الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن الزوال معتبر بما وصفنا فالناس ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : بصير قادر على الوصول إلى علم الزوال ، فعليه أن يتوصل إلى علم الزوال بنفسه ، ولا يسعه أن يقلد غيره ، لأنه مما يستوي البصراء فيه فلم يسع بعضهم تقليد بعض ، كالقبلة فإن كان غيما راعى الشمس محتاطا ، فإن بدا له ما يدل على زوالها وإلا تأخى مرور الزمان حتى يتيقن دخول الوقت ، ثم يصلي ، فلو سمع المؤذن لم يسعه تقليده حتى يعلم ذلك بنفسه ، إلا أن يكون المؤذنون عددا في جهات شتى لا يجوز على مثلهم الغلط والتواطؤ ، فهذا مما يقع به العلم ، فيجوز له قبولهم في دخول الوقت ، وقال بعض أصحابنا : يجوز تقليد المؤذن في الوقت إذا كانت السماء مصحية ، ولا يجوز تقليده إذا كانت السماء مغيمة ، قال : لأنه في الصحو يخبر عن نظر ، وفي الغيم يخبر عن اجتهاد ويستوي فيه المخبر والمخبر . والأول مذهب الشافعي : لما استشهدنا به من حال القبلة ، فلو خفي عليه الزوال فاجتهد وصلى ، ثم بان له مصادفة الوقت أو ما بعده أجزأه إما مؤديا في الوقت ، أو قاضيا بعد الوقت ، وإن بان له تقدمه على الوقت لم يجزه وأعاد

                                                                                                                                            فإن قيل : أليس من بان له يقين الخطأ في القبلة لم يلزمه الإعادة في أحد القولين فهلا كان الخاطئ في الوقت مثله ؟ قيل : الفرق بينهما في وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الوصول إلى يقين الوقت ممكن بالصبر إلى يقين دخول الوقت ، وتبين القبلة لا يمكن إلا بالمصير إليها ، فالمصير إلى نفس القبلة غير ممكن

                                                                                                                                            والثاني : أن الخاطئ في الوقت فاعل للصلاة قبل وجوبها فلم يجزه ، والخاطئ في القبلة فاعل لها بعد وجوبها فأجزأه ، ولو لم يبن له بعد الاجتهاد صواب ولا خطأ أجزأه ، ولكن لو ابتدأ بالصلاة شاكا في زوال الشمس لم يجزه ، وإن بان له بعد زوالها ، لأن أداء الصلاة بالشك غير مجزئ

                                                                                                                                            فإن قيل : أليس لو أفطر شاكا في غروب الشمس ثم بان له غروبها أجزأه ، فهلا كان إذا صلى شاكا في زوال الشمس ثم بان له زوالها أجزاه ؟

                                                                                                                                            قيل : الفرق بينهما أن الصائم يكون مفطرا بغروب الشمس ، وإن لم يأكل ، ولا يكون مصليا بدخول الوقت حتى يصلي

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون ضريرا ، أو محبوسا لا يقدر على معرفة الزوال بنفسه ، فهذا يجوز له أن يقلد في دخول الوقت غيره من البصراء الثقات واحترز مع قوله : دخول الوقت ، [ ص: 14 ] كما يجوز له إن كان ضريرا أن يقلد في القبلة بصيرا ، فإن لم يجد بصيرا يقلده في الوقت فاجتهد لنفسه وصلى ، أجزأه إذا لم يبن له بعد ذلك التقدم على الوقت ، فإن قيل : أليس الضرير إذا عدم بصيرا يقلد في القبلة فصلى باجتهاد نفسه لم يجزه وإن أصاب ، فهلا إذا اجتهد لنفسه في الوقت أن لا يجزئه وإن أصاب ؟ قيل : الفرق بينهما أن تعين الوقت معلوم بمرور الزمان فأجزأه لاستواء البصير والضرير فيه ، والقبلة مدركة بحاسة البصر فلم يجزه لاختلاف الضرير والبصير فيه ، والله أعلم

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية