(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54nindex.php?page=treesubj&link=29001الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=57فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .
لما ذكر دلائل الآفاق ، ذكر شيئا من دلائل الأنفس ، وجعل الخلق من ضعف ، لكثرة ضعف الإنسان أول نشأته وطفوليته ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل ) . والقوة التي تلت الضعف ، هي رعرعته ونماؤه وقوته إلى فصل الاكتهال . والضعف الذي بعد القوة هو حال الشيخوخة والهرم . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54من ضعف ) من النطفة ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=8من ماء مهين ) . والترداد في هذه الهيئات شاهد بقدرة الصانع وعلمه . وقرأ الجمهور : بضم الضاد في ( ضعف ) معا ;
وعاصم وحمزة : بفتحها فيهما ، وهي قراءة
عبد الله وأبيرجاء . وروي عن
أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك : الضم والفتح في الثاني . وقرأ
عيسى : بضمتين فيهما . والظاهر أن الضعف والقوة هما بالنسبة إلى ما عدا البدن من ذلك ، وإن الضم والفتح بمعنى واحد في ضعف . وقال كثير من اللغويين : الضم في البدن ، والفتح في العقل . ( ما لبثوا ) هو جواب ، وهو على المعنى ، إذ لو حكى قولهم ، كان يكون التركيب : ما لبثنا غير ساعة ، أي : ما أقاموا تحت التراب غير ساعة ، وما لبثوا في الدنيا : استقلوها لما عاينوا من الآخرة ، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث ، وإخبارهم بذلك هو على جهة التسور والتقول بغير علم ، أو على جهة النسيان ، أو الكذب . ( يؤفكون ) أي : يصرفون عن قول الحق والنطق بالصدق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56الذين أوتوا العلم ) هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56في كتاب الله ) فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث والعلم يعم الإيمان وغيره ، ولكن نص على هذا الخاص تشريفا وتنبيها على محله من العلم . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56في كتاب الله ) اللوح المحفوظ ، وقيل : في علمه ، وقيل : في حكمه . وقرأ
الحسن : " البعث " ، بفتح العين فيهما ، وقرئ : بكسرها ، وهو اسم ، والمفتوح مصدر . وقال
قتادة : هو على التقديم والتأخير ، تقديره : أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لقد لبثتم ) وعلى هذا تكون في بمعنى الباء ، أي : العلم بكتاب الله ، ولعل هذا القول لا يصح عن قتادة ، فإن فيه تفكيكا للنظم ، لا يسوغ في كلام غير فصيح ، فكيف يسوغ في كلام الله ؟ وكان قتادة موصوفا بعلم العربية ، فلا يصدر عنه مثل هذا القول . والفاء في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56فهذا يوم البعث )
[ ص: 181 ] عاطفة لهذه الجملة المقولة على الجملة التي قبلها ، وهي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لقد لبثتم ) اعتقبها في الذكر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : ما هذه الفاء وما حقيقتها ؟ قلت : هي التي في قوله :
فقد جئنا خراسانا
وحقيقتها أنها جواب شرط يدل عليه الكلام ، كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن أقصى ما يراد بنا قلنا القفول : قد جئنا
خراسانا ، وإذا أمكن جعل الفاء عاطفة ، لم يتكلف إضمار شرط ، وجعل الفاء جوابا لذلك الشرط المحذوف : لا تعلمون لتفريطكم في طلب الحق واتباعه . وقيل : لا تعلمون البعث ولا تعرفون به ، فصار مصيركم إلى النار ، فتطلبون التأخير . ( فيومئذ ) أي : يوم إذ يقع ذلك من إقسام الكفار وقول أولي العلم لهم . وقرأ
الكوفيون : ( لا ينفع ) بالياء هنا وفي الطول ، ووافقهم نافع في الطول ; وباقي السبعة بتاء التأنيث . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=57ولا هم يستعتبون ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : من قولك : استعتبني فلان فأعتبته : أي : استرضاني فأرضيته ، وذلك إذا كان جانيا عليه ، وحقيقته : أعتبته : أزلت عتبه . ألا ترى إلى قوله :
غضبت تميم أن يقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
كيف جعلهم غضابا . ثم قال : فأعتبوا : أي : أزيل غضبهم ، والغضب في معنى العتب ، والمعنى : لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ، ومثله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ) . ( فإن قلت ) كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات ، وغير معتبين في بعضها ؟ وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=24وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ) ؟ قلت : أما كونهم غير مستعتبين ، فهذا معناه ; وأما كونهم غير معتبين ، فمعناه أنهم غير راضين بما هم فيه ; فشبهت حالهم بحال قوم جني عليهم ، فهم عاتبون على الجاني ، غير راضين منه . فإن يستعتبوا الله : أي : يسألوه إزالة ما هم فيه ، فما هم من المجابين إلى إزالته . وقال
ابن عطية : هذا إخبار عن هول يوم القيامة ، وشدة أحواله على الكفرة في أنهم لا ينفعهم الاعتذار ، ولا يعطون عتبى ، وهو الرضا . و ( يستعتبون ) بمعنى : يعتبون ، كما تقول : يملك ويستملك . والباب في استفعل أنه طلب الشيء وليس هذا منه ; لأن المعنى لا يفسد إذا كان المفهوم منه : ولا يطلب منهم عتبى . انتهى . فيكون استفعل في هذا بمعنى الفعل المجرد ، وهو عتب ، أي : هم من الإهمال وعدم الالتفات إليهم بمنزلة من لا يؤهل للعتب . وقد قيل : لا يعاتبون على سيئاتهم ، بل يعاقبون . وقيل : لا يطلب لهم العتبى . وقيل : لا يلتمس منهم عمل وطاعة ، ولكن ضربنا إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها ، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن ، كصفة المبعوثين يوم القيامة ، وما يقال لهم ، وما لا يقع من اعتذارهم ، ولا يسمع من استعتابهم ، ولكنهم لقسوة قلوبهم ومج أسماعهم حديث الآخرة ، إذا جئتهم بآية من آيات القرآن قالوا : أجئتنا بزور باطل ؟ انتهى . و ( أنتم ) خطاب للرسول والمؤمنين ، أي : : تبطلون في دعواكم الحشر والجزاء . وقال أبو عبد الله الرازي : وفي توحيد الخطاب بقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58ولئن جئتهم ) والجمع في قوله : ( إن أنتم ) لطيفة ، وهي : أن الله عز وجل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58ولئن جئتهم ) بكل آية جاءت بها الرسل ، فيمكن أن يجاوبوه بقوله : أنتم كلكم أيها المدعون الرسالة مبطلون .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كذلك يطبع الله ) : أي مثل هذا الطبع يطبع الله ، أي يختم على قلوب الجهلة الذين قد ختم الله عليهم الكفر في الأزل ، وأسند الطبع إلى ذاته تعالى ، إذ هو فاعل ذلك ومقدره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ومعنى طبع الله : صنع الألطاف التي يشرح لها الصدور حتى تقبل الحق ، ثم قال : فكأنه كذلك تصدأ القلوب وتقسو قلوب الجهلة حتى يسموا المحقين مبطلين ، وهم أعرف خلق الله في تلك الصفة . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . ثم أمره تعالى بالصبر على عداوتهم ، وقواه بتحقق الوعد أنه لا بد من إنجازه والوفاء به ، ونهاه عن الاهتزاز بكلامهم والتحرك ، فإنهم لا يقين لهم ولا بصيرة . وقرأ
ابن أبي إسحاق ،
ويعقوب :
[ ص: 182 ] ولا يستحقنك : بحاء مهملة وقاف ، من الاستحقاق ; والجمهور : بخاء معجمة وفاء ، من الاستخفاف ; وسكن النون
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة ويعقوب ، والمعنى : لا يفتننك ويكونوا أحق بك من المؤمنين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54nindex.php?page=treesubj&link=29001اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=57فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=60فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) .
لَمَّا ذَكَرَ دَلَائِلَ الْآفَاقِ ، ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ دَلَائِلِ الْأَنْفُسِ ، وَجَعَلَ الْخَلْقَ مِنْ ضَعْفٍ ، لِكَثْرَةِ ضَعْفِ الْإِنْسَانِ أَوَّلَ نَشْأَتِهِ وَطُفُولِيَّتِهِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) . وَالْقُوَّةُ الَّتِي تَلَتِ الضَّعْفَ ، هِيَ رَعْرَعَتُهُ وَنَمَاؤُهُ وَقُوَّتُهُ إِلَى فَصْلِ الِاكْتِهَالِ . وَالضَّعْفُ الَّذِي بَعْدَ الْقُوَّةِ هُوَ حَالُ الشَّيْخُوخَةِ وَالْهَرَمِ . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54مِنْ ضَعْفٍ ) مِنَ النُّطْفَةِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=8مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) . وَالتَّرْدَادُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَاتِ شَاهِدٌ بِقُدْرَةِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِضَمِّ الضَّادِ فِي ( ضُعْفٍ ) مَعًا ;
وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ : بِفَتْحِهَا فِيهِمَا ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِيرَجَاءٍ . وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْجَحْدَرِيِّ وَالضَّحَّاكِ : الضَّمُّ وَالْفَتْحُ فِي الثَّانِي . وَقَرَأَ
عِيسَى : بِضَمَّتَيْنِ فِيهِمَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّعْفَ وَالْقُوَّةَ هُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَدَا الْبَدَنِ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنَّ الضَّمَّ وَالْفَتْحَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي ضَعْفٍ . وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ : الضَّمُّ فِي الْبَدَنِ ، وَالْفَتْحُ فِي الْعَقْلِ . ( مَا لَبِثُوا ) هُوَ جَوَابٌ ، وَهُوَ عَلَى الْمَعْنَى ، إِذْ لَوْ حَكَى قَوْلَهُمْ ، كَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ : مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ ، أَيْ : مَا أَقَامُوا تَحْتَ التُّرَابِ غَيْرَ سَاعَةٍ ، وَمَا لَبِثُوا فِي الدُّنْيَا : اسْتَقَلُّوهَا لِمَا عَايَنُوا مِنَ الْآخِرَةِ ، أَوْ فِيمَا بَيْنَ فَنَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْبَعْثِ ، وَإِخْبَارُهُمْ بِذَلِكَ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّسَوُّرِ وَالتَّقَوُّلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، أَوْ عَلَى جِهَةِ النِّسْيَانِ ، أَوِ الْكَذِبِ . ( يُؤْفَكُونَ ) أَيْ : يُصْرَفُونَ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَالنُّطْقِ بِالصِّدْقِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56فِي كِتَابِ اللَّهِ ) فِيمَا وَعَدَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْحَشْرِ وَالْبَعْثِ وَالْعِلْمِ يَعُمُّ الْإِيمَانَ وَغَيْرَهُ ، وَلَكِنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْخَاصِّ تَشْرِيفًا وَتَنْبِيهًا عَلَى مَحَلِّهِ مِنَ الْعِلْمِ . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56فِي كِتَابِ اللَّهِ ) اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ ، وَقِيلَ : فِي عِلْمِهِ ، وَقِيلَ : فِي حُكْمِهِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ : " الْبَعَثِ " ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِيهِمَا ، وَقُرِئَ : بِكَسْرِهَا ، وَهُوَ اسْمٌ ، وَالْمَفْتُوحُ مَصْدَرٌ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، تَقْدِيرُهُ : أُوتُوا الْعِلْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لَقَدْ لَبِثْتُمْ ) وَعَلَى هَذَا تَكُونُ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ ، أَيِ : الْعِلْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَلَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَصِحُّ عَنْ قَتَادَةَ ، فَإِنَّ فِيهِ تَفْكِيكًا لِلنَّظْمِ ، لَا يَسُوغُ فِي كَلَامٍ غَيْرِ فَصِيحٍ ، فَكَيْفَ يَسُوغُ فِي كَلَامِ اللَّهِ ؟ وَكَانَ قَتَادَةُ مَوْصُوفًا بِعِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ . وَالْفَاءُ فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ )
[ ص: 181 ] عَاطِفَةٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمَقُولَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهِيَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56لَقَدْ لَبِثْتُمْ ) اعْتَقَبَهَا فِي الذِّكْرِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : مَا هَذِهِ الْفَاءُ وَمَا حَقِيقَتُهَا ؟ قُلْتُ : هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ :
فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا جَوَابُ شَرْطٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ صَحَّ مَا قُلْتُمْ مِنْ أَنَّ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا قُلْنَا الْقُفُولَ : قَدْ جِئْنَا
خُرَاسَانَا ، وَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْفَاءِ عَاطِفَةً ، لَمْ يُتَكَلَّفْ إِضْمَارُ شَرْطٍ ، وَجَعْلُ الْفَاءِ جَوَابًا لِذَلِكَ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ : لَا تَعْلَمُونَ لِتَفْرِيطِكُمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ . وَقِيلَ : لَا تَعْلَمُونَ الْبَعْثَ وَلَا تُعَرَّفُونَ بِهِ ، فَصَارَ مَصِيرُكُمْ إِلَى النَّارِ ، فَتَطْلُبُونَ التَّأْخِيرَ . ( فَيَوْمَئِذٍ ) أَيْ : يَوْمَ إِذْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ إِقْسَامِ الْكُفَّارِ وَقَوْلِ أُولِي الْعِلْمِ لَهُمْ . وَقَرَأَ
الْكُوفِيُّونَ : ( لَا يَنْفَعُ ) بِالْيَاءِ هُنَا وَفِي الطُّوَلِ ، وَوَافَقَهُمْ نَافِعٌ فِي الطُّوَلِ ; وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=57وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مِنْ قَوْلِكَ : اسْتَعْتَبَنِي فُلَانٌ فَأَعْتَبْتُهُ : أَيِ : اسْتَرْضَانِي فَأَرْضَيْتُهُ ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ جَانِيًا عَلَيْهِ ، وَحَقِيقَتُهُ : أَعْتَبْتَهُ : أَزَلْتُ عَتَبَهُ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ :
غَضِبَتْ تَمِيمٌ أَنْ يَقَتَّلَ عَامِرٌ يَوْمَ النِّسَارِ فَأُعْتِبُوا بِالصَّيْلَمِ
كَيْفَ جَعَلَهُمْ غِضَابًا . ثُمَّ قَالَ : فَأُعْتِبُوا : أَيْ : أُزِيلَ غَضَبُهُمْ ، وَالْغَضَبُ فِي مَعْنَى الْعَتَبِ ، وَالْمَعْنَى : لَا يُقَالُ لَهُمْ أَرْضُوا رَبَّكُمْ بِتَوْبَةٍ وَطَاعَةٍ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) . ( فَإِنْ قُلْتَ ) كَيْفَ جُعِلُوا غَيْرَ مُسْتَعْتَبِينَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ ، وَغَيْرَ مُعْتَبِينَ فِي بَعْضِهَا ؟ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=24وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ) ؟ قُلْتُ : أَمَّا كَوْنُهُمْ غَيْرَ مُسْتَعْتَبِينَ ، فَهَذَا مَعْنَاهُ ; وَأَمَّا كَوْنُهُمْ غَيْرَ مُعْتَبِينَ ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ رَاضِينَ بِمَا هُمْ فِيهِ ; فَشَبَّهَتْ حَالَهُمْ بِحَالِ قَوْمٍ جُنِيَ عَلَيْهِمْ ، فَهُمْ عَاتِبُونَ عَلَى الْجَانِي ، غَيْرُ رَاضِينَ مِنْهُ . فَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا اللَّهَ : أَيْ : يَسْأَلُوهُ إِزَالَةَ مَا هُمْ فِيهِ ، فَمَا هُمْ مِنَ الْمُجَابِينَ إِلَى إِزَالَتِهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَشِدَّةِ أَحْوَالِهِ عَلَى الْكَفَرَةِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُهُمُ الِاعْتِذَارُ ، وَلَا يُعْطُونَ عُتْبَى ، وَهُوَ الرِّضَا . وَ ( يُسْتَعْتَبُونَ ) بِمَعْنَى : يَعْتِبُونَ ، كَمَا تَقُولُ : يَمْلِكُ وَيُسْتَمْلَكُ . وَالْبَابُ فِي اسْتَفْعَلَ أَنَّهُ طَلَبُ الشَّيْءِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَفْسُدُ إِذَا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ : وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ عُتْبَى . انْتَهَى . فَيَكُونُ اسْتَفْعَلَ فِي هَذَا بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمُجَرَّدِ ، وَهُوَ عَتَبَ ، أَيْ : هُمْ مِنَ الْإِهْمَالِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يُؤَهَّلُ لِلْعَتَبِ . وَقَدْ قِيلَ : لَا يُعَاتَبُونَ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ ، بَلْ يُعَاقَبُونَ . وَقِيلَ : لَا يَطْلُبُ لَهُمُ الْعُتْبَى . وَقِيلَ : لَا يُلْتَمَسُ مِنْهُمْ عَمَلٌ وَطَاعَةٌ ، وَلَكِنْ ضَرْبَنَا إِشَارَةً إِلَى إِزَالَةِ الْأَعْذَارِ وَالْإِتْيَانِ بِمَا فَوْقَ الْكِفَايَةِ مِنَ الْإِنْذَارِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَصَفْنَا لَهُمْ كُلَّ صِفَةٍ كَأَنَّهَا مَثَلٌ فِي غَرَابَتِهَا ، وَقَصَصْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ قِصَّةٍ عَجِيبَةِ الشَّأْنِ ، كَصِفَةِ الْمَبْعُوثِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَا يُقَالُ لَهُمْ ، وَمَا لَا يَقَعُ مِنِ اعْتِذَارِهِمْ ، وَلَا يُسْمَعُ مِنِ اسْتِعْتَابِهِمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لِقَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ وَمَجِّ أَسْمَاعِهِمْ حَدِيثَ الْآخِرَةِ ، إِذَا جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ قَالُوا : أَجِئْتَنَا بِزُورٍ بَاطِلٍ ؟ انْتَهَى . وَ ( أَنْتُمْ ) خِطَابٌ لِلرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، أَيْ : : تُبْطِلُونَ فِي دَعْوَاكُمُ الْحَشْرَ وَالْجَزَاءَ . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : وَفِي تَوْحِيدِ الْخِطَابِ بِقَوْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ ) وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ : ( إِنْ أَنْتُمْ ) لَطِيفَةٌ ، وَهِيَ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ ) بِكُلِّ آيَةٍ جَاءَتْ بِهَا الرُّسُلُ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَاوِبُوهُ بِقَوْلِهِ : أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَيُّهَا الْمُدَّعُونَ الرِّسَالَةَ مُبْطِلُونَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=59كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ ) : أَيْ مِثْلَ هَذَا الطَّبْعِ يَطْبَعُ اللَّهُ ، أَيْ يَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ قَدْ خَتَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْكُفْرَ فِي الْأَزَلِ ، وَأَسْنَدَ الطَّبْعَ إِلَى ذَاتِهِ تَعَالَى ، إِذْ هُوَ فَاعِلُ ذَلِكَ وَمُقَدِّرُهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَمَعْنَى طَبَعَ اللَّهُ : صَنَعَ الْأَلْطَافَ الَّتِي يَشْرَحُ لَهَا الصُّدُورَ حَتَّى تَقْبَلَ الْحَقَّ ، ثُمَّ قَالَ : فَكَأَنَّهُ كَذَلِكَ تَصْدَأُ الْقُلُوبُ وَتَقْسُو قُلُوبُ الْجَهَلَةِ حَتَّى يُسَمُّوا الْمُحِقِّينَ مُبْطِلِينَ ، وَهُمْ أَعْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ . انْتَهَى ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ . ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالصَّبْرِ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ ، وَقَوَّاهُ بِتَحَقُّقِ الْوَعْدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِنْجَازِهِ وَالْوَفَاءِ بِهِ ، وَنَهَاهُ عَنِ الِاهْتِزَازِ بِكَلَامِهِمْ وَالتَّحَرُّكِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقِينَ لَهُمْ وَلَا بَصِيرَةَ . وَقَرَأَ
ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ،
وَيَعْقُوبُ :
[ ص: 182 ] وَلَا يَسْتَحِقَّنَّكَ : بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَافٍ ، مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ ; وَالْجُمْهُورُ : بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَفَاءٍ ، مِنَ الِاسْتِخْفَافِ ; وَسَكَّنَ النُّونَ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَيَعْقُوبُ ، وَالْمَعْنَى : لَا يَفْتِنُنَّكَ وَيَكُونُوا أَحَقَّ بِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .