الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : الماء المستعمل في أمر مستحب

                                                                                                                                            وأما الضرب الثالث من ضروب الماء المستعمل ، وهو ما كان مستعملا في أمر ندب ، كالمستعمل في تجديد الطهارة ، وغسل العيدين والجمعة : لأن الغسل في هذا مندوب إليه وليس بواجب ، فقد اختلف أصحابنا هل يصير الماء فيه مستعملا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يصير مستعملا : لأنه تطهير شرعي فشابه رفع الحدث وضوءا وغسلا ، وهذا قول أبي حنيفة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو ظاهر المذهب أنه طاهر غير مستعمل ، وأنه طاهر مطهر : لأنه لم [ ص: 304 ] يستعمل في تطهير فيسلبه الاستعمال حكم التطهير فتشابه ما استعمل في غسل ثوب أو إناء ، فعلى هذا لو توضأ المحدث مرة ثم جمع ماء المرة في إناء ، ثم توضأ ثانية وجمع ماء الثانية في إناء ، ثم توضأ ثالثة وجمع ماء الثالثة في إناء ، ثم توضأ رابعة وجمع ماء الرابعة في الإناء ، كان ماء الأولى مستعملا : لأن ماء الأولى مستعملا لارتفاع الحدث بها ، وماء الرابعة مطهرا : لأن الشرع وارد بكراهتها ، وفي ماء الثانية والثالثة وجهان : لأن تكرار الوضوء ثلاثا ندب فلو أراق ماء الأولى على ماء الرابعة ، فإن كان ماء الأولى أكثر صار الكل مستعملا ، فإن كان ماء الرابعة أكثر صار الكل مطهرا ، فأما النجاسة إذا غسلها مرارا فهذا على ثلاثة أقسام .

                                                                                                                                            أحدها : أن تزول النجاسة بالمرة الأولى فيكون ماء الأولى مستعملا .

                                                                                                                                            وفي الثانية والثالثة وجهان : لأنها ندب وما زاد على الثلاث مطهر .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تزول النجاسة بماء المرة الثانية فيكون ماء الأولى نجسا ، وماء الثانية مستعملا ، وفي ماء الثالثة وجهان ، وما بعدها مطهر .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن لا تزول النجاسة إلا بماء المرة الثالثة فيكون ماء الأولى والثانية نجسا ، وماء الثالثة مستعملا ، وما بعدها مطهر فأما الجنب إذا اغتسل مرة في ماء قليل ، ثم اغتسل ثانية في ماء قليل كان الماء الأول مستعملا ، والثاني مطهرا : لأن تكرار الثلاث مأثور في الوضوء والنجاسة ، وغير مأثور في غسل الجنابة والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية