إذ : اسم ثنائي الوضع مبني ، لشبهه بالحرف وضعا أو افتقارا ، وهو ظرف زمان للماضي ، وما بعده جملة اسمية أو فعلية ، وإذا كانت فعلية قبح تقديم الاسم على الفعل وإضافته إلى المصدرة بالمضارع ، وعمل المضارع فيه مما يجعل المضارع ماضيا ، وهو ملازم للظرفية إلا أن يضاف إليه زمان ، ولا يكون مفعولا به ، ولا حرفا للتعليل أو المفاجأة ، ولا ظرف مكان ، ولا زائدة ، خلافا لزاعمي ذلك ، ولها أحكام غير هذا ذكرت في النحو . الملك : ميمه أصلية وهو فعل من الملك ، وهو القوة ، ولا حذف فيه ، وجمع على فعائلة شذوذا ، قاله أبو عبيدة ، وكأنهم توهموا أنه ملاك على وزن فعال ، وقد جمعوا فعالا المذكر والمؤنث على فعائل قليلا . وقيل : وزنه في الأصل فعأل نحو شمأل ثم نقلوا الحركة وحذفوا ، وقد جاء فيه ملأك ، فيحتمل أن يكون فعأ ، وعلى هذا تكون الهمزة زائدة في فاء الكلمة وعينها ، فمنهم من قال : الفاء لام ، والعين همزة ، من لاك : إذا أرسل ، وهي لغة محكية ، فملك أصله ملأك ، فخفف بنقل الحركة والحذف إلى فعل ، قال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
فجاء به على الأصل ، وهذا قول أبي عبيدة ، واختاره أبو الفتح ، وملائكة على هذا القول مفاعلة . ومنهم من قال : الفاء همزة ، والعين لام من الألوكة ، وهي الرسالة ، فيكون على هذا أصله مألكا ، ويكون ملأك مقلوبا ، جعلت فاؤه مكان عينه ، وعينه مكان فائه ، فعلى هذا القول يكون في وزنه معلا . ومنهم [ ص: 138 ] من قال : الفاء لام والعين واو ، من لاك الشيء : أداره في فيه ، وصاحب الرسالة يديرها في فيه ، فهو مفعل من ذلك ، نحو : معاذ ، ثم حذفوا العين تخفيفا . فعلى هذا القول يكون وزنه معلا ، وملائكة على القول مفاعلة ، والهمزة أبدلت من واو كما أبدلت في مصائب . وقال : الملك لا تشتق العرب فعله ولا تصرفه ، وهو مما فات علمه . انتهى . النضر بن شميل
والتاء في الملائكة لتأنيث الجمع ، وقيل : للمبالغة ، وقد ورد بغير تاء ، قال الشاعر :
أنا خالد صلت عليك الملائك
خليفة : فعيلة ، وفعيلة تأتي بمعنى الفاعل للمبالغة ، كالعليم ، أو بمعنى المفعول كالنطيحة ، والهاء للمبالغة . السفك : الصب والإراقة ، لا يستعمل إلا في الدم ، ويقال : سفك وسفك وأسفك بمعنى ، ومضارع سفك يأتي على يفعل ويفعل . الدماء : جمع دم ، ولامه ياء أو واو محذوفة لقولهم : دميان ودموان ، وقصره وتضعيفه مسموعان من لسان العرب . والمحذوف اللام ، قيل : أصله فعل ، وقيل : فعل . التسبيح : تنزيه الله وتبرئته عن السوء ، ولا يستعمل إلا لله تعالى ، وأصله من السبح ، وهو الجري . والمسبح جار في تنزيه الله تعالى . التقديس : التطهير ، ومنه بيت المقدس والأرض المقدسة ، ومنه القدس : السطل الذي يتطهر به ، والقداس : الجمان ، قال الشاعر :
كنظم قداس سلكه متقطع
وقال : من قدس في الأرض : إذا ذهب فيها وأبعد . الزمخشري
علم : منقول من علم التي تتعدى لواحد ، فرقوا بينها وبين علم التي تتعدى لاثنين في النقل ، فعدوا تلك بالتضعيف ، وهذه بالهمزة ، قاله ، وسيأتي الكلام عليه عند الشرح . الأستاذ أبو علي الشلوبين آدم : اسم أعجمي كآزر وعابر ، ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، ومن زعم أنه أفعل مشتق من الأدمة ، وهي كالسمرة ، أو من أديم الأرض ، وهو وجهها ، فغير صواب ; لأن الاشتقاق من الألفاظ العربية قد نص التصريفيون على أنه لا يكون في الأسماء الأعجمية ، وقيل : هو عبري من الإدام ، وهو التراب ، ومن زعم أنه فاعل من أديم الأرض ، فجعلوه ظاهرا لعدم صرفه ، وأبعد في زعمه أنه فعل رباعي سمي به . العرض : إظهار الشيء حتى تعرف جهته . الإنباء : الإخبار ، ويتعدى فعله الواحد بنفسه والثاني بحرف جر ، ويجوز حذف ذلك الحرف ، ويضمن معنى ( أعلم ) فيتعدى إلى ثلاثة . هؤلاء : اسم إشارة للقريب ، وها : للتنبيه ، والاسم أولاء : مبني على الكسر ، وقد تبدل همزته هاء فيقال : هلاء ، وقد يبنى على الضم فيقال : أولاء ، وقد تشبع الضمة قبل اللام فيقال : أولاء ، قاله الطبري قطرب . وقد يقال : هولاء بحذف ألف ها وهمزة أولاء وإقرار الواو التي بعد تلك الهمزة ، حكاه الأستاذ ، وأنشد قوله : أبو علي الشلوبين
تجلد لا تقل هولاء هذا بكى لما بكى أسفا عليكا
وذكر الفراء : أن المد في أولاء لغة الحجاز ، والقصر لغة تميم ، وزاد غيره أنها لغة بعض قيس وأسد ، وأنشد للأعشى :
هؤلا ثم هؤلا كلا أعطيت نعالا محذوة بنعال
والهمزة عند أبي علي لام الفعل ، ففاؤه ولامه همزة ، وعند أبي العباس بدل من الياء وقعت بعد ألف فقلبت همزة . سبحانك : معناه تنزيهك ، وسبحان اسم وضع موضع المصدر ، وهو مما ينتصب بإضمار فعل من معناه لا يجوز إظهاره ، وهو من الأسماء التي لزمت النصب على المصدرية ، ويضاف ويفرد ، فإذا أفرد كان منونا ، نحو قول الشاعر :
سبحانه ثم سبحانا نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والجمد
فقيل : صرفه ضرورة ، وقيل : لجعله نكرة وغير منون ، نحو قول الشاعر :
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاجر
جعله علما فمنعه الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون . وزعم بعض النحويين أنه إذا أفرد كان [ ص: 139 ] مقطوعا عن الإضافة ، فعاد إليه التنوين ، ومن لم ينونه جعله بمنزلة قبل وبعد ، وقد رد هذا القول في كتب النحو .
الحكيم : فعيل بمعنى مفعل ، من أحكم الشيء : أتقنه ومنعه من الخروج عما يريده . الإبداء : الإظهار ، والكتم : الإخفاء .
( وإذ قال ربك للملائكة ) : لم يرد في سبب نزول هذه الآيات شيء ، ومناسبتها لما قبلها أنه لما امتن عليهم بخلق ما في الأرض لهم ، وكان قبله إخراجهم من العدم إلى الوجود ، أتبع ذلك ببدء خلقهم ، وامتن عليهم بتشريف أبيهم وتكريمه وجعله خليفة وإسكانه دار كرامته ، وإسجاد الملائكة تعظيما لشأنه وتنبيها على مكانه واختصاصه بالعلم الذي به كمال الذات وتمام الصفات ، ولا شك أن الإحسان إلى الأصل إحسان إلى الفرع ، وشرف الفرع بشرف الأصل .
واختلف المعربون في ( إذ ) فذهب أبو عبيدة وابن قتيبة إلى زيادتها ، وهذا ليس بشيء ، وكان أبو عبيدة وابن قتيبة ضعيفين في علم النحو ، وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى قد ، التقدير : وقد قال ربك ، وهذا ليس بشيء ، وذهب بعضهم إلى أنه منصوب نصب المفعول به باذكر ، أي واذكر : ( إذ قال ربك ) ، وهذا ليس بشيء ; لأن فيه إخراجها عن بابها ، وهو أنه لا يتصرف فيها بغير الظرفية ، أو بإضافة ظرف زمان إليها . وأجاز ذلك الزمخشري وابن عطية وناس قبلهما وبعدهما ، وذهب بعضهم إلى أنها ظرف . واختلفوا ؛ فقال بعضهم : هي في موضع رفع ، التقدير : ابتداء خلقكم . وقال بعضهم في موضع نصب ، التقدير : وابتداء خلقكم إذ قال ربك . وناسب هذا التقدير لما تقدم قوله : ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ) ، وكلا هذين القولين لا تحرير فيه ; لأن ابتداء خلقنا لم يكن وقت قول الله للملائكة : ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ; لأن الفعل العامل في الظرف لا بد أن يقع فيه ، أما أن يسبقه أو يتأخر عنه فلا ; لأنه لا يكون له ظرفا . وذهب بعضهم إلى أن ( إذ ) منصوب بـ ( قال ) بعدها ، وليس بشيء ; لأن ( إذ ) مضافة إلى الجملة بعدها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف . وذهب بعضهم إلى أن نصبها بـ ( أحياكم ) تقديره : ( وهو الذي أحياكم ) ، ( إذ قال ربك ) ، وهذا ليس بشيء ; لأنه حذف بغير دليل ، وفيه أن الإحياء ليس واقعا في وقت قول الله للملائكة ، وحذف الموصول وصلته ، وإبقاء معمول الصلة . وذهب بعضهم إلى أنه معمول لـ ( خلقكم ) من قوله تعالى : ( اعبدوا ربكم الذي خلقكم ) ( إذ قال ربك ) ، فتكون الواو زائدة ، ويكون قد فصل بين العامل والمعمول بهذه الجمل التي كادت أن تكون سورا من القرآن ; لاستبداد كل آية منها بما سيقت له ، وعدم تعلقها بما قبلها التعلق الإعرابي .