الفرق : الفصل ، فرق بين كذا وكذا : فصل ، وفرق كذا : فصل بعضه من بعض ، ومنه : الفرق في شعر الرأس ، والفريق ، والفرقان ، والتفرق ، والفرق المفروق ، كالطحن . والفرق ضده : الجمع ، ونظائره : الفصل ، وضده : الوصل ، والشق والصدع وضدهما اللأم ، والتمييز وضده الاختلاط . وقيل : يقال فرق في المعاني ، وفرق في الأجسام ، وليس بصحيح . البحر : مكان مطمئن من الأرض يجمع المياه ، ويجمع في القلة على أبحر ، وفي الكثرة على بحور وبحار ، وأصله قيل : الشق ، وقيل : السعة . فمن الأول : البحيرة ، وهي التي شقت أذنها ، ومن الثاني : البحيرة ، المدينة المتسعة ، وفرس بحر : واسع العدو ، وتبحر في العلم : أي اتسع ، وقال :
انعق بضأنك في بقل تبحره من الأباطح واحبسها بحلدان
وجاء استعماله في الماء الحلو والماء الملح ، قال تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج " ، وجاء استعماله للملح ، ويقال : هو الأصل فيه . أنشد أحمد بن يحيى :
وقد عاد عذب الماء بحرا فزادني على مرض أن أبحر المشرب العذب
أي صار ملحا .
الغرق معروف ، والفعل منه فعل بكسر العين يفعل بالفتح ، قال :
وتارات يجم فيغرق
والتغريق ، والتعويص ، والترسيب ، والتغييب ، بمعنى واحد . النظر : تصويب المقلة إلى المرئي ، ويطلق على الرؤية ، وتعديته بإلى ، ويعلق وإن لم يكن من أفعال القلوب ، فلينظر أيها أزكى طعاما ، ونظره وانتظره وأنظره : أخره ، والنظرة : التأخير .
وعد : في الخير والشر ، والوعد في الخير ، وأوعد في الشر ، والإيعاد والوعيد في الشر . موسى : اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والعلمية .
[ ص: 196 ] يقال : هو مركب من مو : وهو الماء ، وشاو : وهو الشجر ، فلما عرب أبدلوا شينه سينا ، وإذا كان أعجميا فلا يدخله اشتقاق عربي ، وقد اختلفوا في اشتقاقه ، فقال مكي : موسى مفعل من أوسيت ، وقال غيره : هو مشتق من ماس يميس ، ووزنه : فعلى ، فأبدلت الياء واوا لضمة ما قبلها ، كما قالوا : طوبى ، وهي من ذوات الياء ; لأنها من طاب يطيب . وكون وزنه فعلى هو مذهب المعربين ، وقد نص على أن وزن موسى مفعل ، وذلك فيما لا ينصرف . واحتج سيبويه في الأبنية على ذلك بأن زيادة الميم أولا أكثر من زيادة الألف آخرا ، واحتج سيبويه الفارسي على كونه مفعلا لا فعلى ، بالإجماع على صرفه نكرة ، ولو كان فعلى لم ينصرف نكرة ; لأن الألف كانت تكون للتأنيث ، وألف التأنيث وحدها تمنع الصرف في المعرفة والنكرة .
الأربعون : ليس بجمع سلامة ، بل هو من قبيل المفرد الذي هو اسم جمع ، ومدلوله معروف ، وقد أعرب إعراب الجمع المذكر السالم .
الليلة : مدلولها معروف ، وتكسر شاذا على فعالى ، فيقال : الليالي ، ونظيره : الكيكة والكياكي ، كأنه جمع ليلاه وكيكاه ، وأهل والأهالي . وقد شذوا في التصغير كما شذوا في التكسير ، قالوا : لييلة . الاتخاذ : افتعال من الأخذ ، وكان القياس أن لا تبدل الهمزة إلا ياء ، فتقول : إيتخذ كهمزة إيمان إذ أصله : إإمان ، وكقولهم : ائتزر : افتعل من الإزار ، فمتى كانت فاء الكلمة واوا أو ياء ، وبنيت افتعل منها ، فاللغة الفصحى إبدالها تاء وإدغامها في تاء الافتعال ، فتقول : اتصل واتسر من الوصل واليسر ، فإن كانت فاء الكلمة همزة ، وبنيت افتعل ، أبدلت تلك الهمزة ياء ، وأقررتها . هذا هو القياس ، وقد تبدل هذه الياء تاء فتدغم ، قالوا : اتمن ، وأصله : ائتمن ، وعلى هذا جاء : اتخذ . ومما علق بذهني من فوائد الشيخ الإمام بهاء الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الحلبي ، عرف بابن النحاس ، رحمه الله ، وهو كان المشتهر بعلم النحو في ديار مصر : أن ( اتخذ ) مما أبدل فيه الواو تاء على اللغة الفصحى ; لأن فيه لغة أنه يقال : وخذ بالواو ، فجاء هذا على الأصل في البدل ، وإن كان مبنيا على اللغة القليلة ، وهذا أحسن لأنهم نصوا على أن اتمن لغة رديئة ، وكان رحمه الله يغرب بنقل هذه اللغة . وقد خرج الفارسي مسألة اتخذ على أن التاء الأولى أصلية ، إذا قلت : قالت العرب تخذ بكسر الخاء ، بمعنى : أخذ ، قال : تعالى : ( لتخذت عليه أجرا ) في قراءة من قرأ كذلك ، وأنشد الفارسي ، رحمه الله :
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطوق
فعلى قوله : التاء أصل ، وبنيت منه افتعل ، فقلت : اتخذ ، كما تقول : اتبع ، مبنيا من تبع ، وقد نازع في تخذ ، فزعم أن أصله : اتخذ ، وحذف كما حذف اتقى ، فقالوا : تقي ، واستدل على ذلك بقولهم : تخذ بفتح التاء مخففة ، كما قالوا : يتقي ويتسع بحذف التاء التي هي بدل من فاء الكلمة . ورد أبو القاسم الزجاجي هذا القول وقال : لو كان محذوفا منه ما كسرت الخاء ، بل كانت تكون مفتوحة ، كقاف تقي ، وأما يتخذ [ ص: 197 ] فمحذوف مثل : يتسع ، حذف من المضارع دون الماضي ، وتخذ بناء أصلي . انتهى . السيرافي
وما ذهب إليه الفارسي والسيرافي من أنه بناء أصلي على حده هو الصحيح ، بدليل ما حكاه أبو زيد وهو : تخذ يتخذ تخذا ، قال الشاعر :
ولا تكثرن تخذ العشار فإنها تريد مباءات فسيحا بناؤها
وذكر المهدوي في شرح الهداية : أن الأصل واو مبدلة من همزة ، ثم قلبت الواو تاء وأدغمت في التاء ، فصار في ( اتخذ ) أقوال : أحدها : التاء الأولى أصل . الثاني : أنها بدل من واو أصلية . الثالث : أنها بدل من تاء أبدلت من همزة . الرابع : أنها بدل من واو أبدلت من همزة ، واتخذ تارة يتعدى لواحد ، وذلك نحو قوله تعالى : ( اتخذت بيتا ) ، وتارة لاثنين نحو قوله تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) : بمعنى صير .
العجل : معروف ، وهو ولد البقرة الصغير الذكر . بعد : ظرف زمان ، وأصله الوصف ، كقبل ، وحكمه حكمه في كونه يبنى على الضم إذا قطع عن الإضافة إلى معرفة ، ويعرب بحركتين ، فإذا قلت : جئت بعد زيد ، فالتقدير : جئت زمانا بعد زمان مجيء زيد ، ولا يحفظ جره إلا بمن وحدها .
عفا : بمعنى كثر ، فلا يتعدى ( حتى عفوا وقالوا ) وبمعنى درس ، فيكون لازما متعديا نحو : عفت الديار ، ونحو : عفاها الريح ، وعفا عن زيد : لم يؤاخذه بجريمته ، واعفوا عن اللحى ، أي اتركوها ولا تأخذوا منها شيئا ، ورجل عفو ، والجمع عفو على فعل بإسكان العين ، وهو جمع شاذ . والعفاء : الشعر الكثير ، قال الشاعر :
عليه من عقيقته عفاء
ويقال في الدعاء على الشخص : عليه العفاء ، قال :
على آثار من ذهب العفاء
يريد الدروس ، وتأتي عفا بمعنى سهل من قولهم : خذ ما عفا وصفا ، وأخذت عفوه : أي ما سهل عليه ، ( ماذا ينفقون قل العفو ) : أي الفضل الذي يسهل إعطاؤه ، ومنه : خذ العفو ، أي السهل على أحد الأقوال ، والعافية : الحالة السهلة السمحة .
، وفعله شكر يشكر شكرا وشكورا ، ويتعدى لواحد تارة بنفسه وتارة بحرف جر ، وهو من ألفاظ مسموعة تحفظ ولا يقاس عليها ، وهو قسم برأسه ، تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف جر على حد سواء ، خلافا لمن زعم استحالة ذلك ، وكان شيخنا الشكر : الثناء على إسداء النعم أبو الحسين بن أبي الربيع يذهب إلى أن شكر أصله أن يتعدى بحرف جر ، ثم أسقط اتساعا . وقيل : الشكر : إظهار النعمة ، من قولهم : شكرت الرمكة مهرها : إذا أظهرته ، والشكير : صغار الورق يظهر من أثر الماء ، قال الشاعر :
وبينا الفتى يهتز للعيش ناضرا كعسلوجة يهتز منها شكيرها
وأول الشيب ، قال الراجز :
ألان ادلاج بك العتير والرأس إذ صار له شكير
وناقة شكور : تدر أكثر مما رعت
الفرقان : مصدر فرق ، وتقدم الكلام في فرق .
( وإذ فرقنا بكم البحر ) معطوف على : ( وإذ نجيناكم ) فالعامل فيه ما ذكر أنه العامل في ( إذ ) تلك بواسطة الحرف . وقرأ : فرقنا بالتشديد ، ويفيد التكثير لأن المسالك كانت اثني عشر مسلكا على عدد أسباط الزهري بني إسرائيل ، ومن قرأ : فرقنا مجردا ، اكتفى بالمطلق ، وفهم التكثير من تعداد الأسباط . بكم : متعلق بفرقنا ، والباء معناها : السبب ، أي بسبب دخولكم ، أو المصاحبة : أي ملتبسا ، كما قال :
تدوس بنا الجماجم والتريبا
أي ملتبسة بنا ، أو : أي جعلناه فرقا بكم كما يفرق بين الشيئين بما توسط بينهما ، وهو قريب من معنى الاستعانة ، أو معناها اللام ، أي فرقنا لكم البحر ، أي لأجلكم ، ومعناها راجع للسبب ، ويحتمل الفرق أن يكون عرضا من ضفة إلى ضفة ، ويحتمل أن يكون طولا ، ونقل كل ، وعلى [ ص: 198 ] هذا الثاني قالوا : كان ذلك بقرب من موضع النجاة ، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال وأوعار حائلة ، وذكر العامري : أن موضع خروجهم من البحر كان قريبا من برية فلسطين ، وهي كانت طريقهم .
البحر : قيل هو بحر القلزم من بحار فارس ، وكان بين طرفيه أربعة فراسخ ، وقيل : من بحر من بحار مصر يقال له أساف ، ويعرف الآن ببحر القلزم ، قيل : وهو الصحيح ، ولم يختلفوا في أن فرق البحر كان بعدد الأسباط ، اثني عشر مسلكا . واختلفوا في عدد المفروق بهم وعدد آل فرعون على أقوال يضاد بعضها بعضا ، وحكوا في كيفية خروج بني إسرائيل ، وتعنتهم وهم في البحر مقتحمون ، وفي كيفية خروج فرعون بجنوده حكايات مطولة جدا لم يدل القرآن ولا الحديث الصحيح عليها ، فالله أعلم بالصحيح منها .
( فأنجيناكم ) : يعني من الغرق ، ومن إدراك فرعون لكم . واليوم الذي وقع فيه الفرق والنجاة والغرق كان يوم عاشوراء . واستطردوا إلى الكلام في يوم عاشوراء ، وفي صومه ، وهي مسألة تذكر في الفقه .
وبين قوله : ( فرقنا بكم البحر ) ، وبين قوله : ( فأنجيناكم ) محذوف يدل عليه المعنى ، تقديره : وإذ فرقنا بكم البحر وتبعكم فرعون وجنوده في تقحمه فأنجيناكم . ( وأغرقنا آل فرعون ) والهمزة في أغرقنا للتعدية ، ويعدى أيضا بالتضعيف ، ولم يذكر فرعون فيمن غرق ; لأن وجوده معهم مستقر ، فاكتفى بذكر الآل هنا ; لأنهم هم الذين ذكروا في الآية قبل هذه ، ونسب تلك الصفة القبيحة إليهم من سومهم بني إسرائيل العذاب ، وذبحهم أبناءهم ، واستحيائهم نساءهم ، فناسب هذا إفرادهم بالغرق . وقد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر ، منها : ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) ، ( حتى إذا أدركه الغرق ) ، ( فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ) . وناسب نجاتهم من فرعون ، بإلقائهم في البحر وخروجهم منه سالمين ، نجاة نبيهم موسى - على نبينا وعليه السلام - من الذبح ، بإلقائه وهو طفل في البحر ، وخروجه منه سالما ، ولكل أمة نصيب من نبيها . وناسب هلاك فرعون وقومه بالغرق هلاك بني إسرائيل على أيديهم بالذبح ; لأن الذبح فيه تعجيل الموت بإنهار الدم ، والغرق فيه إبطاء الموت ، ولا دم خارج ، وكان ما به الحياة ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) سببا لإعدامهم من الوجود . ولما كان الغرق من أعسر الموتات وأعظمها شدة ، جعله الله تعالى نكالا لمن ادعى الربوبية ، فقال : ( أنا ربكم الأعلى ) إذ على قدر الذنب يكون العقاب ، ويناسب دعوى الربوبية والاعتلاء انحطاط المدعي وتغييبه في قعر الماء .
( وأنتم تنظرون ) : جملة حالية ، وهو من النظر : بمعنى الإبصار ، والمعنى - والله أعلم : أن هذه الخوارق العظيمة من فرق البحر بكم ، وإنجائكم من الغرق ومن أعدائكم ، وإهلاك أعدائكم بالغرق ، وقع وأنتم تعاينون ذلك وتشاهدونه ، لم يصل ذلك إليكم بنقل ، بل بالمشاهدة التي توجب العلم الضروري بأن ذلك خارق من عند الله تعالى على يد النبي الذي جاءكم . وقيل : وأنتم تنظرون إليهم لقرب بعض من بعض ، وقيل : إلى طفوهم على وجه الماء غرقى . وقيل : إليهم وقد لفظهم البحر وهم العدد الذي لا يكاد ينحصر ، لم يترك البحر في جوفه منهم واحدا . وقيل : تنظرون أي بعضكم إلى بعض وأنتم سائرون في البحر ، وذلك أنه نقل أن بعض قوم موسى قالوا له : أين أصحابنا ؟ فقال : سيروا ، فإنهم على طريق مثل طريقكم ، قالوا : لا نرضى حتى نراهم ، فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا ، فقال بها على الحيطان ، فصار بها كوى ، فتراءوا وتسامعوا كلام بعضهم بعضا . وهذه الأقوال الخمسة النظر فيها بمعنى الرؤية ، وقيل : النظر تجوز به عن القرب ، أي وأنتم بالقرب منهم ، أي بحال لو نظرتم إليهم لرأيتموهم كقولهم : أنت مني بمرأى ومسمع ، أي قريب بحيث أراك وأسمعك ، قاله . وقيل : هو من نظر البصيرة والعقل ، ومعناه : وأنتم تعتبرون بمصرعهم وتتعظون بمواقع [ ص: 199 ] النقمة التي أرسلت إليهم . وقيل : النظر هنا بمعنى العلم ; لأن العلم يحصل عن النظر ، فكنى به عنه ، قاله ابن الأنباري الفراء ، وهو معنى قول . ابن عباس