أما لفظها : فقد ثبت في الصحيحين من حديث - رضي الله عنهما - وفي صحيح ابن عمر ، من حديث البخاري عائشة - رضي الله عنها - ومسلم من حديث جابر " ورواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في تلبيته ، إذا أهل محرما " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك عن البخاري عائشة المذكورة إلى قوله : " إن الحمد والنعمة لك " وقد أجمع المسلمون على المذكورة في حديث لفظ التلبية المتفق عليه . ابن عمر
وحديث جابر عند مسلم ، عند الإحرام بالحج أو العمرة . ولكن اختلفوا في الزيادة عليه بألفاظ فيها تعظيم الله ، ودعاؤه ، ونحو ذلك فكره بعضهم : الزيادة ، على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكاه ، عن ابن عبد البر مالك قال : وهو أحد قولي ، انتهى منه بواسطة نقل الشافعي ابن حجر في " الفتح " .
وقال آخرون : لا بأس بالزيادة المذكورة ، واستحب بعضهم الزيادة المذكورة .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي في هذه المسألة : أن الأفضل هو الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتصار على لفظ تلبيته الثابت في الصحيحين وغيرهما ; لأن الله تعالى يقول : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ 33 \ 21 ] وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " وأن الزيادة المذكورة لا بأس بها . والدليل على ذلك من وجهين : لتأخذوا عني مناسككم
أحدهما : ما رواه مسلم في صحيحه ، عن - رضي الله عنهما - بعد أن ساق حديثه بلفظ تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكورة قال : قال ابن عمر نافع : كان عبد الله - رضي الله عنه - يزيد مع هذا : لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك ، والرغباء إليك ، والعمل . وقال مسلم [ ص: 4 ] - رحمه الله - في صحيحه أيضا بعد أن ساق حديثه ، بتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن من رواية ابنه ابن عمر سالم - رضي الله عنه - وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يقول : كان - رضي الله عنه - يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير في يديك والرغباء إليك والعمل . ، ا هـ . عمر بن الخطاب
وقال ابن حجر في " الفتح " بعد أن ذكر الرواية عن عمر وابنه عبد الله ، فعرف أن اقتدى في ذلك بأبيه ، ا هـ . ابن عمر
ومعلوم أن - لو كان فيها محذور ، لما فعلها أمير المؤمنين الزيادة على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم وابنه عمر بن الخطاب عبد الله - رضي الله عنهما - .
الوجه الثاني : هو ما ثبت في صحيح مسلم في حديث جابر الطويل ، فإن فيه ما نصه : . انتهى محل الغرض من حديث فأهل بالتوحيد : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم شيئا منه جابر المذكور ، وهو واضح في أنهم يزيدون على تلبيته - صلى الله عليه وسلم - ويقرهم على ذلك ، ولم ينكره عليهم كما ترى .
وأما : فأظهر أقوال أهل العلم فيه : أنه أول الوقت ، الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير لصحة الأحاديث الواردة ، بأنه - صلى الله عليه وسلم - أهل حين استوت به راحلته . أول وقتها
قال في صحيحه : باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة : حدثنا البخاري أبو عاصم ، أخبرنا قال : أخبرني ابن جريج ، عن صالح بن كيسان نافع ، عن - رضي الله عنهما - : قال : ابن عمر . أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استوت به راحلته قائما
باب الإهلال مستقبل القبلة ، وقال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن نافع قال : كان - رضي الله عنهما - : إذا صلى بالغداة ابن عمر بذي الحليفة ، أمر براحلته فرحلت ، ثم ركب ، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ، ثم يلبي حتى يبلغ الحرم ، ثم يمسك ، حتى إذا جاء ذا طوى بات به ، حتى يصبح ، فإذا صلى الغداة اغتسل ، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك . تابعه إسماعيل عن أيوب في الغسل : حدثنا ، حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع فليح ، عن نافع قال : - رضي الله عنهما - إذا أراد الخروج إلى ابن عمر مكة ادهن بدهن ، ليس له رائحة طيبة ، ثم يأتي مسجد الحليفة ، فيصلي ثم يركب ، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ، ثم قال : هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل . انتهى من صحيح كان . البخاري
[ ص: 5 ] فهذه الروايات الصحيحة الثابتة ، عن - رضي الله عنهما - : أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم حين استوت به راحلته قائمة واضحة فيما ذكرنا ، من أن أول وقت الإحرام عندما يركب حالة شروعه في السير من الميقات . ابن عمر
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك عن ، عن موسى بن عقبة أنه سمع أباه - رضي الله عنه - يقول : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها سالم بن عبد الله ذا الحليفة . وحدثناه ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد يعني : ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن حاتم يعني : ابن إسماعيل ، عن موسى بن عقبة سالم قال : - رضي الله عنهما - إذا قيل له : الإحرام من ابن عمر البيداء قال : البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة ، حين قام به بعيره . وفي لفظ - رضي الله عنهما - عند لابن عمر مسلم : فإني لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل حتى تنبعث به راحلته . وفي لفظ له أيضا عند مسلم قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وضع رجله في الغرز ، وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة . وفي كان مسلم عنه ألفاظ أخرى متعددة بهذا المعنى ، ومراد - رضي الله عنهما - بكذبهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإحرام من ابن عمر البيداء هو ما رواه ، من حديث البخاري - رضي الله عنهما - بلفظ : ابن عباس بذي الحليفة ركب راحلته ، حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه . الحديث ، وما رواه فأصبح - رحمه الله - في صحيحه أيضا ، عن البخاري بلفظ قال : أنس بن مالك بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها ، حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به على البيداء : حمد الله وسبح ، وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما ، الحديث . ومراد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل محرما حين استوت به راحلته قائمة من منزله ابن عمر بذي الحليفة ، قبل أن يصل البيداء ، ووجه الجمع بين حديث ، وحديث ابن عمر ، ابن عباس وأنس معروف عند أهل الحديث ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ إهلاله حين استوت به راحلته قائمة فسمعه قوم ، ثم لما استوت به على البيداء أعاد تلبيته فسمعه آخرون لم يسمعوا تلبيته الأولى فحدث كل واحد منهم بما سمع .
وقال بعضهم : أحرم في مصلاه فسمعه بعضهم ، ولم يسمعه ، حتى استوت به راحلته ، وجزم ابن عمر أنه ما أهل حتى استوت به راحلته يدل على أنه علم أنه لم يهل حتى استوت به ، فالأحاديث متفقة ومراد ابن عمر بالإنكار والتكذيب خاص بمن زعم أنه [ ص: 6 ] لم يلب قبل وصوله ابن عمر البيداء ، وهذا الجمع ذكره ابن حجر ، عن أبي داود ، والحاكم ، وقال ابن حجر في " الفتح " : فائدة البيداء هذه فوق علمي ذي الحليفة ، لمن صعد من الوادي ، قاله أبو عبيد البكري وغيره . انتهى منه .
وإذا عرفت مما ذكرنا أول وقت التلبية ، وأنه وقت انعقاد الإحرام ، فاعلم أن الصحيح الذي قام عليه الدليل : أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة ، وقال بعض أهل العلم : حتى ينتهي رميه إياها .
والدليل على أن هذا القول هو الصواب دون غيره من أقوال أهل العلم هو ما ثبت في صحيح مسلم من - رضي الله عنهما - وكان رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من الفضل بن العباس مزدلفة إلى منى ، ففي لفظ حديث لمسلم عن : الفضل بن عباس . وقوله في هذا الحديث الصحيح : حتى بلغ الجمرة ، هو حجة من قال : يقطع التلبية ، عند الشروع في الرمي ; لأن بلوغ الجمرة هو وقت الشروع في الرمي . وفي لفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة مسلم ، عن الفضل أيضا العقبة " وقوله في هذا الحديث " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة العقبة " هو حجة من قال : يلبي حتى ينتهي رميه ، وفي صحيح حتى رمى جمرة مسلم من حديث - رضي الله عنه - من طريق عبد الله بن مسعود عبد الله بن يزيد قال : قال عبد الله : ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " ، يقول في هذا المقام : " لبيك اللهم لبيك " وجمع هي المزدلفة . وهذا الحديث الصحيح يدل على تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بمزدلفة بعد الرجوع من عرفة ، وفي لفظ عند لابن مسعود مسلم أيضا : قال عبد الله : أنسي الناس أم ضلوا سمعت الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " يقول في هذا المكان : " لبيك اللهم لبيك " وفي لفظ عنه أيضا عند مسلم ، من رواية عبد الرحمن بن يزيد قالا : سمعنا والأسود بن يزيد يقول بجمع : سمعت الذي أنزلت عليه سورة " البقرة " هاهنا يقول " لبيك اللهم لبيك " ثم لبى ولبينا معه . عبد الله بن مسعود
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : فهذه النصوص الصحيحة ، تدل على عدم قطع التلبية ، والأظهر أنه يقطعها عند الشروع في رمي العقبة ، وأن رواية مسلم : حتى رمى جمرة العقبة ، يراد به الشروع في رميها ، لا الانتهاء منه .
ومن القرائن الدالة على ذلك : ما ثبت في الروايات الصحيحة من التكبير مع كل حصاة ، فظرف الرمي لا يستغرق غير التكبير ، مع الحصاة لتتابع رمي الحصيات .
[ ص: 7 ] قال الزرقاني في " شرح الموطأ " ، عن ولابن خزيمة الفضل : العقبة يكبر مع كل حصاة ، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة ، قال أفضت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة : حديث صحيح مفسر لما أبهم في الرواية الأخرى ، وأن المراد بقوله : حتى رمى جمرة ابن خزيمة العقبة ، أتم رميها ، ا هـ . وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا ينبغي العدول عنها .
وإذا علمت الصحيح الذي دلت عليه النصوص ، فاعلم أن في مذاهب للعلماء غير ما ذكرنا . فقد روي عن وقت انتهاء الرمي ، سعد بن أبي وقاص وعائشة : أنه يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف ، وعن علي ، : أنهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم وأم سلمة عرفة ، وهذا قريب من قول سعد وعائشة ، وكان الحسن يقول : يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة ، ومذهب مالك أنه يقطعها إذا زاغت الشمس من يوم عرفة ، وقد روى مالك - رحمه الله - في " الموطأ " عن ، عن أبيه : أن جعفر بن محمد - رضي الله عنه - كان يلبي بالحج ، حتى إذا زاغت الشمس من يوم علي بن أبي طالب عرفة ، قطع التلبية . قال مالك : وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ، ا هـ . وروى مالك في " الموطأ " أيضا عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف ، وروي في " الموطأ " أيضا عن نافع ، عن : أنه كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم . حتى يطوف بالبيت . وبين ابن عمر الصفا والمروة . ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة . فإذا غدا ترك التلبية . وكان يترك في العمرة ، إذا دخل الحرم ، ا هـ .
والتحقيق أنه لا يقطعها ، إلا إذا رمى جمرة العقبة ؛ لدلالة حديث الثابت في الصحيح على ذلك دلالة واضحة ، ودلالة حديث الفضل بن عباس الثابت في الصحيح على تلبية النبي ابن مسعود بمزدلفة أيضا ، ولم يثبت في كتاب الله ، ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يخالف ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
وأما فقد اختلف فيه أهل العلم اختلافا معروفا ، قال حكم التلبية ابن حجر في " فتح الباري " : لم يتعرض المصنف لحكم التلبية ، وفيها مذاهب أربعة ، يمكن توصيلها إلى عشرة .
الأول : أنها سنة من السنن لا يجب بتركها شيء ، وهو قول الشافعي وأحمد .
ثانيها : واجبة ، ويجب بتركها دم حكاه الماوردي عن من ابن أبي هريرة الشافعية ، [ ص: 8 ] وقال : إنه وجد نصا يدل عليه ، وحكاه للشافعي عن بعض المالكية ، ابن قدامة والخطابي عن مالك وأبي حنيفة . وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ، ويجب بتركها دم ، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال : التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة ، وقال ابن التين : يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة ، ولذلك يجب بتركها الدم ، ولو لم تكن واجبة لم يجب ، وحكى ابن العربي : أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم ، وهذا قدر زائد على أصل الوجوب .
ثالثها : واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج ، كالتوجه على الطريق ، وبهذا صدر من المالكية كلامه في الجواهر له ، وحكى صاحب الهداية من الحنفية مثله ، لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر ، كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين ، وقال ابن شاس ابن المنذر : قال أصحاب الرأي : إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام ، فهو محرم .
رابعها : أنها ركن في الإحرام لا ينعقد بدونها حكاه عن ابن عبد البر ، الثوري وأبي حنيفة ، وابن حبيب من المالكية ، والزبير من الشافعية ، وأهل الظاهر قالوا : هي نظيرة تكبيرة الإحرام للصلاة ، ويقويه ما تقدم من بحث ابن عبد السلام ، عن حقيقة الإحرام ، وهو قول عطاء ، أخرجه بإسناد صحيح عنه ، قال : التلبية فرض الحج ، وحكاه سعيد بن منصور ابن المنذر عن ابن عمر ، وطاوس وعكرمة ، وحكى النووي عن داود أنه لا بد من رفع الصوت بها ، وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا . انتهى من " فتح الباري " .
وإذا عرفت مذاهب أهل العلم في حكم التلبية ، فاعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبى كما ذكرنا وقال : " " فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا التلبية ، وهذا القدر هو الذي قام عليه الدليل : أما كونها مسنونة أو مستحبة أو واجبة يصح الحج بدونها ، وتجبر بدم فكل ذلك لم يرد فيه دليل خاص ، والخير كله في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - والعلم عند الله تعالى . لتأخذوا عني مناسككم
وأما : فهي من لبى بمعنى : أجاب ، فلفظة : لبيك مثناة على قول معنى التلبية والجمهور ، وتثنيتها للتكثير : أي إجابة لك بعد إجابة ، ولزوما لطاعتك ، وقال سيبويه يونس بن حبيب البصري : لبيك : اسم مفرد لا مثنى ، قال : وإنما انقلبت ألفه ياء لاتصالها بالضمير ، كما قلبت ألف لدى ، وإلى ، وعلى في حالة الاتصال بالضمير فتقول : لديك ، وإليك وعليك بإبدال الألف ياء ، والأظهر قول ، وجمهور أهل اللغة . سيبويه
ومما يدل على ذلك أنه سمع في كلام العرب ثبوت الياء مع الإضافة للاسم الظاهر [ ص: 9 ] لا الضمير كما في قول الشاعر ، وهو أعرابي من بني أسد :
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبى يدي مسور
وقال : ثنوا لبيك كما ثنوا حنانيك : أي تحننا بعد تحنن ، وقال القاضي ابن الأنباري عياض : اختلفوا في معنى لبيك واشتقاقها ، فقيل معناها : اتجاهي وقصدي إليك ، مأخوذ من قولهم : داري تلب دارك أي تواجهها ، وقيل معناها محبتي لك مأخوذ من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت محبة لولدها عاطفة عليه ، وقيل معناها : إخلاصي لك مأخوذ من قولهم : حب لباب ، إذا كان خالصا محضا ، ومن ذلك لب الطعام ولبابه ، وقيل معناها : أنا مقيم على طاعتك ، وإجابتك مأخوذ من قولهم : لب الرجل بالمكان ، وألب به إذا أقام فيه ، قال : ابن الأنباري
وبهذا قال الخليل . وقيل في لبيك : أي قربا منك ، وطاعة ، والإلباب : القرب ، وقال أبو نصر معناه : أنا ملب بين يديك أي : خاضع . انتهى كلام عياض ، مع تصرف وحذف يسير بواسطة نقل النووي في " شرح مسلم " ، وما قاله الشيخ عياض - رحمه الله - يدور حوله كلام أهل اللغة في معنى التلبية ، وبقية ألفاظ التلبية معانيها ظاهرة .
واعلم أن لفظة لبيك ملازمة للإضافة لضمير المخاطب ، وشذ إضافتها للظاهر ; كما تقدم قريبا ، وشذ أيضا إضافتها لضمير الغائب كقول الراجز : إنك لو دعوتني ودوني زوراء ذات متزع بيون لقلت لبيه لمن يدعوني .