( الوجه الثاني ) معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها ، ويؤخذ ذلك من علم النحو ، وأحسن موضوع فيه وأجله كتاب - رحمه الله تعالى - وأحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات وأجمعه للأحكام كتاب تسهيل الفوائد أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه لأبي عبد الله محمد بن مالك الجياني الطائي مقيم دمشق ، وأحسن ما وضع في التصريف كتاب الممتع لأبي الحسن علي بن مؤمن بن عصفور الحضرمي الشبيلي - رحمه الله تعالى - وقد أخذت هذا الفن عن أستاذنا الأوحد العلامة أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي في كتاب وغيره . سيبويه
( الوجه الثالث ) كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع ، وقد صنف الناس في ذلك تصانيف كثيرة ، وأجمعها ما جمعه شيخنا الأديب الصالح أبو عبد الله محمد بن سليمان النقيب وذلك في مجلدين قدمهما أمام كتابه في التفسير ، وما وضعه شيخنا الأديب الحافظ المتبحر أبو الحسن حازم بن محمد بن حازم الأندلسي الأنصاري القرطاجني مقيم تونس المسمى منهاج البلغاء وسراج الأدباء ، وقد أخذت جملة من هذا الفن عن أستاذنا أبي جعفر بن الزبير - رحمه الله تعالى - .
( الوجه الرابع ) تعيين مبهم وتبيين مجمل وسبب نزول ونسخ ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك من علم الحديث . وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناها ذلك كالصحيحين ، والجامع ، وسنن للترمذي أبي داود ، وسنن ، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجه ، ومسند الشافعي الدارمي ، ومسند ، ومسند الطيالسي ، وسنن الشافعي ، ومعجم الدارقطني الكبير والمعجم الصغير له ، ومستخرج الطبراني أبي نعيم على مسلم ، وغير ذلك .
( الوجه الخامس ) معرفة الإجمال والتبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا ، ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن ، ويؤخذ هنا من أصول الفقه ، ومعظمه هو في الحقيقة راجع لعلم اللغة إذ هو شيء يتكلم فيه على أوضاع العرب ، ولكن تكلم فيه غير اللغويين أو النحويين ومزجوه بأشياء من حجج العقول . ومن أجمع ما في هذا الفن كتاب المحصول لأبي عبد الله محمد بن عمر الرازي ، وقد بحثت في هذا الفن في كتاب الإشارة على الشيخ الأصولي الأديب لأبي الوليد الباجي أبي الحسن فضل بن إبراهيم المعافري الإمام بجامع غرناطة والخطيب به ، وعلى الأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير في كتاب الإشارة وفي شرحها له وذلك بالأندلس ، وبحثت أيضا في هذا الفن على الشيخ علم الدين عبد [ ص: 7 ] الكريم بن علي بن عمر الأنصاري المعروف بابن بنت العراقي في مختصره الذي اختصره من كتاب المحصول ، وعلى الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي في مختصره الذي اختصره من كتاب المحصول ، وعلى الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني صاحب شرح المحصول بحثت عليه في كتاب القواعد من تأليفه - رحمه الله تعالى - .
( الوجه السادس ) الكلام فيما يجوز على الله - تعالى - وما يجب له وما يستحيل عليه والنظر في النبوة ، ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري - تعالى - وفي الأنبياء وإعجاز القرآن ، ويؤخذ هذا من علم الكلام . وقد صنف علماء الإسلام من سائر الطوائف في هذا كتبا كثيرة ، وهو علم صعب ، إذ المزلة فيه - والعياذ بالله - مفض إلى الخسران في الدنيا والآخرة ، وقد سمعت منه مسائل تبحث على الشيخ شمس الدين الأصفهاني وغيره .
( الوجه السابع ) اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ وذلك بتواتر وآحاد ، ويؤخذ هذا الوجه من علم القراءات ، وقد صنف علماؤنا في ذلك كتبا لا تكاد تحصى ، وأحسن الموضوعات في القراءات السبع كتاب الإقناع لأبي جعفر ابن الباذش ، وفي القراءات العشرة كتاب المصباح . وقد قرأت القرآن بقراءة السبعة بجزيرة لأبي الكرم الشهرزوري الأندلس على الخطيب أبي جعفر أحمد بن علي بن محمد الرعيني عرف بابن الطباع بغرناطة ، وعلى الخطيب أبي محمد عبد الحق بن علي بن عبد الله الأنصاري الوادي تشبتي بمطحشارش من حضرة غرناطة ، وعلى غيرهما بالأندلس . وقرأت القرآن بالقراءات الثمان بثغر الإسكندرية على الشيخ الصالح رشيد الدين أبي محمد عبد النصير بن علي بن يحيى الهمداني عرف بابن المربوطي ، وقرأت القرآن بالقراءات السبعة بمصر - حرسها الله تعالى - على الشيخ المسند العدل فخر الدين أبي الطاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المليجي ، وأنشأت في هذا العلم كتاب عقد اللآلئ قصيدا في عروض قصيد الشاطبي ورويه يشتمل على ألف بيت وأربعة وأربعين بيتا ، صرحت فيها بأسامي القراء من غير رمز ولا لغز ولا حوشي لغة ، وأنشأته من كتب تسعة كما قلت :
تنظم هذا العقد من در تسعة من الكتب فالتيسير عنوانه انجلا بكاف لتجريد وهاد لتبصره
وإقناع تلخيصين أضحى مكملا جنيت له إنسي لفظ لطيفه
وجانبت وحشيا كثيفا معقلا