وقال في " المغني " محتجا للوجه الذي ذكرنا عن الحنابلة : أنه لا حد على الثاني ، ما نصه : والثاني يكون قذفا للمخاطب خاصة ; لأن لفظة أفعل قد تستعمل للمنفرد بالفعل ; كقول الله تعالى [ ص: 447 ] ابن قدامة أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما الآية [ 10 \ 35 ] ، وقال تعالى : فأي الفريقين أحق بالأمن [ 6 \ 81 ] ، وقال لوط : بناتي هن أطهر لكم [ 11 \ 78 ] ، أي من أدبار الرجال ، ولا طهارة فيها لا ينبغي التعويل عليه كما أنه هو ساقه ، ولم يعول عليه .
وحاصل الاحتجاج المذكور : أن صيغة التفضيل قد ترد مرادا بها مطلق الوصف لا حصول التفضيل بين شيئين ، ومثل له هو بكلمة : أحق أن يتبع وكلمة : أحق بالأمن وكلمة : أطهر لكم ; لأن صيغة التفضيل في الآيات المذكورة لمطلق الوصف لا للتفضيل .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : لا يخفى أن ، كما هو معلوم ، ومن أمثلته الآيات التي ذكرها صاحب " المغني " ، ولكنها لا تحمل على غير التفضيل ، إلا بدليل خارج يقتضي ذلك ، والآيات التي ذكر معلوم أنها لا يمكن أن تكون للتفضيل ; لأن الأصنام لا نصيب لها من أحقية الاتباع أصلا في قوله : صيغة التفضيل قد ترد لمطلق الوصف أحق أن يتبع أمن لا يهدي ولأن الكفار لا نصيب لهم في الأحقية بالأمن ، ولأن أدبار الرجال لا نصيب لها في الطهارة .
ومن أمثلة ورود صيغة التفضيل لمطلق الوصف أيضا قوله تعالى : وهو أهون عليه [ 30 \ 27 ] ، أي : هين سهل عليه ، وقول الشنفرى :
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
أي : لم أكن بالعجل منهم ، وقول : الفرزدق
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
أي : عزيزة طويلة ، وقول معن بن أوس :
لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول
أي : لوجل ، وقول : الأحوص بن محمد الأنصاري
إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل
أي : لمائل ، وقول الآخر :
[ ص: 448 ] تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
.
أي : بواحد ، وقال الآخر :
لعمرك إن الزبرقان لباذل لمعروفه عند السنين وأفضل
أي : وفاضل ، إلى غير ذلك من الشواهد ، ولكن قدمنا أنها لا تحمل على مطلق الوصف ، إلا لدليل خارج ، أو قرينة واضحة تدل على ذلك .
وقوله له : أنت أزنى من فلان ، ليس هناك قرينة ، ولا دليل صارف لصيغة التفضيل عن أصلها ، فوجب إبقاؤها على أصلها ، وحد القاذف لكل واحد منهما ، والإتيان بلفظة من في قوله : أنت أزنى من فلان ، يوضح صراحة الصيغة في التفضيل ، والعلم عند الله تعالى .