الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 315 ] كتاب المكاتب

                                                                                                        قال : ( وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا ) أما الجواز فلقوله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا }وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء ، وإنما هو أمر ندب هو الصحيح ، وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط إذ هو مباح بدونه أما الندبية فمعلقة به والمراد بالخير المذكور على ما قيل أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق ، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه وإن كان يصح لو فعله ، وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه ولا يعتق إلا بأداء كل البدل { لقوله عليه الصلاة والسلام : أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد }. [ ص: 316 ] وقال عليه الصلاة والسلام { : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم }. [ ص: 317 ] وفيه اختلاف الصحابة رضي الله عنهم وما اخترناه قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر ; لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع . .

                                                                                                        [ ص: 307 - 315 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 307 - 315 ] كتاب المكاتب

                                                                                                        الحديث الأول : { قال عليه السلام : أيما عبد كوتب على مائة دينار ، فأداها إلا عشرة دنانير ، فهو عبد }; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة : أبو داود ، والنسائي في " العتق " ، والترمذي في " البيوع " ، وابن ماجه " في الأحكام " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما عبد كاتب على مائة أوقية ، فأداها إلا عشر أواق ، فهو عبد ، وأيما عبد كاتب على مائة دينار ، فأداها إلا عشرة دنانير ، فهو عبد }انتهى .

                                                                                                        بلفظ أبي داود ولفظ الترمذي { : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كاتب عبده على مائة أوقية ، فأداها إلا عشر أواق ، أو قال : عشرة دراهم ، ثم عجز فهو رقيق }انتهى .

                                                                                                        وقال : غريب ، ولفظ ابن ماجه { : أيما عبد كوتب على مائة أوقية ، فأداها إلا عشر أواق ، ثم عجز ، فهو رقيق }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن عباس الجريري عن عمرو بن شعيب به ; وكذلك الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح [ ص: 316 ] الإسناد ، ولم يخرجاه ، كلاهما بلفظ أبي داود ، وأخرج النسائي في " سننه " عن ابن جريج عن عطاء { عن عبد الله بن عمرو أنه قال : يا رسول الله إنا نسمع منك أحاديث أفتأذن لنا أن نكتبها ؟ قال : نعم ، فكان أول ما كتب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة : لا يجوز شرطان في بيع ، ولا بيع وسلف جميعا ، ولا بيع ما لم يضمن ، ومن كان مكاتبا على مائة درهم ، فقضاها إلا عشرة دراهم ، فهو عبد ، أو على مائة أوقية ، فقضاها إلا أوقية ، فهو عبد }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والستين ، من القسم الثالث ، قال النسائي : هذا حديث منكر ، وهو عندي خطأ انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة النسائي ، ثم قال : وعطاء هذا هو الخراساني ، ولم يسمع من عبد الله بن عمرو شيئا ، ولا أعلم أحدا ذكر لعطاء سماعا من عبد الله بن عمرو انتهى .

                                                                                                        واعلم أن النسائي ، وابن حبان لم ينسباه أعني عطاء وذكره ابن عساكر في " أطرافه في ترجمة عطاء بن أبي رباح " عن عبد الله بن عمرو ، لم يذكر في كتابه لعطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو شيئا ، وكأنه وهم في ذلك ، فقد ذكر عبد الحق أنه عطاء الخراساني ، وهو جاء منسوبا في " مصنف عبد الرزاق " ، فقال : أخبرنا ابن جريج عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره .

                                                                                                        الحديث الثاني : { قال عليه السلام : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم }; قلت : أخرجه أبو داود في " العتاق " عن إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم }انتهى .

                                                                                                        وفيه إسماعيل بن عياش ، لكنه عن شيخ شامي ثقة ، وأخرج ابن عدي في " الكامل " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن أم سلمة ، أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، أو أوقية } ، [ ص: 317 ] انتهى .

                                                                                                        وضعف سليمان بن أرقم عن أحمد ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن معين ، وقالوا كلهم فيه : إنه متروك ، قال ابن عدي : ولعل البلاء فيه من المسيب بن شريك ، وهو الذي رواه عن سليمان ، فإنه شر من سليمان انتهى .

                                                                                                        وروى مالك في " الموطإ " عن نافع عن ابن عمر ، موقوفا : المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على عمر وابن عمر ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وعائشة ، لم يروه مرفوعا أصلا .

                                                                                                        قوله : وفيه اختلاف الصحابة يعني في المكاتب يبقى عليه شيء ، وأن زيدا قال : لا يعتق ولو بقي عليه درهم ; قلت : أما حديث زيد ، فرواه الشافعي في " مسنده " أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، أن زيد بن ثابت ، قال في " المكاتب " : هو عبد ما بقي عليه درهم انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان [ ص: 318 ] الثوري عن ابن أبي نجيح به سواء ، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في " سننه " ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، أخبرنا وكيع عن سفيان به ، وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا ، وقال زيد بن ثابت : هو عبد ما بقي عليه درهم انتهى .

                                                                                                        وأما اختلاف الصحابة ، فقال البخاري في " صحيحه " : وقالت عائشة : هو عبد ما بقي عليه شيء ، وقال ابن عمر : هو عبد إن عاش ، وإن مات ، وإن جن ، ما بقي عليه شيء ، وقال [ ص: 319 ] زيد بن ثابت : هو عبد ما بقي عليه درهم انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم انتهى . ورواه ابن أبي شيبة حدثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب عن نافع به .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة أن عمر بن الخطاب ، قال : إذا أدى المكاتب ، إلا الشطر فلا رق عليه انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة بخلاف هذا ، فقال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن معبد الجهني عن عمر ، قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم انتهى . قال البيهقي : والقاسم لا يثبت سماعه من ابن سمرة .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا الثوري عن مغيرة أخبرني إبراهيم أن ابن مسعود قال : إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر عن قتادة أن عائشة قالت : هو عبد ما بقي عليه شيء انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن ميمون [ ص: 320 ] أن عائشة قالت لمكاتب لها ، يكنى أبا مريم : ادخل ، وإن لم يبق عليك إلا أربعة دراهم انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البيهقي في " المعرفة " عن أبي معاوية عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة ، قال : استأذنت عليها ، فقالت : من هذا ؟ قلت : سليمان ، قالت : كم بقي عليك من مكاتبتك ؟ قلت عشرة أواق ، قالت : ادخل ، فإنك عبد ما بقي عليك درهم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال ابن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون عن عباد بن منصور عن حماد بن إبراهيم عن عثمان ، قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق : أخبرنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي أن عليا ، قال في المكاتب يعجز ، قال : يعتق بالحساب . وقال زيد : هو عبد ما بقي عليه درهم ، وقال عبد الله بن مسعود : إذا أدى الثلث ، فهو غريم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق أيضا أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الكريم بن أبي المخارق أن زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وعائشة كانوا يقولون : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، فخاصمهم زيد بأن المكاتب يدخل على أمهات المؤمنين ما بقي عليه شيء ، قال ابن جريج : وحدثت أن عثمان قضى بأنه عبد ما بقي عليه شيء انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق أيضا أخبرنا أبو معشر عن سعيد المقبري عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير أن ابن عباس قال : إذا بقي على المكاتب خمس أواق ، أو خمس ذود ، أو خمسة أوسق ، فهو غريم ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        قال ابن أبي شيبة : حدثنا حفص عن ليث عن مجاهد ، قال : كن أمهات المؤمنين لا يحتجبن عن المكاتب ، ما بقي عليه من مكاتبته مثقال ، أو دينار ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية