(
nindex.php?page=treesubj&link=28883سورة أم القرآن )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ) باء الجر تأتي لمعان : للإلصاق ، والاستعانة ، والقسم ، والسبب ، والحال ، والظرفية ، والنقل . فالإلصاق حقيقة : مسحت برأسي ، ومجازا مررت
بزيد . والاستعانة : ذبحت بالسكين . والسبب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا ) . والقسم : بالله لقد قام . والحال : جاء
زيد بثيابه . والظرفية : زيد
بالبصرة . والنقل : قمت بزيد . وتأتي زائدة للتوكيد : شربن بماء البحر ، والبدل : فليت لي بهم قوما أي بدلهم ، والمقابلة : اشتريت الفرس بألف ، والمجاوزة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25تشقق السماء بالغمام ) أي عن الغمام ، والاستعلاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75من إن تأمنه بقنطار ) . وكنى بعضهم عن الحال بالمصاحبة ، وزاد فيها كونها للتعليل ، وكنى عن الاستعانة بالسبب ، وعن الحال بمعنى مع بموافقة معنى اللام . ويقال اسم بكسر همزة الوصل وضمها ، وسم بكسر السين وضمها ، وسمى كهدى ، والبصري يقول : مادته سين وميم وواو ، والكوفي يقول : واو وسين وميم ، والأرجح الأول ، والاستدلال في كتب النحو .
أل للعهد في شخص أو جنس ، وللحضور وللمح الصفة وللغلبة وموصولة . فللعهد في شخص : جاء الغلام ، وفي جنس : اسقني الماء ، وللحضور : خرجت فإذا الأسد ، وللمح : الحارث ، وللغلبة : الدبران . وزائدة لازمة ، وغير لازمة ، فاللازمة : كالآن ، وغير اللازمة :
باعد أم العمر من أسيرها
، وهل هي مركبة من حرفين أم هي حرف واحد ؟ وإذا كانت من حرفين فهل الهمزة زائدة أم لا ؟ مذاهب ، والله أعلم ، لا يطلق إلا على المعبود بحق مرتجل غير مشتق عند الأكثرين ، وقيل : مشتق ، ومادته قيل : لام وياء وهاء ،
[ ص: 15 ] من لاه يليه ، ارتفع . قيل : ولذلك سميت الشمس إلاهة بكسر الهمزة وفتحها ، وقيل : لام وواو وهاء من لاه يلوه لوها ، احتجب أو استنار ، ووزنه إذ ذاك فعل أو فعل ، وقيل : الألف زائدة ، ومادته همزة ولام من أله أي فزع ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، أو أله تحير ، قاله
أبو عمر ، وأله عبد ، قاله
النضر ، أو أله سكن ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد . وعلى هذه الأقاويل فحذفت الهمزة اعتباطا ، كما قيل في ناس أصله أناس ، أو حذفت للنقل ولزم مع الإدغام ، وكلا القولين شاذ . وقيل : مادته واو ولام وهاء ، من وله أي طرب ، وأبدلت الهمزة فيه من الواو نحو أشاح ، قاله
الخليل والقناد ، وهو ضعيف للزوم البدل . وقولهم في الجمع آلهة ، وتكون فعالا بمعنى مفعول ، كالكتاب يراد به المكتوب . وأل في الله إذا قلنا أصله الإلاه ، قالوا للغلبة ، إذ الإله ينطلق على المعبود بحق وباطل ، والله لا ينطلق إلا على المعبود بالحق ، فصار كالنجم للثريا . وأورد عليه بأنه ليس كالنجم ; لأنه بعد الحذف والنقل أو الإدغام لم يطلق على كل إله ، ثم غلب على المعبود بحق ، ووزنه على أن أصله فعال ، فحذفت همزته عال . وإذا قلنا بالأقاويل السابقة فأل فيه زائدة لازمة ، وشذ حذفها في قولهم لاه أبوك شذوذ حذف الألف في أقبل سيل . أقبل جاء من عند الله . وزعم بعضهم أن أل في الله من نفس الكلمة ، ووصلت الهمزة لكثرة الاستعمال ، وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبي بكر بن العربي والسهيلي ، وهو خطأ ، لأن وزنه إذ ذاك يكون فعالا ، وامتناع تنوينه لا موجب له ، فدل على أن أل حرف داخل على الكلمة سقط لأجلها التنوين . وينفرد هذا الاسم بأحكام ذكرت في علم النحو ، ومن غريب ما قيل : إن أصله لاها بالسريانية فعرب ، قال :
كحلفة من أبي رباح يسمعها لاهه الكبار .
قال
أبو يزيد البلخي : هو أعجمي ، فإن اليهود والنصارى يقولون لاها ، وأخذت العرب هذه اللفظة وغيروها فقالوا الله . ومن غريب ما قيل في الله أنه صفة وليس اسم ذات ; لأن اسم الذات يعرف به المسمى ، والله - تعالى - لا يدرك حسا ولا بديهة ، ولا تعرف ذاته باسمه ، بل إنما يعرف بصفاته ، فجعله اسما للذات لا فائدة في ذلك . وكان العلم قائما مقام الإشارة ، وهي ممتنعة في حق الله - تعالى - وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلا يشكل بخط اللاه اسم الفاعل من لها يلهو ، وقيل : طرحت تخفيفا ، وقيل هي لغة فاستعملت في الخط .
( الرحمن ) : فعلان من الرحمة ، وأصل بنائه من اللازم من المبالغة وشذ من المتعدي ، وأل فيه للغلبة ، كهي في الصعق ، فهو وصف لم يستعمل في غير الله ، كما لم يستعمل اسمه في غيره ، وسمعنا مناقبه ، قالوا : رحمن الدنيا والآخرة ، ووصف غير الله به من تعنت الملحدين ، وإذا قلت : الله رحمن ، ففي صرفه قولان ليسند أحدهما إلى أصل عام ، وهو أن أصل الاسم الصرف ، والآخر إلى أصل خاص ، وهو أن أصل فعلان المنع لغلبته فيه . ومن غريب ما قيل فيه : إنه أعجمي بالخاء المعجمة فعرب بالحاء ، قاله
ثعلب .
( الرحيم ) : فعيل محول من فاعل للمبالغة ، وهو أحد الأمثلة الخمسة ، وهي فعال وفعول ومفعال وفعيل وفعل ، وزاد بعضهم فعيلا فيها نحو سكير ، ولها باب معقود في النحو ، قيل : وجاء رحيم بمعنى مرحوم ، قال
العملس بن عقيل :
فأما إذا عضت بك الأرض عضة فإنك معطوف عليك رحيم .
[ ص: 16 ] قال
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعلي بن الحسين وقتادة وأبو العالية وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=17038ومحمد بن يحيى بن حبان nindex.php?page=showalam&ids=15639وجعفر الصادق : الفاتحة مكية ، ويؤيده (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) . والحجر مكية بإجماع . وفي حديث
أبي : إنها السبع المثاني والسبع الطوال ، أنزلت بعد الحجر بمدد ، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان
بمكة ، وما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغير (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=16572وعطاء بن يسار ومجاهد وسواد بن زياد nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وعبد الله بن عبيد بن عمير : هي مدنية ، وقيل : إنها مكية مدنية .
الباء في بسم الله للاستعانة ، نحو كتبت بالقلم ، وموضعها نصب ، أي بدأت ، وهو قول الكوفيين ، وكذا كل فاعل بدئ في فعله بالتسمية كان مضمرا لأبدأ ، وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فعلا غير بدأت وجعله متأخرا ، قال : تقديره بسم الله أقرأ أو أتلو ، إذ الذي يجيء بعد التسمية مقروء ، والتقديم على العامل عنده يوجب الاختصاص ، وليس كما زعم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وقد تكلم على ضربت زيدا ما نصه : وإذا قدمت الاسم فهو عربي جيد كما كان ذلك ، يعني تأخيره عربيا جيدا وذلك قولك : زيدا ضربت . والاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير ، سواء مثله في ضرب زيد عمرا ، أو ضرب زيدا عمرو ، انتهى . وقيل : موضع اسم رفع التقدير ابتدائي ثابت ، أو مستقر باسم الله ، وهو قول البصريين ، وأي التقديرين أرجح يرجح الأول ، لأن الأصل في العمل للفعل ، أو الثاني لبقاء أحد جزأي الإسناد .
والاسم هو اللفظ الدال بالوضع على موجود في العيان إن كان محسوسا ، وفي الأذهان إن كان معقولا من غير تعرض ببنيته للزمان ، ومدلوله هو المسمى ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : فالكل اسم وفعل وحرف ، والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على ذلك المعنى ، فقد اتضحت المباينة بين الاسم والمسمى والتسمية . فإذا أسندت حكما إلى اسم فتارة يكون إسناده إليه حقيقة ، نحو : زيد اسم ابنك ، وتارة لا يصح الإسناد إليه إلا مجازا ، وهو أن تطلق الاسم وتريد به مدلوله وهو المسمى ، نحو قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تبارك اسم ربك ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) . والعجب من اختلاف الناس هل الاسم هو عين المسمى أو غيره ، وقد صنف في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وابن السيد والسهيلي وغيرهم ، وذكروا احتجاج كل من القولين وأطالوا في ذلك . وقد تأول
السهيلي - رحمه الله - قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك ) بأنه أقحم الاسم تنبيها على أن المعنى سبح ربك واذكر ربك بقلبك ولسانك حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان ; لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى المدلول عليه بالاسم ، والذكر باللسان متعلقه اللفظ . وقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما تعبدون من دونه إلا أسماء ) بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على حقيقة ، فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها ، وهذا من المجاز البديع . وحذفت الألف من بسم هنا في الخط تخفيفا لكثرة الاستعمال ، فلو كتبت باسم القاهر أو باسم القادر . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي والأخفش : تحذف الألف . وقال
الفراء : لا تحذف إلا مع (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بسم الله الرحمن الرحيم ) ; لأن الاستعمال إنما كثر فيه ، فأما في غيره من أسماء الله - تعالى - فلا خلاف في ثبوت الألف .
والرحمن صفة لله عند الجماعة . وذهب الأعلم وغيره إلى أنه بدل ، وزعم أن الرحمن علم وإن كان مشتقا من الرحمة ، لكنه ليس بمنزلة الرحيم ولا الراحم ، بل هو مثل الدبران وإن كان مشتقا من دبر صيغ للعلمية ، فجاء على بناء لا يكون في النعوت ، قال : ويدل على علميته ووروده غير تابع لاسم قبله ، قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن ) ، وإذا ثبتت العلمية امتنع النعت فتعين البدل . قال
أبو زيد السهيلي : البدل فيه عندي ممتنع ، وكذلك عطف البيان ; لأن الاسم الأول لا يفتقر إلى تبيين ; لأنه أعرف الأعلام كلها وأبينها ، ألا تراهم قالوا : وما الرحمن ، ولم يقولوا : وما الله ، فهو وصف يراد به الثناء وإن كان يجري مجرى الأعلام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم ) قيل : دلالتهما واحد نحو ندمان ونديم . وقيل معناهما مختلف ، فالرحمن أكثر مبالغة ،
[ ص: 17 ] وكان القياس الترقي كما تقول : عالم نحرير ، وشجاع باسل ، لكن أردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ليكون كالتتمة والرديف ليتناول ما دق منها ولطف ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . وقيل : الرحيم أكثر مبالغة ، والذي يظهر أن جهة المبالغة مختلفة ، فلذلك جمع بينهما ، فلا يكون من باب التوكيد . فمبالغة فعلان مثل غضبان وسكران من حيث الامتلاء والغلبة ، ومبالغة فعيل من حيث التكرار والوقوع بمحال الرحمة ، ولذلك لا يتعدى فعلان ويتعدى فعيل . تقول :
زيد رحيم المساكين ، كما تعدى فاعلا ، قالوا :
زيد حفيظ علمك وعلم غيرك ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده عن العرب . ومن رأى أنهما بمعنى واحد ولم يذهب إلى توكيد أحدهما بالآخر احتاج أنه يخص كل واحد بشيء ، وإن كان أصل الموضوع عنده واحدا ليخرج بذلك عن التأكيد ، فقال
مجاهد : رحمان الدنيا ورحيم الآخرة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
الرحمن رحمان الدنيا والرحيم رحيم الآخرة " . وإذا صح هذا التفسير وجب المصير إليه . وقال
القرطبي : رحمان الآخرة ورحيم الدنيا . وقال
الضحاك : لأهل السماء والأرض . وقال
عكرمة : برحمة واحدة وبمائة رحمة . وقال
المزني : بنعمة الدنيا والدين . وقال
العزيزي : الرحمن بجميع خلقه في الأمطار ، ونعم الحواس ، والنعم العامة ، الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم واللطف بهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15166المحاسبي : برحمة النفوس ورحمة القلوب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ : لمصالح المعاد والمعاش . وقال
الصادق : خاص اللفظ بصيغة عامة في الرزق ، وعام اللفظ بصيغة خاصة في مغفرة المؤمن . وقال
ثعلب : الرحمن أمدح والرحيم ألطف ، وقيل : الرحمن المنعم بما لا يتصور جنسه من العباد ، والرحيم المنعم بما يتصور جنسه من العباد . وقال
أبو علي الفارسي : الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله ، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين ، كما قال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وكان بالمؤمنين رحيما ) . ووصف الله - تعالى - بالرحمة مجاز عن إنعامه على عباده ، ألا ترى أن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم إحسانه فتكون الرحمة إذ ذاك صفة فعل ؟ وقال قوم : هي إرادة الخير لمن أراد الله - تعالى - به ذلك ، فتكون على هذا صفة ذات ، وينبني على هذا الخلاف خلاف آخر ، وهو أن صفات الله - تعالى - الذاتية والفعلية أهي قديمة أم صفات الذات قديمة وصفات الفعل محدثة ؟ قولان . وأما الرحمة التي من العباد فقيل هي رقة تحدث في القلب ، وقيل هي قصد الخير أو دفع الشر ; لأن الإنسان قد يدفع الشر عمن لا يرق عليه ، ويوصل الخير إلى من لا يرق عليه .
وفي البسملة من ضروب البلاغة نوعان : ( أحدهما ) الحذف ، وهو ما يتعلق به الباء في بسم ، وقد مر ذكره ، والحذف قيل لتخفيف اللفظ ، كقولهم بالرفاء والبنين ، باليمن والبركة ، فقلت إلى الطعام ، وقوله تعالى : " في تسع آيات " أي أعرست وهلموا واذهب ، قال
أبو القاسم السهيلي : وليس كما زعموا ، إذ لو كان كذلك كان إظهاره وإضماره في كل ما يحذف تخفيفا ، ولكن في حذفه فائدة ، وذلك أنه موطن ينبغي أن لا يقدم فيه سوى ذكر الله - تعالى - فلو ذكر الفعل ، وهو لا يستغني عن فاعله ، لم يكن ذكر الله مقدما ، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعنى ، كما تقول في الصلاة : الله أكبر ، ومعناه من كل شيء ، ولكن يحذف ليكون اللفظ في اللسان مطابقا لمقصود القلب ، وهو أن لا يكون في القلب ذكر إلا الله - عز وجل - . ومن الحذف أيضا حذف الألف في بسم الله وفي الرحمن في الخط ، وذلك لكثرة الاستعمال . ( النوع الثاني ) : التكرار في الوصف ، ويكون إما لتعظيم الموصوف أو للتأكيد ليتقرر في النفس . وقد تعرض المفسرون في كتبهم لحكم التسمية في الصلاة ، وذكروا اختلاف العلماء في ذلك ، وأطالوا التفاريع في ذلك ، وكذلك فعلوا في غير ما آية ، وموضوع هذا كتب الفقه ، وكذلك تكلم بعضهم على التعوذ وعلى حكمه ، وليس من القرآن بإجماع . ونحن في كتابنا هذا لا نتعرض لحكم شرعي ، إلا إذا كان لفظ القرآن يدل على ذلك
[ ص: 18 ] الحكم ، أو يمكن استنباطه منه بوجه من وجوه الاستنباطات . واختلف في وصل الرحيم بالحمد ، فقرأ قوم من الكوفيين بسكون الميم ويقفون عليها ويبتدئون بهمزة مقطوعة ، والجمهور على جر الميم ووصل الألف من الحمد . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي عن بعض العرب إنه يقرأ الرحيم الحمد بفتح الميم وصلة الألف ، كأنك سكنت الميم وقطعت الألف ، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت ولم ترو هذه قراءة عن أحد .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28883سُورَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) بَاءُ الْجَرِّ تَأْتِي لِمَعَانٍ : لِلْإِلْصَاقِ ، وَالِاسْتِعَانَةِ ، وَالْقَسَمِ ، وَالسَّبَبِ ، وَالْحَالِ ، وَالظَّرْفِيَّةِ ، وَالنَّقْلِ . فَالْإِلْصَاقُ حَقِيقَةً : مَسَحْتُ بِرَأْسِي ، وَمَجَازًا مَرَرْتُ
بِزَيْدٍ . وَالِاسْتِعَانَةُ : ذَبَحْتُ بِالسِّكِّينِ . وَالسَّبَبُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا ) . وَالْقَسَمُ : بِاللَّهِ لَقَدْ قَامَ . وَالْحَالُ : جَاءَ
زَيْدٌ بِثِيَابِهِ . وَالظَّرْفِيَّةُ : زَيْدٌ
بِالْبَصْرَةِ . وَالنَّقْلُ : قُمْتُ بِزَيْدٍ . وَتَأْتِي زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ : شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ، وَالْبَدَلُ : فَلَيْتَ لِي بِهِمْ قَوْمًا أَيْ بَدَلَهُمْ ، وَالْمُقَابَلَةُ : اشْتَرَيْتُ الْفَرَسَ بِأَلْفٍ ، وَالْمُجَاوَزَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=25تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ) أَيْ عَنِ الْغَمَامِ ، وَالِاسْتِعْلَاءُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ ) . وَكَنَّى بَعْضُهُمْ عَنِ الْحَالِ بِالْمُصَاحَبَةِ ، وَزَادَ فِيهَا كَوْنَهَا لِلتَّعْلِيلِ ، وَكَنَّى عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالسَّبَبِ ، وَعَنِ الْحَالِ بِمَعْنَى مَعَ بِمُوَافَقَةِ مَعْنَى اللَّامِ . وَيُقَالُ اسْمٌ بِكَسْرِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَضَمِّهَا ، وَسِمٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا ، وَسُمًى كَهُدًى ، وَالْبَصْرِيُّ يَقُولُ : مَادَّتُهُ سِينٌ وَمِيمٌ وَوَاوٌ ، وَالْكُوفِيُّ يَقُولُ : وَاوٌ وَسِينٌ وَمِيمٌ ، وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ ، وَالِاسْتِدْلَالُ فِي كُتُبِ النَّحْوِ .
أَلْ لِلْعَهْدِ فِي شَخْصٍ أَوْ جِنْسٍ ، وَلِلْحُضُورِ وَلِلَمْحِ الصِّفَةِ وَلِلْغَلَبَةِ وَمَوْصُولَةٌ . فَلِلْعَهْدِ فِي شَخْصٍ : جَاءَ الْغُلَامُ ، وَفِي جِنْسٍ : اسْقِنِي الْمَاءَ ، وَلِلْحُضُورِ : خَرَجْتُ فَإِذَا الْأَسَدُ ، وَلِلَمْحٍ : الْحَارِثُ ، وَلِلْغَلَبَةِ : الدَّبَرَانِ . وَزَائِدَةٌ لَازِمَةٌ ، وَغَيْرُ لَازِمَةٍ ، فَاللَّازِمَةُ : كَالْآنَ ، وَغَيْرُ اللَّازِمَةِ :
بَاعَدَ أُمَّ الْعَمْرِ مِنْ أَسِيرِهَا
، وَهَلْ هِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفَيْنِ أَمْ هِيَ حَرْفٌ وَاحِدٌ ؟ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ حَرْفَيْنِ فَهَلِ الْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ أَمْ لَا ؟ مَذَاهِبُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ مُرْتَجَلٍ غَيْرِ مُشْتَقٍّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَقِيلَ : مُشْتَقٌّ ، وَمَادَّتُهُ قِيلَ : لَامٌ وَيَاءٌ وَهَاءٌ ،
[ ص: 15 ] مِنْ لَاهَ يَلِيهُ ، ارْتَفَعَ . قِيلَ : وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الشَّمْسُ إِلَاهَةً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا ، وَقِيلَ : لَامٌ وَوَاوٌ وَهَاءٌ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ لَوْهًا ، احْتَجَبَ أَوِ اسْتَنَارَ ، وَوَزْنُهُ إِذْ ذَاكَ فَعَلَ أَوْ فَعِلَ ، وَقِيلَ : الْأَلِفُ زَائِدَةٌ ، وَمَادَّتُهُ هَمْزَةٌ وَلَامٌ مِنْ أَلِهَ أَيْ فَزِعَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ ، أَوْ أَلَّهَ تَحَيَّرَ ، قَالَهُ
أَبُو عُمَرَ ، وَأَلَّهَ عَبَدَ ، قَالَهُ
النَّضْرُ ، أَوْ أَلَهَ سَكَنَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ . وَعَلَى هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ اعْتِبَاطًا ، كَمَا قِيلَ فِي نَاسٍ أَصْلُهُ أُنَاسٌ ، أَوْ حُذِفَتْ لِلنَّقْلِ وَلَزِمَ مَعَ الْإِدْغَامِ ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ شَاذٌّ . وَقِيلَ : مَادَّتُهُ وَاوٌ وَلَامٌ وَهَاءٌ ، مِنْ وَلِهَ أَيْ طَرِبَ ، وَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ أَشَاحَ ، قَالَهُ
الْخَلِيلُ وَالْقَنَّادُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِلُزُومِ الْبَدَلِ . وَقَوْلُهُمْ فِي الْجَمْعِ آلِهَةٌ ، وَتَكُونُ فِعَالًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، كَالْكِتَابِ يُرَادُ بِهِ الْمَكْتُوبُ . وَأَلْ فِي اللَّهِ إِذَا قُلْنَا أَصْلُهُ الْإِلَاهُ ، قَالُوا لِلْغَلَبَةِ ، إِذِ الْإِلَهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ ، وَاللَّهُ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى الْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ ، فَصَارَ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا . وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَالنَّجْمِ ; لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحَذْفِ وَالنَّقْلِ أَوِ الْإِدْغَامِ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى كُلِّ إِلَهٍ ، ثُمَّ غُلِّبَ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ ، وَوَزْنُهُ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ فِعَالٌ ، فَحُذِفَتْ هَمْزَتُهُ عَالٌ . وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَقَاوِيلِ السَّابِقَةِ فَأَلْ فِيهِ زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ ، وَشَذَّ حَذْفُهَا فِي قَوْلِهِمْ لَاهَ أَبُوكَ شُذُوذَ حَذْفِ الْأَلِفِ فِي أَقْبَلَ سَيْلٌ . أَقْبَلَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَلْ فِي اللَّهِ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ ، وَوَصَلَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَالسُّهَيْلِيِّ ، وَهُوَ خَطَأٌ ، لِأَنَّ وَزْنَهُ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ فَعَّالًا ، وَامْتِنَاعُ تَنْوِينِهِ لَا مُوجِبَ لَهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَلْ حَرْفٌ دَاخِلٌ عَلَى الْكَلِمَةِ سَقَطَ لِأَجْلِهَا التَّنْوِينُ . وَيَنْفَرِدُ هَذَا الِاسْمُ بِأَحْكَامٍ ذُكِرَتْ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَمِنْ غَرِيبِ مَا قِيلَ : إِنَّ أَصْلَهُ لَاهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَعُرِّبَ ، قَالَ :
كَحَلْفَةٍ مِنْ أَبِي رَبَاحٍ يَسْمَعُهَا لَاهُهُ الْكِبَارُ .
قَالَ
أَبُو يَزِيدَ الْبَلْخِيِّ : هُوَ أَعْجَمِيٌّ ، فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ لَاهَا ، وَأَخَذَتِ الْعَرَبُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَغَيَّرُوهَا فَقَالُوا اللَّهُ . وَمِنْ غَرِيبِ مَا قِيلَ فِي اللَّهِ أَنَّهُ صِفَةٌ وَلَيْسَ اسْمَ ذَاتٍ ; لِأَنَّ اسْمَ الذَّاتِ يُعْرَفُ بِهِ الْمُسَمَّى ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - لَا يُدْرَكُ حِسًّا وَلَا بَدِيهَةً ، وَلَا تُعْرَفُ ذَاتُهُ بِاسْمِهِ ، بَلْ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَاتِهِ ، فَجَعْلُهُ اسْمًا لِلذَّاتِ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ . وَكَانَ الْعِلْمُ قَائِمًا مُقَامَ الْإِشَارَةِ ، وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ الْأَخِيرَةُ مِنَ اللَّهِ لِئَلَّا يُشْكِلَ بِخَطِّ اللَّاهِ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ لَهَا يَلْهُو ، وَقِيلَ : طُرِحَتْ تَخْفِيفًا ، وَقِيلَ هِيَ لُغَةٌ فَاسْتُعْمِلَتْ فِي الْخَطِّ .
( الرَّحْمَنِ ) : فَعْلَانُ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَأَصْلُ بِنَائِهِ مِنَ اللَّازِمِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَشَذَّ مِنَ الْمُتَعَدِّي ، وَأَلْ فِيهِ لِلْغَلَبَةِ ، كَهِيَ فِي الصَّعْقِ ، فَهُوَ وَصْفٌ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ اللَّهِ ، كَمَا لَمْ يُسْتَعْمَلِ اسْمُهُ فِي غَيْرِهِ ، وَسَمِعْنَا مَنَاقِبَهُ ، قَالُوا : رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَوَصْفُ غَيْرِ اللَّهِ بِهِ مِنْ تَعَنُّتِ الْمُلْحِدِينَ ، وَإِذَا قُلْتَ : اللَّهُ رَحْمَنٌ ، فَفِي صَرْفِهِ قَوْلَانِ لِيُسْنَدَ أَحَدُهُمَا إِلَى أَصْلٍ عَامٍّ ، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الِاسْمِ الصَّرْفُ ، وَالْآخَرُ إِلَى أَصْلٍ خَاصٍّ ، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ فَعْلَانَ الْمَنْعُ لِغَلَبَتِهِ فِيهِ . وَمِنْ غَرِيبِ مَا قِيلَ فِيهِ : إِنَّهُ أَعْجَمِيٌّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَعُرِّبَ بِالْحَاءِ ، قَالَهُ
ثَعْلَبٌ .
( الرَّحِيمِ ) : فَعِيلٌ مُحَوَّلٌ مِنْ فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْثِلَةِ الْخَمْسَةِ ، وَهِيَ فَعَّالٌ وَفَعُولٌ وَمِفْعَالٌ وَفَعِيلٌ وَفَعِلٌ ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِعِّيلًا فِيهَا نَحْوَ سِكِّيرٍ ، وَلَهَا بَابٌ مَعْقُودٌ فِي النَّحْوِ ، قِيلَ : وَجَاءَ رَحِيمٌ بِمَعْنَى مَرْحُومٍ ، قَالَ
الْعَمَلَّسُ بْنُ عَقِيلٍ :
فَأَمَّا إِذَا عَضَّتْ بِكَ الْأَرْضُ عَضَّةً فَإِنَّكَ مَعْطُوفٌ عَلَيْكَ رَحِيمٌ .
[ ص: 16 ] قَالَ
عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ nindex.php?page=showalam&ids=13033وَابْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=17038وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ nindex.php?page=showalam&ids=15639وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ : الْفَاتِحَةُ مَكِّيَّةٌ ، وَيُؤَيِّدُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=87وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) . وَالْحِجْرُ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ . وَفِي حَدِيثِ
أُبَيٍّ : إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالسَّبْعُ الطِّوَالُ ، أُنْزِلَتْ بَعْدَ الْحِجْرِ بِمُدَدٍ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ
بِمَكَّةَ ، وَمَا حُفِظَ أَنَّهُ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16572وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَوَادُ بْنُ زِيَادٍ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ : هِيَ مَدَنِيَّةٌ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ .
الْبَاءُ فِي بِسْمِ اللَّهِ لِلِاسْتِعَانَةِ ، نَحْوَ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ ، وَمَوْضِعُهَا نَصْبٌ ، أَيْ بَدَأْتُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ ، وَكَذَا كُلُّ فَاعِلٍ بُدِئَ فِي فِعْلِهِ بِالتَّسْمِيَةِ كَانَ مُضْمَرًا لِأَبْدَأَ ، وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِعْلًا غَيْرَ بَدَأْتُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا ، قَالَ : تَقْدِيرُهُ بِسْمِ اللَّهِ أَقْرَأُ أَوْ أَتْلُو ، إِذِ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ مَقْرُوءٌ ، وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَهُ يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى ضَرَبْتُ زَيْدًا مَا نَصُّهُ : وَإِذَا قَدَّمْتَ الِاسْمَ فَهُوَ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ كَمَا كَانَ ذَلِكَ ، يَعْنِي تَأْخِيرُهُ عَرَبِيًّا جَيِّدًا وَذَلِكَ قَوْلُكَ : زَيْدًا ضَرَبْتُ . وَالِاهْتِمَامُ وَالْعِنَايَةُ هُنَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، سَوَاءٌ مِثْلُهُ فِي ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا ، أَوْ ضَرَبَ زَيْدًا عَمْرٌو ، انْتَهَى . وَقِيلَ : مَوْضِعُ اسْمٍ رَفْعٌ التَّقْدِيرُ ابْتِدَائِي ثَابِتٌ ، أَوْ مُسْتَقِرٌّ بِاسْمِ اللَّهِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ ، وَأَيُّ التَّقْدِيرَيْنِ أَرْجَحُ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْفِعْلِ ، أَوِ الثَّانِي لِبَقَاءِ أَحَدِ جُزْأَيِ الْإِسْنَادِ .
وَالِاسْمُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَوْجُودٍ فِي الْعِيَانِ إِنْ كَانَ مَحْسُوسًا ، وَفِي الْأَذْهَانِ إِنْ كَانَ مَعْقُولًا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ بِبِنْيَتِهِ لِلزَّمَانِ ، وَمَدْلُولُهُ هُوَ الْمُسَمَّى ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : فَالْكُلُّ اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ ، وَالتَّسْمِيَةُ جَعْلُ ذَلِكَ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى ، فَقَدِ اتَّضَحَتِ الْمُبَايَنَةُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى وَالتَّسْمِيَةِ . فَإِذَا أَسْنَدْتَ حُكْمًا إِلَى اسْمٍ فَتَارَةً يَكُونُ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ حَقِيقَةً ، نَحْوَ : زَيْدٌ اسْمُ ابْنِكَ ، وَتَارَةً لَا يَصِحُّ الْإِسْنَادُ إِلَيْهِ إِلَّا مَجَازًا ، وَهُوَ أَنْ تُطْلِقَ الِاسْمَ وَتُرِيدَ بِهِ مَدْلُولَهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى ، نَحْوَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ) . وَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِلَافِ النَّاسِ هَلِ الِاسْمُ هُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرُهُ ، وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ وَابْنُ السَّيِّدِ وَالسُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، وَذَكَرُوا احْتِجَاجَ كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَأَطَالُوا فِي ذَلِكَ . وَقَدْ تَأَوَّلَ
السُّهَيْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ) بِأَنَّهُ أَقْحَمَ الِاسْمَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى سَبِّحْ رَبَّكَ وَاذْكُرْ رَبَّكَ بِقَلْبِكَ وَلِسَانِكَ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ مِنَ اللَّفْظِ بِاللِّسَانِ ; لِأَنَّ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ مُتَعَلِّقُهُ الْمُسَمَّى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالِاسْمِ ، وَالذِّكْرُ بِاللِّسَانِ مُتَعَلِّقُهُ اللَّفْظُ . وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً ) بِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ كَاذِبَةٌ غَيْرُ وَاقِعَةٍ عَلَى حَقِيقَةٍ ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا إِلَّا الْأَسْمَاءَ الَّتِي اخْتَرَعُوهَا ، وَهَذَا مِنَ الْمَجَازِ الْبَدِيعِ . وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْ بِسْمِ هُنَا فِي الْخَطِّ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَلَوْ كُتِبَتْ بِاسْمِ الْقَاهِرِ أَوْ بِاسْمِ الْقَادِرِ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ : تُحْذَفُ الْأَلِفُ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : لَا تُحْذَفُ إِلَّا مَعَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=1بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ; لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ إِنَّمَا كَثُرَ فِيهِ ، فَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْأَلِفِ .
وَالرَّحْمَنُ صِفَةٌ لِلَّهِ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ . وَذَهَبَ الْأَعْلَمُ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ بَدَلٌ ، وَزَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَمٌ وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنَ الرَّحْمَةِ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّحِيمِ وَلَا الرَّاحِمِ ، بَلْ هُوَ مِثْلُ الدَّبَرَانِ وَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ دَبَرَ صِيغَ لِلْعَلَمِيَّةِ ، فَجَاءَ عَلَى بِنَاءٍ لَا يَكُونُ فِي النُّعُوتِ ، قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى عَلَمِيَّتِهِ وَوُرُودِهِ غَيْرَ تَابِعٍ لِاسْمٍ قَبْلَهُ ، قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) ، وَإِذَا ثَبَتَتِ الْعَلَمِيَّةُ امْتَنَعَ النَّعْتُ فَتَعَيَّنَ الْبَدَلُ . قَالَ
أَبُو زَيْدٍ السُّهَيْلِيُّ : الْبَدَلُ فِيهِ عِنْدِي مُمْتَنِعٌ ، وَكَذَلِكَ عَطْفُ الْبَيَانِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ الْأَوَّلَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَبْيِينٍ ; لِأَنَّهُ أَعْرَفُ الْأَعْلَامِ كُلِّهَا وَأَبْيَنُهَا ، أَلَا تَرَاهُمْ قَالُوا : وَمَا الرَّحْمَنُ ، وَلَمْ يَقُولُوا : وَمَا اللَّهُ ، فَهُوَ وَصْفٌ يُرَادُ بِهِ الثَّنَاءُ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي مَجْرَى الْأَعْلَامِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) قِيلَ : دَلَالَتُهُمَا وَاحِدٌ نَحْوَ نَدْمَانَ وَنَدِيمٍ . وَقِيلَ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ ، فَالرَّحْمَنُ أَكْثَرُ مُبَالَغَةً ،
[ ص: 17 ] وَكَانَ الْقِيَاسُ التَّرَقِّي كَمَا تَقُولُ : عَالِمٌ نِحْرِيرٌ ، وَشُجَاعٌ بَاسِلٌ ، لَكِنْ أَرْدَفَ الرَّحْمَنَ الَّذِي يَتَنَاوَلُ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَأُصُولَهَا بِالرَّحِيمِ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . وَقِيلَ : الرَّحِيمُ أَكْثَرُ مُبَالَغَةً ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جِهَةَ الْمُبَالَغَةِ مُخْتَلِفَةٌ ، فَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ . فَمُبَالَغَةُ فَعْلَانَ مِثْلَ غَضْبَانَ وَسَكْرَانَ مِنْ حَيْثُ الِامْتِلَاءُ وَالْغَلَبَةُ ، وَمُبَالَغَةُ فَعِيلٍ مِنْ حَيْثُ التَّكْرَارُ وَالْوُقُوعُ بِمَحَالِّ الرَّحْمَةِ ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى فَعْلَانُ وَيَتَعَدَّى فَعِيلٌ . تَقُولُ :
زَيْدٌ رَحِيمُ الْمَسَاكِينِ ، كَمَا تَعَدَّى فَاعِلًا ، قَالُوا :
زَيْدٌ حَفِيظُ عِلْمِكَ وَعِلْمِ غَيْرِكَ ، حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابْنُ سِيدَهْ عَنِ الْعَرَبِ . وَمَنْ رَأَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى تَوْكِيدِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ احْتَاجَ أَنَّهُ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ وَاحِدًا لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنِ التَّأْكِيدِ ، فَقَالَ
مُجَاهِدٌ : رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
الرَّحْمَنُ رَحْمَانُ الدُّنْيَا وَالرَّحِيمُ رَحِيمُ الْآخِرَةِ " . وَإِذَا صَحَّ هَذَا التَّفْسِيرُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ . وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : رَحْمَانُ الْآخِرَةِ وَرَحِيمُ الدُّنْيَا . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : بِرَحْمَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِمِائَةِ رَحْمَةٍ . وَقَالَ
الْمَزْنِيُّ : بِنِعْمَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ . وَقَالَ
الْعَزِيزِيُّ : الرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ فِي الْأَمْطَارِ ، وَنِعَمِ الْحَوَاسِّ ، وَالنِّعَمِ الْعَامَّةِ ، الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الْهِدَايَةِ لَهُمْ وَاللُّطْفِ بِهِمْ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْمُحَاسِبِيُّ : بِرَحْمَةِ النُّفُوسِ وَرَحْمَةِ الْقُلُوبِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17335يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ : لِمَصَالِحِ الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ . وَقَالَ
الصَّادِقُ : خَاصُّ اللَّفْظِ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ فِي الرِّزْقِ ، وَعَامُّ اللَّفْظِ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ فِي مَغْفِرَةِ الْمُؤْمِنِ . وَقَالَ
ثَعْلَبٌ : الرَّحْمَنُ أَمْدَحُ وَالرَّحِيمُ أَلْطَفُ ، وَقِيلَ : الرَّحْمَنُ الْمُنْعِمُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَالرَّحِيمُ الْمُنْعِمُ بِمَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنَ الْعِبَادِ . وَقَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : الرَّحْمَنُ اسْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ يَخْتَصُّ بِهِ اللَّهُ ، وَالرَّحِيمُ إِنَّمَا هُوَ فِي جِهَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) . وَوَصْفُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالرَّحْمَةِ مَجَازٌ عَنْ إِنْعَامِهِ عَلَى عِبَادِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا عَطَفَ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَرَقَّ لَهُمْ أَصَابَهُمْ إِحْسَانُهُ فَتَكُونُ الرَّحْمَةُ إِذْ ذَاكَ صِفَةَ فِعْلٍ ؟ وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ ذَلِكَ ، فَتَكُونُ عَلَى هَذَا صِفَةَ ذَاتٍ ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِلَافٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - الذَّاتِيَّةَ وَالْفِعْلِيَّةَ أَهِيَ قَدِيمَةٌ أَمْ صِفَاتُ الذَّاتِ قَدِيمَةٌ وَصِفَاتُ الْفِعْلِ مُحْدَثَةٌ ؟ قَوْلَانِ . وَأَمَّا الرَّحْمَةُ الَّتِي مِنَ الْعِبَادِ فَقِيلَ هِيَ رِقَّةٌ تَحْدُثُ فِي الْقَلْبِ ، وَقِيلَ هِيَ قَصْدُ الْخَيْرِ أَوْ دَفْعُ الشَّرِّ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَدْفَعُ الشَّرَّ عَمَّنْ لَا يَرِقُّ عَلَيْهِ ، وَيُوصِلُ الْخَيْرَ إِلَى مَنْ لَا يَرِقُّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْبَسْمَلَةِ مِنْ ضُرُوبِ الْبَلَاغَةِ نَوْعَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) الْحَذْفُ ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَاءُ فِي بِسْمِ ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ ، وَالْحَذْفُ قِيلَ لِتَخْفِيفِ اللَّفْظِ ، كَقَوْلِهِمْ بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ ، فَقُلْتُ إِلَى الطَّعَامِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : " فِي تِسْعِ آيَاتٍ " أَيْ أَعْرَسْتُ وَهَلُمُّوا وَاذْهَبْ ، قَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ : وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ إِظْهَارُهُ وَإِضْمَارُهُ فِي كُلِّ مَا يُحْذَفُ تَخْفِيفًا ، وَلَكِنْ فِي حَذْفِهِ فَائِدَةٌ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَوْطِنٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَدَّمَ فِيهِ سِوَى ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَوْ ذُكِرَ الْفِعْلَ ، وَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ فَاعِلِهِ ، لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ اللَّهِ مُقَدَّمًا ، وَكَانَ فِي حَذْفِهِ مُشَاكَلَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى ، كَمَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، وَمَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَكِنْ يُحْذَفُ لِيَكُونَ اللَّفْظُ فِي اللِّسَانِ مُطَابِقًا لِمَقْصُودِ الْقَلْبِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْقَلْبِ ذِكْرٌ إِلَّا اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - . وَمِنَ الْحَذْفِ أَيْضًا حَذْفُ الْأَلِفِ فِي بِسْمِ اللَّهِ وَفِي الرَّحْمَنِ فِي الْخَطِّ ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ . ( النَّوْعُ الثَّانِي ) : التَّكْرَارُ فِي الْوَصْفِ ، وَيَكُونُ إِمَّا لِتَعْظِيمِ الْمَوْصُوفِ أَوْ لِلتَّأْكِيدِ لِيَتَقَرَّرَ فِي النَّفْسِ . وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُفَسِّرُونَ فِي كُتُبِهِمْ لِحُكْمِ التَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَذَكَرُوا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَأَطَالُوا التَّفَارِيعَ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ ، وَمَوْضُوعُ هَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ ، وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّعَوُّذِ وَعَلَى حُكْمِهِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ بِإِجْمَاعٍ . وَنَحْنُ فِي كِتَابِنَا هَذَا لَا نَتَعَرَّضُ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ، إِلَّا إِذَا كَانَ لَفْظُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
[ ص: 18 ] الْحُكْمِ ، أَوْ يُمْكِنُ اسْتِنْبَاطُهُ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِنْبَاطَاتِ . وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِ الرَّحِيمِ بِالْحَمْدِ ، فَقَرَأَ قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَيَقِفُونَ عَلَيْهَا وَيَبْتَدِئُونَ بِهَمْزَةٍ مَقْطُوعَةٍ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَرِّ الْمِيمِ وَوَصْلِ الْأَلِفِ مِنَ الْحَمْدِ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ إِنَّهُ يَقْرَأُ الرَّحِيمَ الْحَمْدُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَصِلَةِ الْأَلِفِ ، كَأَنَّكَ سَكَّنْتَ الْمِيمَ وَقَطَعْتَ الْأَلِفَ ، ثُمَّ أَلْقَيْتَ حَرَكَتَهَا عَلَى الْمِيمِ وَحَذَفْتَ وَلَمْ تُرْوَ هَذِهِ قِرَاءَةً عَنْ أَحَدٍ .