وأضاءت : قيل متعد وقيل لازم ومتعد ، قالوا : وهو أكثر وأشهر ، فإذا كان متعديا كانت الهمزة فيه للنقل ، إذ يقال : ضاء المكان ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب في النبي - عليه الصلاة والسلام - :
وأنت لما ولدت أشرقت الأر ض وضاءت بنورك الأفق
والفاعل إذ ذاك ضمير النار ، وما مفعولة ، وحوله صلة معمولة لفعل محذوف لا نكرة موصوفة ، وحوله صفة لقلة استعمال ما نكرة موصوفة ، وقد تقدم لنا الكلام في ذلك ، أي فلما أضاءت النار المكان الذي حوله ، وإذا كان لازما فقالوا : إن الضمير في أضاءت للنار ، وما زائدة ، وحوله ظرف معمول للفعل ، ويجوز أن يكون الفاعل ليس ضمير النار ، وإنما هو ما الموصولة وأنث على المعنى ، أي : فلما أضاءت الجهة التي حوله ، كما أنثوا على المعنى في قولهم : ما جاءت حاجتك . وقد ألم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بهذا الوجه ، وهذا أولى مما ذكروه لأنه لا يحفظ من كلام العرب : جلست ما مجلسا حسنا ، ولا قمت ما يوم الجمعة ، والحمل على
[ ص: 79 ] المعنى محفوظ ، كما ذكرناه ، ولو سمع زيادة في ما نحو هذا ، لم يكن ذلك من مواضع اطراد زيادة ما ، والأولى في الآية بعد ذلك أن يكون أضاءت متعدية ، فلا تحتاج إلى تقدير زيادة ، ولا حمل على المعنى .
وقرأ
ابن السميفع nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : فلما أضاءت ، ثلاثيا فيتخرج على زيادة ما وعلى أن تكون هي الفاعلة ، إما موصولة وإما موصوفة ، كما تقدم ، ولما جوابها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) ، وجمع الضمير في : بنورهم حملا على معنى الذي ، إذ قررنا أن المعنى كالجمع الذي استوقد ، أو على ذلك المحذوف الذي قدره بعضهم ، وهو كمثل أصحاب الذي استوقد ، وأجازوا أن يكون جواب لما محذوفا لفهم المعنى ، كما حذفوه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فلما ذهبوا به وأجمعوا ) ، الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس الدال عليه ، انتهى . وقوله : لاستطالة الكلام غير مسلم لأنه لم يستطل الكلام ؛ لأنه قدره خمدت ، وأي استطالة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فلما أضاءت ما حوله ) ، خمدت ؟ بل هذا لما وجوابها ، فلا استطالة بخلاف قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فلما ذهبوا به ) ، فإن الكلام قد طال بذكر المعاطيف التي عطفت على الفعل وذكر متعلقاتها بعد الفعل الذي يلي لما ، فلذلك كان الحذف سائغا لاستطالة الكلام . وقوله : مع أمن الإلباس ، وهذا أيضا غير مسلم ، وأي أمن إلباس في هذا ولا شيء يدل على المحذوف ؟ بل الذي يقتضيه ترتيب الكلام وصحته ووضعه مواضعه أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) هو الجواب ، فإذا جعلت غيره الجواب مع قوة ترتب ذهاب الله بنورهم على الإضاءة ، كان ذلك من باب اللغز ، إذ تركت شيئا يبادر إلى الفهم وأضمرت شيئا يحتاج في تقديره إلى وحي يسفر عنه ، إذ لا يدل على حذفه اللفظ مع وجود تركيب (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) . ولم يكتف
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأن جوز حذف هذا الجواب حتى ادعى أن الحذف أولى ، قال : وكان الحذف أولى من الإثبات ، لما فيه من الوجازة مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ للفظ في أداء المعنى ، كأنه قيل : فلما أضاءت ما حوله خمدت ، فبقوا خابطين في ظلام ، متحيرين متحسرين على فوت الضوء ، خائبين بعد الكدح في إحياء النار ، انتهى . وهذا الذي ذكره نوع من الخطابة لا طائل تحتها ؛ لأنه يمكن له ذلك لو لم يكن يلي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فلما أضاءت ما حوله ) ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) . وأما ما في كلامه بعد تقدير خمدت إلى آخره ، فهو مما يحمل اللفظ ما لا يحتمله ، ويقدر تقادير وجملا محذوفة لم يدل عليها الكلام ، وذلك عادته في غير ما كلام في معظم تفسيره ، ولا ينبغي أن يفسر كلام الله بغير ما يحتمله ، ولا أن يزاد فيه ، بل يكون الشرح طبق المشروح من غير زيادة عليه ولا نقص منه . ولما جوزوا حذف الجواب تكلموا في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) ، فخرجوا ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون مستأنفا جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد ؟ فقيل : ذهب الله بنورهم . والثاني : أن يكون بدلا من جملة التمثيل على سبيل البيان ، قالهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وكلا الوجهين مبنيان على أن جواب لما محذوف ، وقد اخترنا غيره وأنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) ، والوجه الثاني من التخريجين اللذين تقدم ذكرهما ، وهو أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) بدلا من جملة التمثيل على سبيل البيان ، لا يظهر في صحته ؛ لأن جملة التمثيل هي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) ، فجعله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) بدلا من هذه الجملة على سبيل البيان لا يصح ؛ لأن البدل لا يكون في الجمل إلا إن كانت الجملة فعلية تبدل من جملة فعلية ، فقد ذكروا جواز ذلك . أما أن تبدل جملة فعلية من جملة اسمية فلا أعلم أحدا أجاز ذلك ، والبدل على نية تكرار العامل . والجملة الأولى لا موضع لها من الإعراب لأنها لم تقع موقع المفرد ، فلا يمكن أن تكون الثانية على نية تكرار العامل ، إذ لا عامل في الأولى فتكرر في الثانية فبطلت جهة البدل فيها ، ومن جعل الجواب محذوفا جعل الضمير في بنورهم عائدا على المنافقين . والباء في بنورهم للتعدية ، وهي إحدى المعاني الأربعة عشر التي تقدم أن الباء تجيء لها ، وهي عند جمهور
[ ص: 80 ] النحويين ترادف الهمزة . فإذا قلت : خرجت بزيد ، فمعناه أخرجت زيدا ، ولا يلزم أن تكون أنت خرجت ، وذهب أبو العباس إلى أنك إذا قلت : قمت بزيد ، دل على أنك قمت وأقمته ، وإذا قلت : أقمت زيدا ، لم يلزم أنك قمت ، ففرق بين الباء والهمزة في التعدية . وإلى نحو من مذهب
أبي العباس ذهب
السهيلي ، قال : تدخل الباء ، يعني المعدية ، حيث تكون من الفاعل بعض مشاركة للمفعول في ذلك الفعل نحو : أقعدته ، وقعدت به ، وأدخلته الدار ، ودخلت به ، ولا يصح هذا في مثل : أمرضته ، وأسقمته . فلا بد إذن من مشاركة ولو باليد إذا قلت : قعدت به ، ودخلت به . ورد على
أبي العباس بهذه الآية ونحوها . ألا ترى أن المعنى أذهب الله نورهم ؟ ألا ترى أن الله لا يوصف بالذهاب مع النور ؟ قال بعض أصحابنا : ولا يلزم ذلك
أبا العباس ، إذ يجوز أن يكون الله وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق به ، كما وصف نفسه تعالى بالمجيء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك ) ، والذي يفسد مذهب
أبي العباس من التفرقة بين الباء والهمزة قول الشاعر :
ديار التي كانت ونحن على منى تحل بنا لولا نجاء الركائب
أي تحلنا ، ألا ترى أن المعنى تصيرنا حلالا غير محرمين ، وليست تدخل معهم في ذلك لأنها لم تكن حراما ، فتصير حلالا بعد ذلك ؟ ولكون الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما ، فلا يقال : أذهبت بزيد ، ولقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تنبت بالدهن ) ، في قراءة من جعله رباعيا تخريج يذكر في مكانه ، إن شاء الله - تعالى - . ولباء التعدية أحكام غير هذا ذكرت في النحو . وقرأ
اليماني : أذهب الله نورهم ، وهذا يدل على مرادفة الباء للهمزة ، ونسبة الإذهاب إلى الله - تعالى - حقيقة ، إذ هو فاعل الأشياء كلها . وفي معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذهب الله بنورهم ) ثلاثة أقوال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو مثل ضرب للمنافقين ، كانوا يعتزون بالإسلام ، فناكحهم المسلمون ووارثوهم وقاسموهم الفيء ، فلما ماتوا سلبهم الله العز ، كما سلب موقد النار ضوءه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17وتركهم في ظلمات ) ، أي في عذاب . الثاني : إن ذهاب نورهم بإطلاع الله المؤمنين على كفرهم ، فقد ذهب منهم نور الإسلام بما أظهر من كفرهم . الثالث : أبطل نورهم عنده ، إذ قلوبهم على خلاف ما أظهروا ، فهم كرجل أوقد نارا ثم طفئت فعاد في ظلمة . وهذه الأقوال إنما تصح إذا كان الضمير في بنورهم عائدا على المنافقين ، وإن عاد على المستوقدين ، فذهاب النور هو إطفاء النار التي أوقدوها ، ويكون بأمر سماوي ليس لهم فيه فعل ، فلذلك قال
الضحاك : لما أضاءت النار أرسل الله عليها ريحا عاصفا فأطفأها ، وهذا التأويل يأتي على قول من قال : إنها نار حقيقة أوقدها أهل الفساد ليتوصلوا بها وبنورها إلى فسادهم وعبثهم ، فأخمد الله نارهم وأضل سعيهم ، وأما إذا قلنا : إن ذكر النار هنا مثل لا حقيقة لها ، وإن المراد بها نار العداوة والحقد ، فإذهاب الله لها دفع ضررها عن المؤمنين . وإذا كانت النار مجازية ، فوصفها بالإضاءة ما حول المستوقد هو من مجاز الترشيح ، وقد تقدم الكلام فيه . وإذهاب النور أبلغ من إذهاب الضوء لاندراج الأخص في نفي الأعم ، لا العكس . فلو أتى بضوئهم لم يلزم ذهاب النور . والمقصود إذهاب النور عنهم أصلا ، ألا ترى كيف عقبه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17وتركهم في ظلمات ) ؟ وإضافة النور إليهم من باب الإضافة بأدنى ملابسة ، إذ إضافته إلى النار هو الحقيقة ، لكن مما كانوا ينتفعون به صح إضافته إليهم .
وقرأ الجمهور : في ظلمات بضم اللام ، وقرأ
الحسن وأبو السماك بسكون اللام ، وقرأ قوم بفتحها . وهذه اللغى الثلاث جائزة في جمع فعلة .
الاسم الصحيح العين غير المضعف ولا المعل اللام بالتاء . فإن اعتلت بالياء نحو : كلية ، امتنعت الضمة ، أو كان مضعفا نحو : درة ، أو معتل العين نحو : سورة ، أو وصفا نحو : بهمة ، امتنعت الفتحة والضمة . وقرأ قوم : إن ظلمات ، بفتح اللام ، جمع ظلم ، الذي هو جمع ظلمة . فظلمات على هذا جمع جمع ، والعدول إلى الفتح تخفيفا أسهل من ادعاء جمع الجمع ؛ لأن العدول إليه قد جاء في نحو : كسرات جمع كسرة
[ ص: 81 ] جوازا ، وإليه في نحو : جفنة وجوبا . وفعلة وفعلة أخوات ، وقد سمع فيها الفتح بالقيود التي تقدمت ، وجمع الجمع ليس بقياس ، فلا ينبغي أن يصار إليه إلا بدليل قاطع . وقرأ
اليماني : في ظلمة ، على التوحيد ليطابق بين إفراد النور والظلمة وقراءة الجمع ؛ لأن كل واحد له ظلمة تخصه ، فجمعت لذلك . وحيث وقع ذكر النور والظلمة في القرآن جاء على هذا المنزع من إفراد النور وجمع الظلمات . وسيأتي الكلام على ذلك ، إن شاء الله . ونكرت الظلمات ولم تضف إلى ضمير هم كما أضيف النور اكتفاء بما دل عليه المعنى من إضافتها إليهم من جهة المعنى واختصار اللفظ ، وإن كان ترك متعديا لواحد فيحتمل أن يكون : في ظلمات ، في موضع الحال من المفعول ، فيتعلق بمحذوف ، ولا يبصرون : في موضع الحال أيضا ، إما من الضمير في تركهم وإما من الضمير المستكن في المجرور فيكون حالا متداخلة ، وهي في التقديرين حال مؤكدة . ألا ترى أن من ترك في ظلمة لزم من ذلك أنه لا يبصر ؟ وإن كان ترك مما يتعدى إلى اثنين كان في ظلمات في موضع المفعول الثاني ، ولا يبصرون جملة حالية ، ولا يجوز أن يكون في ظلمات في موضع الحال ، ولا يبصرون جملة في موضع المفعول الثاني ، وإن كان يجوز ظننت زيدا منفردا لا يخاف ، وأنت تريد ظننت زيدا في حال انفراده لا يخاف ؛ لأن المفعول الثاني أصله خبر لمبتدأ ، وإذا كان كذلك فلا يأتي الخبر على جهة التأكيد ، إنما ذلك على سبيل بعض الأحوال لا الأخبار . فإذا جعلت في ظلمات في موضع الحال كان قد فهم منها أن من هو في ظلمة لا يبصر ، فلا يكون في قوله لا يبصرون من الفائدة إلا التوكيد ، وذلك لا يجوز في الأخبار . ألا ترى إلى تخريج النحويين قول
امرئ القيس :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له بشق وشق عندنا لم يحول
على أن وشق مبتدأ وعندنا في موضع الخبر ، ولم يحول جملة حالية أفادت التأكيد ، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه موضع الخبر ؛ لأنه يؤدي إلى مجيء الخبر مؤكدا ؛ لأن نفي التحويل مفهوم من كون الشق عنده ، فإذا استقر عنده ثبت أنه لم يحول عنه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : والظلمات هنا العذاب ، وقال
مجاهد : ظلمة الكفر ، وقال
قتادة : ظلمة يلقيها الله عليهم بعد الموت ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : ظلمة النفاق ، ولم يذكر مفعول لا يبصرون ، ولا ينبغي أن ينوى ؛ لأن المقصود نفي الإبصار عنهم لا بالنسبة إلى متعلقه .
وَأَضَاءَتْ : قِيلَ مُتَعَدٍّ وَقِيلَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ ، قَالُوا : وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ ، فَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا كَانَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلنَّقْلِ ، إِذْ يُقَالُ : ضَاءَ الْمَكَانُ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - :
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْأَرْ ضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفْقُ
وَالْفَاعِلُ إِذْ ذَاكَ ضَمِيرُ النَّارِ ، وَمَا مَفْعُولَةٌ ، وَحَوْلَهُ صِلَةٌ مَعْمُولَةٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ لَا نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ ، وَحَوْلَهُ صِفَةٌ لِقِلَّةِ اسْتِعْمَالِ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ ، أَيْ فَلَمَّا أَضَاءَتِ النَّارُ الْمَكَانَ الَّذِي حَوْلَهُ ، وَإِذَا كَانَ لَازِمًا فَقَالُوا : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي أَضَاءَتْ لِلنَّارِ ، وَمَا زَائِدَةٌ ، وَحَوْلَهُ ظَرْفٌ مَعْمُولٌ لِلْفِعْلِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لَيْسَ ضَمِيرَ النَّارِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا الْمَوْصُولَةُ وَأُنِّثَ عَلَى الْمَعْنَى ، أَيْ : فَلَمَّا أَضَاءَتِ الْجِهَةُ الَّتِي حَوْلَهُ ، كَمَا أَنَّثُوا عَلَى الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِمْ : مَا جَاءَتْ حَاجَتُكَ . وَقَدْ أَلَمَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِهَذَا الْوَجْهِ ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَكَرُوهُ لِأَنَّهُ لَا يُحْفَظُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ : جَلَسْتُ مَا مَجْلِسًا حَسَنًا ، وَلَا قُمْتُ مَا يَوْمَ الْجُمْعَةَ ، وَالْحَمْلُ عَلَى
[ ص: 79 ] الْمَعْنَى مَحْفُوظٌ ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلَوْ سُمِعَ زِيَادَةً فِي مَا نَحْوَ هَذَا ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ اطِّرَادِ زِيَادَةِ مَا ، وَالْأَوْلَى فِي الْآيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَضَاءَتْ مُتَعَدِّيَةٌ ، فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ زِيَادَةٍ ، وَلَا حَمْلٍ عَلَى الْمَعْنَى .
وَقَرَأَ
ابْنُ السَّمَيْفَعِ nindex.php?page=showalam&ids=12356وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : فَلَمَّا أَضَاءَتْ ، ثُلَاثِيًّا فَيَتَخَرَّجُ عَلَى زِيَادَةِ مَا وَعَلَى أَنْ تَكُونَ هِيَ الْفَاعِلَةُ ، إِمَّا مَوْصُولَةً وَإِمَّا مَوْصُوفَةً ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمَّا جَوَابُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) ، وَجَمْعُ الضَّمِيرِ فِي : بِنُورِهِمْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الَّذِي ، إِذْ قَرَّرْنَا أَنَّ الْمَعْنَى كَالْجَمْعِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ، أَوْ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ الَّذِي قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ كَمَثَلِ أَصْحَابِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ، وَأَجَازُوا أَنْ يَكُونَ جَوَابَ لَمَّا مَحْذُوفًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى ، كَمَا حَذَفُوهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا ) ، الْآيَةَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَإِنَّمَا جَازَ حَذْفُهُ لِاسْتِطَالَةِ الْكَلَامِ مَعَ أَمْنِ الْإِلْبَاسِ الدَّالِّ عَلَيْهِ ، انْتَهَى . وَقَوْلُهُ : لِاسْتِطَالَةِ الْكَلَامِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِلِ الْكَلَامَ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّرَهُ خُمِدَتْ ، وَأَيُّ اسْتِطَالَةٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) ، خُمِدَتْ ؟ بَلْ هَذَا لَمَّا وَجَوَابُهَا ، فَلَا اسْتِطَالَةَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=15فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ ) ، فَإِنَّ الْكَلَامَ قَدْ طَالَ بِذِكْرِ الْمَعَاطِيفِ الَّتِي عُطِفَتْ عَلَى الْفِعْلِ وَذِكْرِ مُتَعَلَّقَاتِهَا بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي يَلِي لَمَّا ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْحَذْفُ سَائِغًا لِاسْتِطَالَةِ الْكَلَامِ . وَقَوْلُهُ : مَعَ أَمْنِ الْإِلْبَاسِ ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ ، وَأَيُّ أَمْنِ إِلْبَاسٍ فِي هَذَا وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ ؟ بَلِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُ الْكَلَامِ وَصِحَّتُهُ وَوَضْعُهُ مَوَاضِعَهُ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) هُوَ الْجَوَابُ ، فَإِذَا جَعَلْتَ غَيْرَهُ الْجَوَابَ مَعَ قُوَّةِ تَرَتُّبِ ذَهَابِ اللَّهِ بِنُورِهِمْ عَلَى الْإِضَاءَةِ ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ اللُّغْزِ ، إِذْ تَرَكْتَ شَيْئًا يُبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ وَأَضْمَرْتَ شَيْئًا يَحْتَاجُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى وَحْيٍ يُسْفِرُ عَنْهُ ، إِذْ لَا يَدُلُّ عَلَى حَذْفِهِ اللَّفْظَ مَعَ وُجُودِ تَرْكِيبِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) . وَلَمْ يَكْتَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنْ جَوَّزَ حَذْفُ هَذَا الْجَوَابِ حَتَّى ادَّعَى أَنَّ الْحَذْفَ أَوْلَى ، قَالَ : وَكَانَ الْحَذْفُ أَوْلَى مِنَ الْإِثْبَاتِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَجَازَةِ مَعَ الْإِعْرَابِ عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي حَصَلَ عَلَيْهَا الْمُسْتَوْقِدُ بِمَا هُوَ أَبْلَغُ لِلَّفْظِ فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى ، كَأَنَّهُ قِيلَ : فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ خُمِدَتْ ، فَبَقُوا خَابِطِينَ فِي ظَلَامٍ ، مُتَحَيِّرِينَ مُتَحَسِّرِينَ عَلَى فَوْتِ الضَّوْءِ ، خَائِبِينَ بَعْدَ الْكَدْحِ فِي إِحْيَاءِ النَّارِ ، انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ نَوْعٌ مِنَ الْخَطَابَةِ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ لَهُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَلِي قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) . وَأَمَّا مَا فِي كَلَامِهِ بَعْدَ تَقْدِيرِ خُمِدَتْ إِلَى آخِرِهِ ، فَهُوَ مِمَّا يُحَمِّلُ اللَّفْظَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ ، وَيُقَدِّرُ تَقَادِيرَ وَجُمَلًا مَحْذُوفَةً لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا الْكَلَامُ ، وَذَلِكَ عَادَتُهُ فِي غَيْرِ مَا كَلَامٍ فِي مُعْظَمِ تَفْسِيرِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ ، وَلَا أَنْ يُزَادَ فِيهِ ، بَلْ يَكُونُ الشَّرْحُ طِبْقَ الْمَشْرُوحِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصٍ مِنْهُ . وَلَمَّا جَوَّزُوا حَذْفَ الْجَوَابِ تَكَلَّمُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) ، فَخَرَّجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنِفًا جَوَابَ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ : مَا بَالُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ حَالُهُمْ حَالَ هَذَا الْمُسْتَوْقِدِ ؟ فَقِيلَ : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ التَّمْثِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ ، قَالَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ جَوَابَ لَمًّا مَحْذُوفٌ ، وَقَدِ اخْتَرْنَا غَيْرَهُ وَأَنَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ التَّخْرِيجَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَ ذِكْرَهُمَا ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ التَّمْثِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ ، لَا يَظْهَرُ فِي صِحَّتِهِ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ التَّمْثِيلِ هِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) ، فَجَعْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) بَدَلًا مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ فِي الْجُمَلِ إِلَّا إِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ فَعِلْيَةً تُبْدَلُ مِنْ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ ، فَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ ذَلِكَ . أَمَّا أَنْ تُبْدَلَ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجَازَ ذَلِكَ ، وَالْبَدَلُ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ . وَالْجُمْلَةُ الْأُولَى لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ ، إِذْ لَا عَامِلَ فِي الْأُولَى فَتُكَرَّرُ فِي الثَّانِيَةِ فَبَطُلَتْ جِهَةُ الْبَدَلِ فِيهَا ، وَمَنْ جَعَلَ الْجَوَابَ مَحْذُوفًا جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي بِنُورِهِمْ عَائِدًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ . وَالْبَاءَ فِي بِنُورِهِمْ لِلتَّعْدِيَةِ ، وَهِيَ إِحْدَى الْمَعَانِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاءَ تَجِيءُ لَهَا ، وَهِيَ عِنْدَ جُمْهُورِ
[ ص: 80 ] النَّحْوِيِّينَ تُرَادِفُ الْهَمْزَةَ . فَإِذَا قُلْتَ : خَرَجْتُ بِزَيْدٍ ، فَمَعْنَاهُ أَخْرَجْتُ زَيْدًا ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ خَرَجْتَ ، وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : قُمْتُ بِزَيْدٍ ، دَلَّ عَلَى أَنَّكَ قُمْتَ وَأَقَمْتَهُ ، وَإِذَا قُلْتَ : أَقَمْتُ زَيْدًا ، لَمْ يَلْزَمْ أَنَّكَ قُمْتَ ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ فِي التَّعْدِيَةِ . وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ مَذْهَبِ
أَبِي الْعَبَّاسِ ذَهَبَ
السُّهَيْلِيُّ ، قَالَ : تَدْخُلُ الْبَاءُ ، يَعْنِي الْمُعَدِّيَةَ ، حَيْثُ تَكُونُ مِنَ الْفَاعِلِ بَعْضُ مُشَارَكَةٍ لِلْمَفْعُولِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ نَحْوَ : أَقْعَدْتُهُ ، وَقَعَدْتُ بِهِ ، وَأَدْخَلْتُهُ الدَّارَ ، وَدَخَلْتُ بِهِ ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا فِي مِثْلِ : أَمْرَضْتُهُ ، وَأَسْقَمْتُهُ . فَلَا بُدَّ إِذَنْ مِنْ مُشَارَكَةٍ وَلَوْ بِالْيَدِ إِذَا قُلْتَ : قَعَدْتُ بِهِ ، وَدَخَلْتُ بِهِ . وَرُدَّ عَلَى
أَبِي الْعَبَّاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا . أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْنَى أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِالذَّهَابِ مَعَ النُّورِ ؟ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ
أَبَا الْعَبَّاسِ ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالذَّهَابِ عَلَى مَعْنًى يَلِيقُ بِهِ ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ تَعَالَى بِالْمَجِيءِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ ) ، وَالَّذِي يُفْسِدُ مَذْهَبَ
أَبِي الْعَبَّاسِ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
دِيَارُ الَّتِي كَانَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنًى تَحِلُّ بِنَا لَوْلَا نِجَاءُ الرَّكَائِبِ
أَيْ تَحُلُّنَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْنَى تُصَيِّرُنَا حَلَالًا غَيْرَ مُحْرِمِينَ ، وَلَيْسَتْ تَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا ، فَتَصِيرُ حَلَالًا بَعْدَ ذَلِكَ ؟ وَلِكَوْنِ الْبَاءِ بِمَعْنَى الْهَمْزَةِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يُقَالُ : أَذْهَبْتُ بِزَيْدٍ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ) ، فِي قِرَاءَةِ مَنْ جَعَلَهُ رُبَاعِيًّا تَخْرِيجٌ يُذْكَرُ فِي مَكَانِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - . وَلِبَاءِ التَّعْدِيَةِ أَحْكَامٌ غَيْرُ هَذَا ذُكِرَتْ فِي النَّحْوِ . وَقَرَأَ
الْيَمَانِيُّ : أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادَفَةِ الْبَاءِ لِلْهَمْزَةِ ، وَنِسْبَةُ الْإِذْهَابِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - حَقِيقَةٌ ، إِذْ هُوَ فَاعِلُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا . وَفِي مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُنَافِقِينَ ، كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِالْإِسْلَامِ ، فَنَاكَحَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْفَيْءَ ، فَلَمَّا مَاتُوا سَلَبَهُمُ اللَّهُ الْعِزَّ ، كَمَا سَلَبَ مُوقِدَ النَّارِ ضَوْءَهُ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) ، أَيْ فِي عَذَابٍ . الثَّانِي : إِنَّ ذَهَابَ نُورِهِمْ بِإِطْلَاعِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ ، فَقَدْ ذَهَبَ مِنْهُمْ نُورُ الْإِسْلَامِ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ كُفْرِهِمْ . الثَّالِثُ : أَبْطَلَ نُورَهُمْ عِنْدَهُ ، إِذْ قُلُوبُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا أَظْهَرُوا ، فَهُمْ كَرَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا ثُمَّ طُفِئَتْ فَعَادَ فِي ظُلْمَةٍ . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ إِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا كَانَ الضَّمِيرُ فِي بِنُورِهِمْ عَائِدًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، وَإِنْ عَادَ عَلَى الْمُسْتَوْقِدِينَ ، فَذَهَابُ النُّورِ هُوَ إِطْفَاءُ النَّارِ الَّتِي أَوْقَدُوهَا ، وَيَكُونُ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ فِعْلٌ ، فَلِذَلِكَ قَالَ
الضَّحَّاكُ : لَمَّا أَضَاءَتِ النَّارُ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا رِيحًا عَاصِفًا فَأَطْفَأَهَا ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا نَارٌ حَقِيقَةٌ أَوْقَدَهَا أَهْلُ الْفَسَادِ لِيَتَوَصَّلُوا بِهَا وَبِنُورِهَا إِلَى فَسَادِهِمْ وَعَبَثِهِمْ ، فَأَخْمَدَ اللَّهُ نَارَهُمْ وَأَضَلَّ سَعْيَهُمْ ، وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا : إِنَّ ذِكْرَ النَّارِ هُنَا مَثَلٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهَا ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَارُ الْعَدَاوَةِ وَالْحِقْدِ ، فَإِذْهَابُ اللَّهِ لَهَا دَفْعُ ضَرَرِهَا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ . وَإِذَا كَانَتِ النَّارُ مَجَازِيَّةً ، فَوَصْفُهَا بِالْإِضَاءَةِ مَا حَوْلَ الْمُسْتَوْقِدِ هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّرْشِيحِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ . وَإِذْهَابُ النُّورِ أَبْلَغُ مِنْ إِذْهَابِ الضَّوْءِ لِانْدِرَاجِ الْأَخَصِّ فِي نَفْيِ الْأَعَمِّ ، لَا الْعَكْسِ . فَلَوْ أَتَى بِضَوْئِهِمْ لَمْ يَلْزَمْ ذَهَابُ النُّورِ . وَالْمَقْصُودُ إِذْهَابُ النُّورِ عَنْهُمْ أَصْلًا ، أَلَا تَرَى كَيْفَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) ؟ وَإِضَافَةُ النُّورِ إِلَيْهِمْ مِنْ بَابِ الْإِضَافَةِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ، إِذْ إِضَافَتُهُ إِلَى النَّارِ هُوَ الْحَقِيقَةُ ، لَكِنْ مِمَّا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ صَحَّ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِمْ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : فِي ظُلُمَاتٍ بِضَمِّ اللَّامِ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَأَبُو السَّمَّاكِ بِسُكُونِ اللَّامِ ، وَقَرَأَ قَوْمٌ بِفَتْحِهَا . وَهَذِهِ اللُّغَى الثَّلَاثُ جَائِزَةٌ فِي جَمْعِ فُعْلَةٍ .
الِاسْمُ الصَّحِيحُ الْعَيْنِ غَيْرُ الْمُضَعَّفِ وَلَا الْمُعَلِّ اللَّامِ بِالتَّاءِ . فَإِنِ اعْتُلَتْ بِالْيَاءِ نَحْوَ : كُلِّيَّةٍ ، امْتَنَعَتِ الضَّمَّةُ ، أَوْ كَانَ مُضَعَّفًا نَحْوَ : دُرَّةٍ ، أَوْ مُعْتَلَّ الْعَيْنِ نَحْوَ : سُورَةٍ ، أَوْ وَصْفًا نَحْوَ : بُهْمَةٍ ، امْتَنَعَتِ الْفَتْحَةُ وَالضَّمَّةُ . وَقَرَأَ قَوْمٌ : إِنَّ ظُلَمَاتٍ ، بِفَتْحِ اللَّامِ ، جَمْعُ ظُلَمٍ ، الَّذِي هُوَ جَمْعُ ظُلْمَةٍ . فَظُلُمَاتٌ عَلَى هَذَا جَمْعُ جَمْعٍ ، وَالْعُدُولُ إِلَى الْفَتْحِ تَخْفِيفًا أَسْهَلُ مِنِ ادِّعَاءِ جَمْعِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ إِلَيْهِ قَدْ جَاءَ فِي نَحْوِ : كِسْرَاتٍ جَمْعُ كِسْرَةٍ
[ ص: 81 ] جَوَازًا ، وَإِلَيْهِ فِي نَحْوِ : جَفْنَةٍ وُجُوبًا . وَفُعْلَةُ وَفِعْلَةُ أَخَوَاتٌ ، وَقَدْ سُمِعَ فِيهَا الْفَتْحُ بِالْقُيُودِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِقِيَاسٍ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ . وَقَرَأَ
الْيَمَانِيُّ : فِي ظُلْمَةٍ ، عَلَى التَّوْحِيدِ لِيُطَابِقَ بَيْنَ إِفْرَادِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَقِرَاءَةِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ ظُلْمَةٌ تَخُصُّهُ ، فَجُمِعَتْ لِذَلِكَ . وَحَيْثُ وَقَعَ ذِكْرُ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ فِي الْقُرْآنِ جَاءَ عَلَى هَذَا الْمَنْزَعِ مِنْ إِفْرَادِ النُّورِ وَجَمْعِ الظُّلُمَاتِ . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَنُكِّرَتِ الظُّلُمَاتُ وَلَمْ تُضَفْ إِلَى ضَمِيرِ هُمْ كَمَا أُضِيفَ النُّورُ اكْتِفَاءً بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى مِنْ إِضَافَتِهَا إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَاخْتِصَارِ اللَّفْظِ ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ مُتَعَدِّيًا لِوَاحِدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ : فِي ظُلُمَاتٍ ، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ، وَلَا يُبْصِرُونَ : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْضًا ، إِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَرْكِهِمْ وَإِمَّا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي الْمَجْرُورِ فَيَكُونُ حَالًا مُتَدَاخِلَةً ، وَهِيَ فِي التَّقْدِيرَيْنِ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ . أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تُرِكَ فِي ظُلْمَةٍ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُبْصِرُ ؟ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِمَّا يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ كَانَ فِي ظُلُمَاتٍ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي ، وَلَا يُبْصِرُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي ظُلُمَاتٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَلَا يُبْصِرُونَ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ ظَنَنْتُ زَيْدًا مُنْفَرِدًا لَا يَخَافُ ، وَأَنْتَ تُرِيدُ ظَنَنْتُ زَيْدًا فِي حَالِ انْفِرَادِهِ لَا يَخَافُ ؛ لِأَنَّ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ أَصْلُهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَأْتِي الْخَبَرُ عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ ، إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا الْأَخْبَارِ . فَإِذَا جَعَلْتَ فِي ظُلُمَاتٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَانَ قَدْ فُهِمَ مِنْهَا أَنَّ مَنْ هُوَ فِي ظُلْمَةٍ لَا يُبْصِرُ ، فَلَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ لَا يُبْصِرُونَ مِنَ الْفَائِدَةِ إِلَّا التَّوْكِيدُ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْأَخْبَارِ . أَلَا تَرَى إِلَى تَخْرِيجِ النَّحْوِيِّينَ قَوْلَ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ
عَلَى أَنَّ وَشِقٌّ مُبْتَدَأٌ وَعِنْدَنَا فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ، وَلَمْ يُحَوَّلْ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَفَادَتِ التَّأْكِيدَ ، وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخَبَرِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مَجِيءِ الْخَبَرِ مُؤَكَّدًا ؛ لِأَنَّ نَفْيَ التَّحْوِيلِ مَفْهُومٌ مِنْ كَوْنِ الشِّقِّ عِنْدَهُ ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُحَوَّلْ عَنْهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : وَالظُّلُمَاتُ هُنَا الْعَذَابُ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : ظُلْمَةُ الْكُفْرِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : ظُلْمَةٌ يُلْقِيهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : ظُلْمَةُ النِّفَاقِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَ لَا يُبْصِرُونَ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْوَى ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْإِبْصَارِ عَنْهُمْ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُتَعَلِّقِهِ .