[ ص: 52 ] النظر الرابع : فيمن تجب عليه وفيه بحثان في الأموال المطلقة ، والأموال الموقوفة .
البحث الأول : في الأموال المطلقة وتجب الزكاة في الأموال المطلقة على المال للنصاب عند حصول الشروط وانتفاء الموانع المتقدمة ، ويختلف في اشتراط الإسلام على الخلاف في مخاطبة الكفار في فروع الشريعة وإن لم يختلف في كونه شرطا في الأداء .
وإن لم يتوجه الوجوب عليهم . وتجب الزكاة في أموال الصبيان والمجانين
وقاله : ( ش ) ، خلافا ل ( ح ) في العين والماشية دون الحرث والفطر . وابن حنبل
قاعدة : خطاب الله تعالى قسمان : خطاب تكليف متعلق بأفعال المكلفين ومن ألحق بهم تبعا كالصلاة والصيام ، وخطاب وضع يتعلق بنصب الأسباب والشروط والموانع ، فلا يتوقف على التكليف في محالها كالإتلاف سبب الضمان ، ودوران الحول منه شرط لوجوب الزكاة ، والجنون مانع من العبادة ، بل معناه قول الله تعالى : إذا وقع هذا في الوجود فرتبوا عليه هذا الحكم ، وقد يقع معه التكليف كالزنى سبب الحد ، والطهارة شرط في الصلاة ، والإحرام مانع من الطيب والصيد ، فخطاب الزكاة عند ( ح ) من خطاب التكليف ليسقط عن الصبيان ، وعندنا خطاب وضع ، ويدل عليه ما في الترمذي : قال عليه السلام : ( ) وفي إسناده [ ص: 53 ] ضعف . ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة
وفي ( الموطأ ) عن - رضي الله عنه - : ( اتجروا بأموال اليتامى ، لا تأكلها الزكاة والقياس على نفقات القرابات وقيم المتلفات . عمر بن الخطاب
سؤال : لو كان من خطاب الوضع لما اشترطت فيه النية وقد اشترطت ، جوابه : أن خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف ، ويغلب التكليف كالنذور والكفارات وقد يغلب خطاب الوضع ويكون التكليف تبعا . وها هنا كذلك ، بدليل أخذها من الممتنع منها مع عدم النية ، والنذور لا يقضى بها لغلبة العبادة عليها .
( فرع ) في ( تهذيب الطالب ) قال ابن القاسم : تزكى دون ناضهما لاحتمال الدين . ماشية الأسير والمفقود وزرعهما
البحث الثاني في الأموال الموقوفة : والكلام في هذا الباب يتوقف على بيان الوقف هل ينقل الأملاك والمنافع فقط وتبقى الأعيان على ملك الواقفين ولو ماتوا ؟ فكما يكون لهم آخر الريع بعد الموت يكون لهم ملك الرقبة وهو المشهور ، وحكى بعض العلماء الاتفاق على سقوط الملك من الرقاب في المساجد ، وإنه من باب إسقاط الملك كالعتق . لنا : وجهان : الأول : أن القاعدة مهما أمكن البقاء على موافقة الأصل فعلنا . والقول ببقاء الملك أقرب لموافقة الأصل ، فإن الأصل بقاء الملك على ملك أربابها . الثاني : قوله عليه السلام لعمر - رضي الله عنه - : ( ) يدل على بقاء الأملاك ، وإلا لقال له : سبلها ، ولا حاجة إلى التفصيل ( تفريع ) في ( الجواهر ) : إن كانت نباتا زكيت على ملك واقفها ولا يراعي حصص المستحقين للريع ; لأن ملكهم عليه إنما يثبت بعد القسمة كالمساقاة [ ص: 54 ] للعامل ، وقيل : إن تولاها غيره في التفريق ، وكان الآخرون يستحقون الزكاة ، فلا زكاة فيها لضعف الملك بعدم التصرف كمال العبد ، وإن قلنا بالزكاة على المشهور ، أو لأنهم لا يستحقون أخذ الزكاة ، لا يعتبر النصاب في كل حصة إذا كان الوقف على معينين عند حبس الأصل وسبل الثمرة خلافا سحنون ، والخلاف مبني على أن ملكهم بالظهور فيشترط ، أو بالقسمة فلا يشترط ، قال لابن المواز أبو عمران : وقول محمد خلاف ظاهر ( المدونة ) وأما عين المعينين : فيشترط ; لأنهم لا يملكون إلا بالوصول . وفي ( المقدمات ) اختلف إذا كان الحبس على ولد فلان ، هل يلحقون بالمعينين أم لا ؟ والقولان قائمان من ( المدونة ) في الوصايا . وفي ( الجواهر ) : إن كان الوقف مواشي وقفت لتفرق أعيانها ، فمر الحول قبل التفريق فلا زكاة . وقال ابن القاسم هن مثل الدنانير ، وقال أشهب : إن كانت تفرق على مجهولين فلا زكاة فيها ، وإن كانت على معينين فالزكاة على من بلغت حصته نصابا ، قال محمد : وهذا أحب إلينا ، والمدرك هاهنا : أن يفرق الأعيان أعواضا عن ملك المعطي ، فلا يزكيها على ملكه إذ لا مالك ، وغيره لم يحل الحول بعد القبض فتسقط للزكاة مطلقا ، أو يقال : لما كان المنتقل إليه معينا قدر ملكه ثابتا من أول أعراض الملك ، وقد حال الحول من حينئذ فتجب الزكاة ، وإن وقفت لتفرق أولادها زكيت الأصول ويزكى نسلها عند ابن القاسم إذا كانت على مجهولين ، وبلغ نصابا وحال الحول من يوم الولادة ، وإن كانت على معينين فلا زكاة على من لم يبلغ نصابا ، وأوجبها في المعينين والمجهولين تغليبا للملك الأول ، وإن وقفت لتفرق غلتها من لبن وصوف على معينين أو غير معينين زكيت الأمهات والأولاد على ملك الواقف ، لعد مزاحمة غيره له في الملكية ، وحولهما واحد ، قال صاحب ( المقدمات ) : في العين ثلاثة أقوال : لا تجب فيها حتى تفرق على معينين أو غيرهم وهو معنى ما في ( المدونة ) لعدم تعين النقدين على المذهب . ولا يجب إن كانت تفرق على غير معينين [ ص: 55 ] لعدم قبول الملك . وأعراض الواقف عن ملكه ، وإنما يجب في حصة كل واحد من المعينين ، وهو يتخرج على القول بأن في فائدة العين الزكاة بعد الحول قبل القضاء ، ويجب في جملتها إن كانت تفرق على معينين : تقوية للملك السابق ، وإن فرقت على معينين : ففي حصة كل واحد منهم ; لأن المعين يقبل نقل الملك وهو مخرج أيضا على هذا من حيث الإجمال ، وإن فصلنا ، قلنا : إن كانت تقسم على غير معينين فقيل : يزكي جملتها على ملك المحبس ، وقيل : لا يزكي لإعراضه عن ملكه ، وإن كانت تفرق على معينين : فقيل : لا زكاة ، وقيل : يزكي على ملك المقسم عليهم إن بلغت حصة كل واحد منهم نصابا ، وأما سحنون زكيت على ملك المعطي ، إن كانت جملتها نصابا ، أو إذا أضافه إلى ما في ملكه كان نصابا ، وإن كانت على معينين فثلاثة أقوال : يزكي على ملك الواهب تقوية لملكه في الرقاب كالمساقي الثمرة المتصدق بها أو الموهوبة لعام أو أعوام محصورة إن كانت على المساكين لسحنون ، ولا يخرج الزكاة على قوله حتى يحلف أنه لم يرد تحمل الزكاة من ماله ، ويزكي على ملك الموهوب والمتصدق عليه والمعرى إن كانت حصته نصابا ; لأن الرقبة معهم كالعارية فنشأت الثمرة على أملاكهم ، والتفرقة بين الهبة والصدقة فيزكيان على ملك الآخذين وبين العارية فيزكي على ملك المعري ، قال عبد الحق : وفي الموقوف على المساجد ونحوها خلاف بين المتأخرين ، والصواب : أن لا زكاة لعدم توجه الأمر على الموقوف عليه ، وإن كان الموقوف علينا ليفرق فلا زكاة لخروجها من يد مالكها وبطلت قيمتها ويقبضها من صارت إليه ، وإن وقفت لتسلف زكيت بعد الحول .
النظر الخامس : في الجزء الواجب وهو ربع العشر ، وفي ( الكتاب ) : أن جمع النصاب من النقدين أخرج من كل صنف بحسابه ; لأنه أعدل للفقراء والأغنياء مع قلة الاختلاف ، بخلاف الحبوب لما عظم الاختلاف فيها اعتبر الوسط عدلا بين الفريقين ، قال ابن يونس : له إخراج الذهب على الورق وبالعكس بالقيمة دون الورق ، وقاله : ( ح ) خلافا لـ ( ش ) لحصول المقصود ، وقال ابن حبيب : ما لم تنقص [ ص: 56 ] قيمة الدينار من عشرة دراهم ليلا يبخس الفقراء من القيمة الشرعية ، وإن زادت صح . وقال عبد الوهاب : إنما يخرج على كل دينار عشرة دراهم ، وعن العشرة دينار نظرا إلى الأصل ، وقال : إخراج الورق عن الذهب أصوب ; لأجل التفريق ، قال سحنون : لا تخرج عن الفضة الردية قيمتها دراهم أقل من الوزن ، بل يخرج من عينها أو قيمتها ذهبا ، وكذلك القول في الذهب الرديء ، قال ابن المواز سند : ومنع مالك من إخراج الحب والعرض في ( الكتاب ) وأجازه ابن حبيب إذ رآه أحسن للمساكين ، وفي : قال الدارقطني معاذ لأهل اليمن : ( ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم في الصدقة ، وهو أهون عليكم ، وخير للمهاجرين بالمدينة ) وقد تقدم أن الله تعالى لما أوجب الزكاة شكرا للنعمة على الأغنياء وسدا لخلة الفقراء أوجب الإخراج من أعيان الأموال ليلا تنكسر قلوب الفقراء باختصاص الأغنياء بأعيان الأموال ، وهو مدرك مالك و ( ش ) ، وإنما عدل مالك عن ذلك لشدة قرب أحد النقدين من الآخر ، وفي ( الجواهر ) : إذا أخرج أحد النقدين عن الآخر فعلى الصرف الأول عند الشيخ أبي بكر ، وعلى الحاضر عند ابن القاسم . ويريد بالأول عشرة بدينار ، قال أبو الطاهر : لا يمكن من كسر الدينار السكوك للفقراء إذا وجب عليه بعضه ، فإن كان البعض له سكة تخصه أخرجه إن وجبت جملته . وإن لم تجب ففي كسره قولان مع حصول الاتفاق على منع كسر الدينار ; لأن البعض ليس له حرمة الكل ، وإذا قلنا : يزكى بقيمة بعض الكامل ففي إخراج قيمة السكة قولان : عدم اللزوم لابن حبيب ; لأن السكة لا يكمل بها النصاب واللزوم لابن [ ص: 57 ] القابسي ; لأن المساكين كالشركاء ، قال سند : وإذا زكى الآنية فله كسر جرة منها خلافا لـ ( ش ) وله جزء دفع جزء الجميع شائعا ، وللإمام ما يراه من بيع أو غيره ، وفي ( الكتاب ) : من وجبت عليه الزكاة فلم يخرجها واشترى بها خادما فماتت ، أو فرط حتى ضاع . ضمن الزكاة ، وإن لم يفرط حتى ضاع أو بقي دون النصاب فلا زكاة عليه . قال ابن يونس : قال ابن الحضرمي و ( ش ) : يخرج مما دون النصاب ربع عشره ; لأن الفقراء شركاء فيما بقي ، وقال ( ح ) : لا يضمن إلا أن يكون الإمام طلب منه فامتنع ، ولا يأثم بالتأخير . ولو طلبه المساكين ; لأن له أن يعطي لغيرهم فلا يأثم بمنعهم خلافا لنا ، والفرق عنده أن الإمام وكيل لجملة مصارف الزكاة من جهة الشرع في قبض الجزء ، والمشترك فيها آثم بالتأخير كوكيل الغريم في الدين والمسكين لم يتعين له الحق وليس وكيلا للجملة .
تمهيد : قوله عليه السلام : ( ) لفظة ( في ) تكون للظرفية نحو : زيد في الدار ، وللسبب كقوله عليه السلام : ( ففيها ربع العشر ، ففيها خمسة دراهم ، ففيها شاة ) أي بسبب قتلها تجب مائة من الإبل ; لاستحالة حلول الإبل في النفس المؤمنة ، فإن جعلناها في أحاديث الزكاة للظرفية كان نصيب الفقراء أجزاء في النصاب فيكونون شركاء ، ومقتضاه أن لا يتمكن الغني من الدفع من غير العين المزكاة ، وأن لا يضمن إلا بالتعدي ، وأن يخرج مما بقي ربع العشر ، وإن جعلناها للسببية لم يكونوا شركاء بل وجب لهم على الغني بسبب الملك مثل ربع عشرها ، ومقتضاه : أن يتمكن الغني من الدفع من غير العين المزكاة ، ولا يخرج مما بقي دون النصاب شيئا لانتفاء المسبب قبل التمكن ، [ ص: 58 ] وأن يأثم بالتأخير مطلقا قبل التمكن ; لأن القاعدة ترتيب المسببات على أسبابها فيأثم بعدم الترتيب ، فهذا مثار خلاف العلماء ، قال في النفس المؤمنة مائة من الإبل ابن يونس : قال مالك : ; لأن قبله لم يخرج الواجب عليه فهو باق ، ولو بعث بها حين وجبت لتفرق فسقطت أجزأت ; لأن الله تعالى وكل إليه قسم نصيب الفقراء ، وهلاك نصيب أحد الشريكين بعد القسم منه ، وإن فرعنا على السببية فقد وقع الاتفاق على البراءة لو هلك جملة المال بغير تفريط وهي فيه ، وكذلك إذا أفردت ، قال إن أخرجها قبل الحول فهلكت ضمن إلا أن يكون الإخراج في وقت الإجزاء ابن القاسم : إن وجدها بعد تلف ماله وعليه دين صرفت للفقراء ، ; لأن شأنها مجيء الساعي أو المتصدق ، وروى ولو بعث بصدقة الماشية والحرث مع رسوله ضمن ابن نافع عن مالك أنه إذا أخرج زكاة العين من صندوقه في ناحية بيته ضمنها حتى يخرجها من بيته ، قال أبو محمد : يعني إذا كان شأنه دفعها للإمام ولو كان هو يلي تفريقها لم يضمن والله أعلم .