الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ولا خيار للغلام والجارية ) [ ص: 552 ] وقال الشافعي رحمه الله : لهما الخيار ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام خير .

                                                                                                        ولنا أنه لقصور عقله يختار من عنده الدعة لتخليته بينه وبين اللعب فلا يتحقق النظر ، وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخيروا ، وأما الحديث فقلنا قد قال عليه الصلاة والسلام : " اللهم اهده " فوفق [ ص: 553 ] لاختيار الأنظر بدعائه عليه الصلاة والسلام ، أو يحمل على ما إذا كان بالغا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : روي أنه عليه السلام خير ; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن هلال بن أسامة { عن أبي ميمونة سليم ويقال : سلمان مولى من أهل المدينة رجل صدق ، قال : بينما أنا جالس مع أبي هريرة ، جاءته امرأة فارسية معها ابن لها ، فادعياه ، وقد طلقها زوجها ، فقالت : يا أبا هريرة ورطنت بالفارسية زوجي يريد أن يذهب بابني ، فقال أبو هريرة : استهما عليه ورطن لها بذلك فجاء زوجها ، فقال : من يحاقني في ولدي ، فقال أبو هريرة : اللهم إني لا أقول هذا ، إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده ، فقالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ، وقد نفعني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استهما عليه ، فقال زوجها : من يحاقني في ولدي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أبوك ، وهذه أمك ، فخذ بيد أيهما شئت ، فأخذ بيد أمه ، فانطلقت به }انتهى .

                                                                                                        أخرجه أبو داود ، والنسائي في " الطلاق " هكذا ، وأخرجه الترمذي ، وابن ماجه في " الأحكام " مختصرا ، بدون القصة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { خير غلاما بين أبيه وأمه } ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وأبو ميمونة اسمه سليم انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والثلاثين ، من القسم الخامس ، بلفظ الترمذي ، وزاد فيه : وأن أبا هريرة خير غلاما بين أبيه وأمه ; ورواه الحاكم في " المستدرك في كتاب الأحكام " بلفظ أبي داود ، وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : هذا الحديث يرويه هلال بن أسامة عن أبي ميمونة ، سلمى مولى من أهل المدينة رجل [ ص: 552 ] صدق ، عن أبي هريرة ، وأبو ميمونة هذا ليس مجهولا ، فقد كناه هلال بن أسامة بأبي ميمونة ، وسماه سلمى ، وذكر أنه مولى من أهل المدينة ، ووصفه بأنه رجل صدق ، وهذا القدر كاف في الراوي حتى يتبين خلافه ، وأيضا فقد روى عن أبي ميمونة المذكور أبو النضر ، قاله أبو حاتم : وروى عنه يحيى بن أبي كثير هذا الحديث نفسه ، كما رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي ميمونة عن أبي هريرة ، قال : { جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلقها زوجها فأراد أن يأخذ ابنها ، فقال عليه السلام : استهما فيه ، فقال عليه السلام للغلام : تخير أيهما شئت ، قال : فاختار أمه ، فذهبت به }انتهى .

                                                                                                        قال : فجاء من هذا جودة الحديث وصحته انتهى .

                                                                                                        قوله : وقد صح أن الصحابة لم يخيروا ; قلت : تقدم قريبا لمالك . والبيهقي { عن أبي بكر أنه دفع الغلام لأمه لما اختصم فيه عمر ، وأمه ، وقال فيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا توله والدة عن ولدها } ، وقد ورد ما يخالف ذلك ، روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أنه سمع عبد الله بن عبيد بن عمير يقول : اختصم أب وأم في ابن لهما إلى عمر بن الخطاب ، فخيره ، فاختار أمه ، فانطلقت به انتهى .

                                                                                                        وتقدم عند ابن حبان عن أبي هريرة أنه خير غلاما بين أبيه وأمه .

                                                                                                        الحديث الرابع : { قال عليه السلام : اللهم اهده } ، فوفق لاختيار الأنظر بدعائه عليه السلام ; قلت : أخرجه أبو داود في " الطلاق " ، والنسائي في " الفرائض " عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده { رافع بن سنان ، أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، فجاء بابن لهما صغير لم يبلغ ، فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب هاهنا ، والأم هاهنا ، ثم خيره ، وقال : اللهم اهده ، فذهب إلى أبيه }انتهى .

                                                                                                        ولفظ أبي داود { أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ابنتي ، وهي فطيم ، وقال رافع : ابنتي ، فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم ناحية ، والأب ناحية ، وأقعد الصبية بينهما ، وقال لهما : ادعواها ، فمالت الصبية إلى أمها ، [ ص: 553 ] فقال عليه السلام : اللهم اهدها ، فمالت إلى أبيها ، فأخذها }انتهى .

                                                                                                        أخرجه أبو داود عن عيسى بن يونس عن عبد الحميد به ، والنسائي عن المعافى بن عمران عن عبد الحميد به ، وبسند أبي داود ومتنه رواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي عاصم النبيل عن عبد الحميد به ، وسمى فيه البنت المذكورة عميرة .

                                                                                                        وعن علي بن غراب عن عبد الحميد به ، وقال : فيه تشبه بالفطيم ، وأخرجه ابن ماجه ، والنسائي في " سننه " عن إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ثنا عثمان البتي عن عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده أبي سلمة { أن أبوين اختصما في ولد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما كافر ، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم فتوجه إلى الكافر ، فقال : اللهم اهده ، فتوجه إلى المسلم ، فقضى له به } ، انتهى . وبهذا السند رواه أحمد ، وإسحاق بن راهويه ، والبزار في " مسانيدهم " ، وفي لفظ أحمد : { في ولد صغير } ، وفيه ، وفي لفظ السنن ما يدفع حمل المصنف الحديث على أن الصبي كان بالغا ، وأبو سلمة هذا عده ابن سعد في " الطبقات " من الصحابة الذين نزلوا البصرة ، قال ابن القطان في " كتابه " هذا الحديث يرويه عيسى بن يونس ، وأبو عاصم النبيل ، وعلي بن غراب ، كلهم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جد أبيه رافع بن سنان ، فإنه عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان ، وعبد الحميد ثقة ، وأبوه جعفر كذلك ، قاله الكوفي ، ورواية عيسى بن يونس عند أبي داود ، ورواية أبي عاصم ، وعلي بن غراب عند الدارقطني في " سننه " ، وسميت البنت المذكورة في رواية أبي عاصم : عميرة ، وروي أنه كان غلاما ; وروي أنها كانت جارية ، فلعلهما قضيتان ; خير في إحداهما غلام ، وفي الأخرى جارية ; وقد روي هذا الحديث من طريق عثمان البتي عن عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده أن أبويه اختصما فيه ، الحديث ، هكذا رواه ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم ابن علية عن عثمان البتي ; وكذا رواه [ ص: 554 ] يعقوب الدورقي عن إسماعيل أيضا ; ورواه يزيد بن زريع عن البتي ، فقال فيه : { عن عبد الحميد بن يزيد بن سلمة أن جده أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، وبينهما ولد صغير } ، فذكر مثله ، رواه عن يزيد بن زريع يحيى الحماني من رواية ابن أبي خيثمة عنه ، وهذه الروايات لا تصح ، لأن عبد الحميد بن سلمة ، وأباه وجده لا يعرفون ، ولو صحت لم ينبغ أن تجعله خلافا لرواية أصحاب عبد الحميد بن جعفر عن عبد الحميد بن جعفر ، فإنهم ثقات ، وهو ، وأبوه ثقتان ، وجده رافع بن سنان معروف ، والله أعلم ، انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية