( بلى ) : حرف جواب يثبت به ما بعد النفي ، فإذا قلت : ما قام زيد ، فقلت : نعم ، كان تصديقا في نفي قيام زيد . وإذا قلت : بلى ، كان نقضا لذلك النفي . فلما قالوا : ( لن تمسنا النار ) ، أجيبوا بقوله : بلى ، ومعناها : تمسكم النار . والمعنى على التأبيد ، وبين ذلك بالخلود .
( من كسب سيئة ) من : يحتمل أن تكون شرطية ، ويحتمل أن تكون موصولة ، والمسوغات لجواز دخول الفاء في الخبر إذا كان المبتدأ موصولا موجودة هنا ، ويحسنه المجيء في قسميه بالذين ، وهو موصول . والسيئة : الكفر والشرك ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : الموجبة للنار ، قاله ، وعليه تفسير من فسر السيئة بالكبائر ، لأنها هي التي توجب النار ، أي يستحق فاعلها النار إن لم تغفر له . السدي
( وأحاطت به خطيئته ) : قرأ الجمهور بالإفراد ، ونافع : خطيئاته جمع سلامة ، وبعض القراء : خطاياه جمع تكسير ، والمعنى أنها أخذته من جميع نواحيه . ومعنى الإحاطة به أنه يوافى على الكفر والإشراك ، هذا إذا فسرت الخطيئة بالشرك . ومن فسرها بالكبيرة ، فمعنى الإحاطة به أن يموت وهو مصر عليها ، فيكون الخلود على القول الأول المراد به الإقامة ، لا إلى انتهاء . وعلى القول الثاني المراد به الإقامة دهرا طويلا ، إذ مآله إلى الخروج من النار . قال الكلبي : أوثقته ذنوبه . وقال : أحبطت حسناته . وقال ابن عباس مجاهد : غشيت قلبه . وقال مقاتل : أصر عليها . وقال الربيع : مات على الشرك . قال الحسن : كل ما توعد الله عليه بالنار فهو الخطيئة المحيطة . ومن - كما تقدم - لها لفظ ومعنى ، فحمل أولا على اللفظ ، فقال : من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ، وحمل ثانيا على المعنى ، وهو قوله : ( فأولئك ) ، إلى آخره . وأفرد سيئة لأنه كنى به عن مفرد ، وهو الشرك . ومن أفرد الخطيئة أراد بها الجنس ومقابلة السيئة ؛ لأن السيئة مفردة ، ومن جمعها فلأن الكبائر كثيرة ، فراعى المعنى وطابق به اللفظ . وذهب قوم إلى أن السيئة والخطيئة واحدة ، وأن الخطيئة وصف للسيئة . وفرق بعضهم بينهما فقال : السيئة الكفر ، والخطيئة ما دون الكفر من المعاصي ، قاله مجاهد وأبو وائل . وقيل : إن الخطيئة الشرك ، والسيئة هنا ما دون الشرك من المعاصي . قال والربيع بن أنس : وأحاطت به خطيئته تلك ، واستولت عليه ، كما يحيط العدو ، ولم يتفص عنها بالتوبة . انتهى كلامه . وهذا من دسائسه التي ضمنها كتابه ، إذ اعتقاد الزمخشري المعتزلة أن من أتى كبيرة ولم يتب منها ، ومات ، كان خالدا في النار .
وفي قوله : ( أصحاب النار هم فيها خالدون ) : إشارة إلى أن المراد الكفار ، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " " . وقد رتب كونهم أصحاب النار على وجود أمرين : أحدهما ، كسب السيئة ، والآخر : إحاطة الخطيئة . وما رتب على وجود شرطين لا يترتب على وجود أحدهما ، فدل ذلك على أن من لم يكسب سيئة ، وهي الشرك ، وإن أحاطت به خطيئته ، وهي الكبائر ، لا يكون من أصحاب النار ، ولا ممن يخلد فيها . ويعني بأصحاب النار : الذين هم أهلها حقيقة ، لا من دخلها ثم خرج منها . أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون