فصل : فأما الزوال فهو ابتداء هبوط الشمس بعد انتهاء اندفاعها ومعرفته تكون بأن يزيد الظل بعد تناهي مقره : لأن الشمس إذا طلعت كان ظل الشخص طويلا فكلما ارتفعت قصر ظل الشخص حتى تنتهي إلى وسط الفلك ، فيصير الظل يسيرا لا يزيد ولا ينقص ، ثم إن الشمس تميل نحو المغرب هابطة ، فإذا ابتدأت بالهبوط ابتدأ الظل بالزيادة ، فأول ما يبتدئ الظل بالزيادة فهو حينئذ زوال الشمس وقال الشاعر :
هي شمس الضحى إذا انتقلت بعد سير فليس غير الزوال
وأعلم : أن ظل الزوال قد يختلف في الزيادة والنقصان بحسب اختلاف البلدان ، ويتغير بحسب تنقل الأزمان ، فيكون ظل الزوال في البلد المحاذي لقبلة الفلك أقصر منه في غيره ، لأن الشمس فيه قد تسامت الشخص ، حتى قيل فيه أنه لا يبقى للشخص في
مكة ظل وقت الزوال في أطول يوم في السنة ، وهو اليوم السابع من حزيران ، ثم يكون ظل الزوال في الصيف أقل منه في الشتاء ، لأن الشمس في الصيف تعترض وسط الفلك ويكون زوالها في وسطه فيكون الظل أقصر . وفي الشتاء تعترض جانب الفلك ، فيكون زوالها في جانبه ، فيكون الفلك أطول ، وللشمس عند الزوال كالوقفة لإبطاء سيرها في وسط الفلك قال الشاعر :
[ ص: 13 ] فعد بعد تفريق وقد وقفت شمس النهار ولاذ الظل بالعود
فَصْلٌ : فَأَمَّا الزَّوَالُ فَهُوَ ابْتِدَاءُ هُبُوطِ الشَّمْسِ بَعْدَ انْتِهَاءِ انْدِفَاعِهَا وَمَعْرِفَتُهُ تَكُونُ بِأَنْ يَزِيدَ الظِّلُّ بَعْدَ تَنَاهِي مَقَرِّهِ : لِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ كَانَ ظِلُّ الشَّخْصِ طَوِيلًا فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتْ قَصُرَ ظِلُّ الشَّخْصِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى وَسَطِ الْفُلْكِ ، فَيَصِيرُ الظِّلُّ يَسِيرًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ ، ثُمَّ إِنَّ الشَّمْسَ تَمِيلُ نَحْوَ الْمَغْرِبِ هَابِطَةً ، فَإِذَا ابْتَدَأَتْ بِالْهُبُوطِ ابْتَدَأَ الظِّلُّ بِالزِّيَادَةِ ، فَأَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ الظِّلُّ بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ زَوَالُ الشَّمْسِ وَقَالَ الشَّاعِرُ :
هِيَ شَمْسُ الضُّحَى إِذَا انْتَقَلَتْ بَعْدَ سَيْرٍ فَلَيْسَ غَيْرُ الزَّوَالِ
وَأَعْلَمُ : أَنَّ ظِلَّ الزَّوَالِ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ ، وَيَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ تَنَقُّلِ الْأَزْمَانِ ، فَيَكُونُ ظِلُّ الزَّوَالِ فِي الْبَلَدِ الْمُحَاذِي لِقِبْلَةِ الْفَلَكِ أَقْصَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ ، لِأَنَّ الشَّمْسَ فِيهِ قَدْ تَسَامَتِ الشَّخْصَ ، حَتَّى قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلشَّخْصِ فِي
مَكَّةَ ظِلٌّ وَقْتَ الزَّوَالِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ حُزَيْرَانَ ، ثُمَّ يَكُونُ ظِلُّ الزَّوَالِ فِي الصَّيْفِ أَقَلَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ ، لِأَنَّ الشَّمْسَ فِي الصَّيْفِ تَعْتَرِضُ وَسَطَ الْفَلَكِ وَيَكُونُ زَوَالُهَا فِي وَسَطِهِ فَيَكُونُ الظِّلُّ أَقْصَرَ . وَفِي الشِّتَاءِ تَعْتَرِضُ جَانِبَ الْفَلَكِ ، فَيَكُونُ زَوَالُهَا فِي جَانِبِهِ ، فَيَكُونُ الْفَلَكُ أَطْوَلَ ، وَلِلشَّمْسِ عِنْدَ الزَّوَالِ كَالْوَقْفَةِ لِإِبْطَاءِ سَيْرِهَا فِي وَسَطِ الْفَلَكِ قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 13 ] فَعُدْ بَعْدَ تَفْرِيقٍ وَقَدْ وَقَفَتْ شَمْسُ النَّهَارِ وَلَاذَ الظِّلُّ بِالْعُودِ