[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة
ومعناها في اللغة الزيادة من زكا يزكو زكاء بالمد إذا زاد بذاته كالزكاة بصفاته كالإنسان ، وما يقصر معناه الزوج من العدد والفرد . سمي المأخوذ من المال زكاة وإن كان ينقص ; لأنه يزكو في نفسه من الله تعالى لقوله - عليه السلام - : " " ، أو لأنه يزكي المال فحذف من صفته لما في من تصدق بكسب طيب - ولا يقبل الله إلا طيبا - كأنما يضعها في كف الرحمن يربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل أبي داود قال - عليه السلام - : " " ، فإذا لم يخرج كان خبيثا . ولذلك سميت أوساخ الناس ، وفي ذاته بالبركة ، أو لأنه يزكي المأخوذ منه في صفته لقوله تعالى : " ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " ( التوبة : 103 ) والمال المصروف للدار الآخرة فإنه يضاف إليه فيزيد فيه ، وهو المال المعتبر في الحقيقة لقوله تعالى : " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " ( النحل : 96 ) وكان بعض السلف يقول للسائل : مرحبا بمن يوفر مالنا لدارنا ، أو لأنه يؤخذ من الأموال التامة الزاكية بذاتها ، كالحرث والماشية أو [ ص: 6 ] بغيرها كالنقدين .
فالأول من مجاز التشبيه ، والثاني من مجاز إعطاء المسبب المادي ، والثالث من مجاز إعطاء المسبب حكم السبب الغامض . والرابع من مجاز التشبيه إن جعلنا الزيادة حقيقة في الأجسام دون المعاني وإلا فهو حقيقة ، والخامس من مجاز إعطاء المسبب حكم السبب المادي عن حقيقته ، خلاف ما تقدم في الثاني . قال في ( الجواهر ) : من الزكاة معروف المال ، فعلى هذا هي حقيقة ، ويكون اللفظ يشترك بين الزيادة والمعروف . وتسمى صدقة في قوله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " ( التوبة : 103 ) من التصديق .
حقا في قوله تعالى : " وآتوا حقه يوم حصاده " ( الأنعام : 141 ) ; لأن هو الثابت وهو الثابت بوجوبها .
وسميت عفوا في قوله تعالى : " خذ العفو " ( الأعراف : 199 ) ; لأن العفو في اللغة الزيادة أي : الزيادة على الغنى .
قاعدة : الأصل في كثرة الثواب والعقاب أو قلتهما وقد تستوي مصلحة الفعلين من كل وجه ، ويوجب الله تعالى أو عليه ويجعل ثوابه أتم أجرا ، فإن درهما من الزكاة مساو في المصلحة لدرهم من . . . . . . . . . . . . . . . . تعالى إن لم يوجبه لتقاعد الأغنياء عن بر الفقراء فيه فيهلكوا ، وعظم أجره ترغيبا في إكرامه ودفعه .
ومن تفضيل التساوي بين الحج والعمرة والصوم في رمضان ، فإن كان . . . . . أياما من غيره وإن القراءة والأذكار في الفرض أفضل من مثلها في النفل ، وتكبيرة الإحرام مع سائر التكبيرات والأذكار في القرآن إذا قصد بها غير القرآن جازت بغير طهارة ، بل قد يكون النفل أعظم مصلحة من الواجب كالتصدق بشاة سمينة ، والتزكية بدونها ، والتصدق بحقة والتزكية ببنت مخاض مع القطع بأن ثواب الواجب أتم لقوله تعالى : " . ولن يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه
[ ص: 7 ] وهذا الحديث معمول به إذا تساوى الفرض والنفل . أما إذا تفاوتا بالقلة والكثرة مثل التزكية بشاة والتصدق بعشرة الأوساة . . . فيحتمل أن يكون الفرض أفضل ويحتمل العكس ، وفيه مخالفة ظاهر الحديث ، وليس في التزام وبعد كثير ، كما فضل الله تعالى هذه الأمة مع قلة عملها على اليهود والنصارى وسائر الأمم ، والصلاة في المسجدين على الصلاة الكثيرة في سائر المساجد .
تنبيه : وكمل هذه الحكمة بتشريكه بين الأغنياء والفقراء في أعيان الأموال بحسب الإمكان حتى لا تنكسر قلوب الفقراء باختصاص الأغنياء بتلك الأموال . أوجب الله تعالى الزكاة شكرا للنعمة على الأغنياء وسدا لخلة الفقراء
: النقدان والماشية والحرث والتجارة والمعادن والفطر ، ولم يوجبها في غير هذا من نفائس الأموال مع حصول النماء فيها ، والفرق : أن العقار كالأراضي والدور مشتملة على الأموال ركوبه ، فاكتفى بتزكية ما يخرج منها ، فإن الغالب الرفع من النقدين في الأخذ ، ومن الحرث في الأراضي ، وأما الجواهر فلا يملكها إلا قليل من الناس . ومتعلقاتها في الشرع ستة
تمهيد : قال صاحب ( التلقين ) : كل عين جاز بيعها جاز تعلق الزكاة بها ، قالوا : يشكل بالدور والجواهر وغيرها فإنها يجوز بيعها ولا يجوز تعلق الزكاة بها . والجواب أن نقول : كل ما جاز بيعه جاز أن يكون تجارة ، وكل ما جاز أن يكون تجارة جاز تعلق الزكاة به ، ينتج : كل ما جاز بيعه جاز تعلق الزكاة به بالضرورة ، ولم يقل - رحمه الله - وجبت الزكاة فيه ، وإنما قال : جاز تعلق الزكاة به .
[ ص: 8 ] قال صاحب ( المقدمات ) : من جحد وجوبها كفر ، ومن أقر ومنعها ضرب وأخذت منه كرها . فإن امتنع في جماعة وقوة قوتلوا حتى تؤخذ كما فعل - رضي الله عنه - ، وقال الصديق ابن حبيب : من كفر كما قاله في الصلاة . وفي الكتاب أبواب تسعة . اعترف بالوجوب وامتنع