكَبِيرُ . وَقِيلَ : الْعَظِيمُ فَوْقُ ; لِأَنَّ الْكَبِيرَ يُقَابِلُهُ الصَّغِيرُ ، وَالْعَظِيمُ يُقَابِلُهُ الْحَقِيرُ . قِيلَ : وَالْحَقِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ ، وَأَصْلُ الْعِظَمِ فِي الْجُثَّةِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَى ، وَعِظَمُ الْعَذَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابٍ دُونَهُ يَتَخَلَّلُهُ فُتُورٌ ، وَبِهَذَا التَّخَلُّلِ الْمُتَصَوَّرِ يَصِحُّ أَنْ يَتَفَاضَلَ الْعَرَضَانِ كَسَوَادَيْنِ أَحَدُهُمَا أَشْنَعُ مِنَ الْآخَرِ ، إِذْ قَدْ تَخَلَّلَ الْآخَرَ مَا لَيْسَ بِسَوَادٍ . وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28861_32265سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إِلَى قَوْلِهِ : ( عَظِيمٌ ) أَقْوَالًا : ( أَحَدُهَا ) : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَهُودَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَكَانَ يُسَمِّيهِمُ . ( الثَّانِي ) : نَزَلَتْ فِي قَادَةِ الْأَحْزَابِ مِنْ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ ، قَالَهُ
أَبُو الْعَالِيَةِ . ( الثَّالِثُ ) : فِي
أَبِي جَهْلِ وَخَمْسَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، قَالَهُ
الضَّحَّاكُ . ( الرَّابِعُ ) : فِي أَصْحَابِ
الْقَلِيبِ : وَهُمْ
أَبُو جَهْلٍ ،
وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ،
وَعُتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ . ( الْخَامِسُ ) : فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ
قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا . ( السَّادِسُ ) : فِي الْمُنَافِقِينَ ، فَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَافَوْا عَلَى الْكُفْرِ ، فَالَّذِينَ كَفَرُوا مَعْهُودُونَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا فِي نَاسٍ مَخْصُوصِينَ وَافَوْا عَلَى الْكُفْرِ ، فَيَكُونُ عَامًّا مَخْصُوصًا . أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ مِنْ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ وَمِنَ الْيَهُودِ خَلْقٌ كَثِيرٌ بَعْدَ نُزُولِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ؟ . وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ ضُرُوبِ الْفَصَاحَةِ أَنْوَاعًا : ( الْأَوَّلُ ) : الْخِطَابُ الْعَامُّ اللَّفْظِ الْخَاصُّ الْمَعْنَى . ( الثَّانِي ) : الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ تَقْرِيرُ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ ، أَيْ يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْإِنْذَارَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ . ( الثَّالِثُ ) : الْمَجَازُ ، وَيُسَمَّى الِاسْتِعَارَةَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) ، وَحَقِيقَةُ الْخَتْمِ وَضْعُ مَحْسُوسٍ عَلَى مَحْسُوسٍ يَحْدُثُ بَيْنَهُمَا رَقْمٌ يَكُونُ عَلَامَةً لِلْخَاتَمِ ، وَالْخَتْمُ هُنَا مَعْنَوِيٌّ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَمَّا لَمْ يَقْبَلِ الْحَقَّ مَعَ ظُهُورِهِ اسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ الْمَخْتُومِ عَلَيْهِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ مَجَازِ الِاسْتِعَارَةِ . ( الرَّابِعُ ) : الْحَذْفُ ، وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ ، مِنْهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، أَيْ إِنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ . وَمِنْهَا : لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَبِمَا أَخْبَرْتَهُمْ بِهِ عَنْهُ . وَمِنْهَا : خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا تَعِي وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ فَلَا تُصْغِي . وَمِنْهَا : وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً عَلَى مَنْ نَصَبَ ، أَيْ وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً فَلَا يُبْصِرُونَ سَبِيلَ الْهِدَايَةِ . وَمِنْهَا : وَلَهُمْ عَذَابٌ ، أَيْ وَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ دَائِمٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ أَوْ بِالْإِذْلَالِ وَوَضْعِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ . ( الْخَامِسُ ) : التَّعْمِيمُ ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=7وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ، فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَذَابٌ وَلَمْ يَقُلْ عَظِيمٌ لَاحْتَمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ ، فَلَمَّا وَصَفَهُ بِالْعَظِيمِ تَمَّمَ الْمَعْنَى وَعَلِمَ أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ عَظِيمٌ ، إِمَّا فِي الْمِقْدَارِ وَإِمَّا فِي الْإِيلَامِ وَالدَّوَامِ . ( السَّادِسُ ) : الْإِشَارَةُ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السَّوَاءَ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِمْ وَبَالُهُ وَنَكَالُهُ عَلَيْهِمْ وَمُسْتَعْلٍ فَوْقَهُمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بَيَانَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِمْ فَحَسْبُ لَقَالَ : سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ ، فَلَمَّا قَالَ : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ، نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ
[ ص: 51 ] مُسْتَعْلٍ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَنَّ عَلَى تُشْعِرُ بِالِاسْتِعْلَاءِ صَحِيحٌ ، وَأَمَّا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ تَضَّمَنَ مَعْنَى الْوَبَالِ وَالنَّكَالِ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلِ الْمَعْنَى فِي قَوْلِكَ سَوَاءٌ عَلَيْكَ وَعِنْدَكَ كَذَا وَكَذَا وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ بِعَلَى ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=136سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=21سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ) ، سَوَاءٌ عَلَيْهَا رِحْلَتِي وَمَقَامِي ، وَكُلُّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْوَبَالِ وَالنَّكَالِ عَلَيْهِمْ . ( السَّابِعُ ) : مَجَازُ التَّشْبِيهِ ، شَبَّهَ قُلُوبَهُمْ لِتَأَبِّيهَا عَنِ الْحَقِّ ، وَأَسْمَاعَهُمْ لِإِضْرَابِهَا عَنْ سَمَاعِ دَاعِيَ الْفَلَاحِ ، وَأَبْصَارَهُمْ لِامْتِنَاعِهَا عَنْ تَلَمُّحِ نُورِ الْهِدَايَةِ بِالْوِعَاءِ الْمَخْتُومِ عَلَيْهِ الْمَسْدُودِ مَنَافِذُهُ الْمُغَشَّى بِغِشَاءٍ يَمْنَعُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَا يُصْلِحُهُ ، لَمَّا كَانَتْ مَعَ صِحَّتِهَا وَقُوَّةِ إِدْرَاكِهَا مَمْنُوعَةً عَنْ قَبُولِ الْخَيْرِ وَسَمَاعِهِ وَتَلَمُّحِ نُورِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ ، إِذِ الْخَتْمُ وَالْغِشَاوَةُ لَمْ يُوجَدَا حَقِيقَةً ، وَهُوَ بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْلَى ، إِذْ مِنْ شَرْطِ التَّشْبِيهِ أَنْ يُذْكَرَ الْمُشَبَّهُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ .