فصل : فيما يتغير بفعل الغاصب
قال : ( وإذا زال ملك المغصوب منه عنها وملكها الغاصب وضمنها ، ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها أو حنطة فطحنها ، أو حديدا فاتخذه سيفا ، أو صفرا فعمله آنية ) وهذا [ ص: 403 ] كله عندنا . وقال تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب ، حتى زال اسمها وعظم منافعها رحمه الله : لا ينقطع حق المالك ، وهو رواية عن الشافعي رحمه الله ، غير أنه إذا اختار أخذ الدقيق لا يضمنه النقصان عنده ; لأنه يؤدي إلى الربا ، وعند أبي يوسف رحمه الله : يضمنه . وعن الشافعي رحمه الله : أنه يزول ملكه عنه لكنه يباع في دينه وهو أحق به من الغرماء بعد موته . أبي يوسف رحمه الله : أن العين باق فيبقى على ملكه وتتبعه الصنعة . كما إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة الغير فطحنت ، ولا معتبر بفعله ; لأنه محظور ، فلا يصلح سببا للملك على ما عرف ، فصار كما إذا انعدم الفعل أصلا ، وصار كما إذا ذبح الشاة المغصوبة وسلخها وأربها ، ولنا أنه أحدث صنعة متقومة ، فصير حق المالك هالكا من وجه ، ألا ترى أنه تبدل الاسم ، وفات معظم المقاصد وحقه في الصنعة قائم من كل وجه ، فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه ، ولا يجعله سببا للملك من حيث إنه محظور بل من حيث إنه إحداث الصنعة ، بخلاف الشاة ; لأن اسمها باق بعد الذبح والسلخ وهذا الوجه يشمل الفصول المذكورة ، ويتفرع عليه غيرها فاحفظه . للشافعي
وقوله : ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها استحسان ، والقياس : أن يكون له ذلك وهو قول الحسن رحمهما الله ، وهكذا عن وزفر رحمه الله رواه الفقيه أبي حنيفة أبو الليث رحمه الله ، وجهه ثبوت الملك المطلق للتصرف ، ألا ترى أنه لو وهبه أو باعه جاز .
وجه الاستحسان قوله عليه الصلاة والسلام في الشاة المذبوحة المصلية بغير رضا صاحبها { }أفاد الأمر بالتصدق زوال ملك المالك ، [ ص: 404 ] وحرمة الانتفاع للغاصب قبل الإرضاء ; ولأن في إباحة الانتفاع فتح باب الغصب ، فيحرم قبل الإرضاء حسما لمادة الفساد ، ونفاذ بيعه وهبته مع الحرمة لقيام الملك كما في الملك الفاسد ، وإذا أدى البدل يباح له ; لأن حق المالك صار موفى بالبدل فحصلت مبادلة بالتراضي ، وكذا إذا أبرأه لسقوط حقه به ; وكذا إذا أدى بالقضاء أو ضمنه الحاكم ، أو ضمنه المالك لوجود الرضا منه ; لأنه لا يقضي إلا بطلبه ، وعلى هذا الخلاف إذا غصب حنطة فزرعها أو نواة فغرسها غير أنه عند أطعموها الأسارى رحمه الله : يباح الانتفاع فيهما قبل أداء الضمان لوجود الاستهلاك من كل وجه ، بخلاف ما تقدم لقيام العين فيه من [ ص: 405 ] وجه وفي الحنطة يزرعها لا يتصدق بالفضل عنده خلافا لهما ، وأصله ما تقدم . . أبي يوسف
[ ص: 401 - 403 ]