والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم هذا هو الصنف الرابع من المؤمنين في ذلك العهد ، وهم من تأخر إيمانهم وهجرتهم عن الهجرة الأولى أو عن نزول هذه الآيات ، فيكون الفعل الماضي آمنوا وما بعده بمعنى المستقبل ، وقيل : عن صلح [ ص: 102 ] الحديبية وكان في ذي القعدة سنة ست ، والسورة كلها نزلت عقب غزوة بدر ، وحكمها على كل حال أنهم يلتحقون بالمهاجرين الأولين والأنصار فيما تقدم بيانه من أحكام ولايتهم وجزائهم . قال : ابن جرير فأولئك منكم في الولاية ، يجب لكم عليهم من الحق والنصرة في الدين والموارثة مثل الذي يجب لكم عليهم ولبعضكم على بعض ، وروي ذلك عن ابن إسحاق ولا خلاف فيه على ما أعلم .
وأقول : إن جعلهم تبعا لهم وعدهم منهم دليل على فضل السابقين على اللاحقين ولا سيما بعد اختلاف الحالين من قوة وضعف وغنى وفقر ، قال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ( 57 : 10 ) وقال تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( 9 : 100 ) وقد بين في سياق قسمة الفيء من سورة الحشر هذه الدرجات الثلاث فقال عز من قائل : للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( 5 : 8 - 10 ) وفضيلة السبق معلومة بالنقل والعقل والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ( 56 : 10 - 12 ) والروافض يكفرون بهذه الآيات كلها بما يطعنون به على جمهور الصحابة وعلى السابقين الأولين خاصة ، ومن المعلوم بالتواتر أن أول أولئك السابقين بالإيمان والهجرة معا الذين شهد الله تعالى بصدقهم هو : رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، وسخط على أعدائه والطاعنين فيه المكذبين بهذه الآيات ضمنا . أبو بكر الصديق