فصل : فإذا ثبت ما وصفنا من حال التراب في جواز التيمم به فلا بد أن يكون ثم يعلق بيده من غباره فإن لم يعلق بيده غبار لم يجزه ، وقال مستعملا للتراب في أعضاء التيمم أبو حنيفة ومالك يجزئه ، وإن لم يعلق بيده شيء منه حتى لو أجزأه ، استدلالا برواية أمر يده على طين يابس ، أو صخرة ملساء ومسح بها وجهه الأعرج عن ابن الصمة قال : مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فتمسح بجدار ثم تيمم وجهه وذراعيه .
قالوا : " ومعلوم أن الجدار أملس لا غبار عليه ، وروى عبد الرحمن بن أبزى عن [ ص: 242 ] عمار بن ياسر " قالوا : وبالنفخ يزول ما علق باليد من تراب أو غبار ، قالوا : ولأنه قد باشر بيده ما يتيمم به فوجب أن يجزئه قياسا عليه إذا علق بيده شيء منه ، ولأنه مسح أقيم مقام الغسل فلم يكن من شرطه إيصال الطهور إلى العضو ، قياسا على المسح على الخفين . أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيده على الأرض ثم نفخ ومسح بها وجهه وذراعيه
ودليلنا قوله تعالى : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه [ المائدة : 5 ] فأوجب الظاهر أن يكون من الصعيد ممسوحا به في الوجه واليدين ، فإذا لم يعلق باليد شيء منه لم يكن ممسوحا به فلم يجز ، وقال صلى الله عليه وسلم : " وما لا يلاقي محل الطهارة لا يكون طهورا ، ولأنها طهارة عن حدث فوجب أن تفتقر إلى استعمال ما يكون طهورا فيها كالوضوء ، ولأنه ممسوح أبدل من غسل فوجب إيصال الممسوح به إلى محله ، قياسا على مسح الجبائر والخفين في الطهارة ، فوجب أن يفتقر إلى ممسوح به قياسا على مسح الرأس في الوضوء . " وجعل لي التراب طهورا
فأما الجواب عن الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو أن الجدار لا ينفك من الغبار ، وأن الماسح بيده لا يخلو من حصول ذلك فيها ، وذلك مدرك بالمشاهدة ، وأما الجواب عن حديث مسح بالجدار عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في يده فمن وجهين :
أحدهما : أنه نفخ ما يعلق بها من كثير التراب : لأن النفخ لا يذهب جميع ما علق بها من الغبار .
والثاني : أنه إنما ينفخ فكرة حصول الغبار على وجهه لأنه قصد بالتيمم التعليم لعمار : لأنه أراد أن يتيمم لنفسه ، وفي القدر الذي فعله كفاية في التعليم ، وأما قياسهم عليه إذا علق بيده غبار ، فالمعنى فيه أنه جعل مستعملا لما يتطهر به في أعضائه .
وأما الجواب عن قياسهم على المسح على الخفين فيقلب عليهم ، فيقال فوجب أن يكون من شرطه إيصال الطهور إلى محل التطهير كالمسح على الخفين ، ثم المعنى في المسح على الخفين أنه قد أقيم مقام غسل الرجلين فلم يلزم إيصال الماء إلى الرجلين ، وليس كذلك أعضاء التيمم : لأنه لم يستبدل بها غيرها فيجزي تطهيرها والله أعلم .