( قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) : صفة لـ " بقرة " ، والصفة إذا كانت منفية بلا وجب تكرارها ، كما قال :
وفتيان صدق لا ضعاف ولا عزل
فإن جاءت غير مكررة ، فبابها الشعر ، ومن جعل ذلك من الوصف بالمجمل ، فقدر مبتدأ محذوفا ، أي : لا هي فارض ولا بكر ، فقد أبعد ؛ لأن الأصل الوصف بالمفرد ، والأصل أن لا حذف .
( عوان ) : تفسير لما تضمنه قوله : ( لا فارض ولا بكر ) .
( بين ذلك ) : يقتضي " بين " أن تكون تدخل على ما يمكن التثنية فيه ، ولم يأت بعدها إلا اسم إشارة مفرد ، فقيل : أشير بذلك إلى مفرد ، فكأنه قيل : عوان بين ما ذكر ، فصورته صورة المفرد ، وهو في المعنى مثنى ؛ لأن تثنية اسم الإشارة وجمعه ليس تثنية ولا جمعا حقيقة ، بل كان القياس يقتضي أن يكون اسم الإشارة لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، قالوا : وقد أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة ، قال رؤبة :
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
قيل له : كيف تقول كأنه ؟ وهلا قلت : كأنها ، فيعود على الخطوط ، أو كأنهما ، فيعود على السواد والبلق ؟ فقال : أردت كان ذاك
وقال لبيد :
إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل
قيل : أراد وكلا ذينك ، فأطلق المفرد وأراد به المثنى ، فيحتمل أن تكون الآية من ذلك ، فيكون أطلق [ ص: 252 ] ذلك ويريد به ذينك ، وهذا مجمل غير الأول . والذي أذهب إليه غير ما ذكروا ، وهو أن يكون ذلك مما حذف منه المعطوف ، لدلالة المعنى عليه ، التقدير : عوان بين ذلك وهذا ، أي بين الفارض والبكر ، فيكون نظير قول الشاعر :
فما كان بين الخير لو جاء سالما أبو حجر إلا ليال قلائل
أي : فما كان بين الخير وباغيه ، فحذف لفهم المعنى . ومنه ( سرابيل تقيكم الحر ) أي والبرد . وإنما جعلت عوانا لأنه أكمل أحوالها ، فالصغيرة ناقصة لتجاوزها حالته .
( فافعلوا ما تؤمرون ) : أي من ذبح البقرة ، ولا تكرروا السؤال ، ولا تعنتوا في أمر ما أمرتم بذبحه . ويحتمل أن تكون هذه الجملة من قول الله ، ويحتمل أن تكون من قول موسى ، وهو الأظهر . حرضهم على امتثال ما أمروا به ، شفقة منه . وما موصولة ، والعائد محذوف تقديره : ما تؤمرونه ، وحذف الفاعل للعلم به ، إذ تقدم أن الله يأمركم ، ولتناسب أواخر الآي ، كما قصد تناسب الإعراب في أواخر الأبيات في قوله :
ولا بد يوما أن ترد الودائع
إذ آخر البيت الذي قبل هذا قوله :
وما يدرون أين المصارع
وأجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية ، أي : فافعلوا أمركم ، ويكون المصدر بمعنى المفعول ، أي مأموركم ، وفيه بعد .