مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " والجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب على بلد وغير أمير جائزة وخلف عبد ومسافر كما تجزئ الصلاة في غيرها " .
قال الماوردي : وهذا كما قال .
، ومن أداها من المسلمين بشرائطها انعقدت به ، وذهب صلاة الجمعة لا تفتقر إلى حضور السلطان أبو حنيفة إلى أن الجمعة لا تنعقد إلا بحضور السلطان أو من ينوب عنه من قاض أو شرطي ، وبه قال الحسن ، والأوزاعي ، استدلالا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيمها بنفسه أو بمن يوليه إقامتها من قبله ، وبه جرى العمل في عهده صلى الله عليه وسلم ، وعهد خلفائه رضي الله عنهم ، فكان ذلك بيانا لقوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله قالوا : ولأنه فرض يلزم الكافة لا يقيمه إلا واحد ، فوجب أن لا يقيمه إلا السلطان كالحدود ، قالوا : ولأنه لو استوى السلطان وغيره في جواز إقامتها لاستويا في الاختيار ، وفي إجماعهم على إمامة السلطان أولى دليل على عدم تساويهما في جواز الإمامة .
ودليلنا : قوله صلى الله عليه وسلم صلوا خلف كل بر وفاجر وقيل إن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، صلى بالناس الجمعة والعيد وعثمان ، رضي الله عنه محصور ، ولم يكن حين صلاها إماما ولا أميرا ، وقد أخرج الناس سعيد بن العاص عن المدينة وكان أميرا عليها ، وقدموا أبا موسى الأشعري ، فصلى بهم الجمعة وأخرجوا الوليد بن عقبة عن الكوفة ، وكان أميرا عليها ، وقدموا ابن مسعود ، فصلى بهم الجمعة فكان ذلك إجماعا منهم على جوازها بغير سلطان ، ولأنها عبادة على البدن ، فوجب أن لا تفتقر إقامتها إلى سلطان ، كسائر العبادات من الحج والصلاة .
وأما الجواب عن إقامته صلى الله عليه وسلم بنفسه : فذلك بيان لأفعالها ، لأن البيان إذا وقع بالفعل لم تعتبر فيه صفات الفاعل ، ولو اعتبر كونه سلطانا لاعتبر كونه نبيا .
وقياسهم على الحدود لا يصح ، لما يتخوف من التحامل في الحدود لطلب التشفي ، [ ص: 447 ] وذلك مأمون في الجمعة على أن الجمعة قد استوى في وجوبها الإمام والمأموم وليس كذلك في الحدود .
وأما قولهم إنه لما كانت جمعته أولى دل على أنها لا تصح إلا به : فغلط : لأننا قدمنا جمعته ترجيحا من طريق الأولى ، فلم يدل ذلك على نفي الجواز من غيره .
فإذا تقرر أن إتيانها يصح من غير سلطان فقول الشافعي : " خلف كل أمير " أراد به : الإمام ، وقوله : " أو مأمور " . أراد به من يقيمها بإذن الإمام ، وقوله : " أو متغلب على بلد " . أراد به : الخارجي ومن تغلب على الإمام العادل ، وقوله : " وغير أمير " . أراد به : العامي الذي ليس بإمام ولا نائب عن إمام ولا متغلب عليه .