مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : ثم يمسح رأسه ثلاثا ، وأحب أن يتحرى جميع رأسه وصدغيه يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه . قال
الماوردي : وهذا كما قال
nindex.php?page=treesubj&link=53_507مسح الرأس واجب بالكتاب والسنة والإجماع واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=56_510قدر ما يجب مسحه منه على ثلاث مذاهب شتى .
فمذهب
الشافعي أن الواجب منه ما ينطلق اسم المسح عليه ثلاث شعرات فصاعدا .
وقال
مالك : الواجب مسح جميع الرأس ، فإن ترك أكثر من ثلاث شعرات عامدا لم يجزه ، وإن ترك أقل من الثلاث ناسيا أجزأه .
وذهب
المزني إلى مسح جميعه من غير تفصيل .
وعن
أبي حنيفة روايتان :
أحدهما : أن الواجب
nindex.php?page=treesubj&link=54_508مسح الناصية وهو ما بين النزعتين .
والثانية : وهي المشهورة عنه وبها قال
أبو يوسف : إن الواجب مسح ربعه بثلاثة أصابع ، فإن مسح الربع بأقل من ثلاث أصابع أو مسح بثلاث أصابع أقل من الربع لم يجزه ، فحد الممسوح والممسوح به .
[ ص: 115 ] فأما
مالك فاستدل بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم [ المائدة : 6 ] فاقتضى الظاهر أن يمسح جميع ما انطلق عليه اسم الرأس ، وبحديث
عبد الله بن زيد nindex.php?page=hadith&LINKID=920648أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى ما قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ، وبحديث
المقدام بن معد يكرب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920649رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه .
ولأنه أحد الأعضاء الظاهرة فوجب أن يكون استيعابه بالتطهير واجبا كالوجه ؛ ولأن كل موضع كان محلا لفرض المسح تعلق به فرض المسح أصله البعض المتفق عليه .
ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم [ المائدة : 6 ] ومنه دليلان :
أحدهما : أن العرب لا تدخل في الكلام حرفا زائدا إلا بفائدة ، والباء الزائدة قد تدخل في كلامهم لأحد أمرين : إما للإلصاق في الموضع الذي لا يصح الكلام بحذفها ، ولا يتعدى الفعل إلى مفعوله إلا بها كقولهم مررت بزيد ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وليطوفوا بالبيت العتيق [ الحج : 29 ] . لما لم يصح أن يقولوا مررت زيدا ، وليطوفوا البيت كان دخول الباء للإلصاق ، ولتعدي الفعل إلى مفعوله . وإما للتبعيض في الموضع الذي يصح الكلام بحذفها ، وبتعدي الفعل إلى مفعوله بعدها ليكون لزيادتها فائدة .
فلما حسن حذفها من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم [ المائدة : 6 ] لأنه لو قال : " وامسحوا رءوسكم " صلح ، دل على دخولها للتبعيض .
والثاني : أن من عادة العرب في الإيجاز والاختصار إذا أرادوا ذكر كلمة اقتصروا على أول حرف منها اكتفاء به ، عن جميع الكلمة كما قيل في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص أن الكاف من كافي ، والهاء من هادي ، وكما قال الشاعر :
قلت لها قفي فقالت قاف
. أي وقفت ، وكما قال الآخر :
نادوهم أن ألجموا ألا تا فقالوا جميعا كلهم ألا فا
، ومعناه : نادوهم أن ألجموا ألا تركبون ؟ قالوا جميعا ألا فاركبوا .
[ ص: 116 ] وإذا كان هذا من كلامهم كانت الباء التي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وامسحوا برءوسكم [ المائدة : 6 ] مرادا بها بعض رءوسكم لأنها أول حرف من بعض .
والدليل من طريق السنة رواية
ابن سيرين ، عن
المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته أو قال مقدم رأسه وروى
أبو معقل ، عن
أنس بن مالك أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920651رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية ، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة .
ولأن كل ما لو تركه ناسيا في الطهارة فلم يمنع من صحة الطهارة لم يكن من فروض الطهارة كمسح الأذنين .
فأما الآية فقد ذكرنا وجهي دليلنا منها ، فأما حديث
عبد الله بن زيد والمقدام بن معد يكرب فمحمول على الاستحباب بدليل ما رويناه من حديث
المغيرة وأنس ، وأما قياسه فمنتقض بمسح الخفين ؛ لأن كل موضع منه محل لفرض المسح وليس مسح جميعه واجبا .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ، وَأُحِبُّ أَنْ يَتَحَرَّى جَمِيعَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ . قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=53_507مَسْحُ الرَّأْسِ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=56_510قَدْرِ مَا يَجِبُ مَسْحُهُ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثِ مَذَاهِبَ شَتَّى .
فَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ مَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا .
وَقَالَ
مَالَكٌ : الْوَاجِبُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ ، فَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ عَامِدًا لَمْ يُجِزْهُ ، وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّ مِنَ الثَّلَاثِ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ .
وَذَهَبَ
الْمُزَنِيُّ إِلَى مَسْحِ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ .
وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْوَاجِبَ
nindex.php?page=treesubj&link=54_508مَسْحُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ النَّزْعَتَيْنِ .
وَالثَّانِيَةُ : وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ وَبِهَا قَالَ
أَبُو يُوسُفَ : إِنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ رُبُعِهِ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ ، فَإِنْ مَسَحَ الرُّبُعَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَقَلَّ مِنَ الرُّبُعِ لَمْ يُجِزْهُ ، فَحَدُّ الْمَمْسُوحِ وَالْمَمْسُوحِ بِهِ .
[ ص: 115 ] فَأَمَّا
مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ أَنْ يَمْسَحَ جَمِيعَ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ ، وَبِحَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=920648أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى مَا قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ، وَبِحَدِيثِ
الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920649رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ .
وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْتِيعَابُهُ بِالتَّطْهِيرِ وَاجِبًا كَالْوَجْهِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ مَحَلًّا لِفَرْضِ الْمَسْحِ تَعَلَّقَ بِهِ فَرْضُ الْمَسْحِ أَصْلُهُ الْبَعْضُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] وَمِنْهُ دَلِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُدْخِلُ فِي الْكَلَامِ حَرْفًا زَائِدًا إِلَّا بِفَائِدَةٍ ، وَالْبَاءُ الزَّائِدَةُ قَدْ تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا لِلْإِلْصَاقِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَصِحُّ الْكَلَامُ بِحَذْفِهَا ، وَلَا يَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى مَفْعُولِهِ إِلَّا بِهَا كَقَوْلِهِمْ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ الْحَجِّ : 29 ] . لِمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَقُولُوا مَرَرْتُ زَيْدًا ، وَلْيَطَّوَّفُوا الْبَيْتَ كَانَ دُخُولُ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ ، وَلِتَعَدِّي الْفِعْلِ إِلَى مَفْعُولِهِ . وَإِمَّا لِلتَّبْعِيضِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَصِحُّ الْكَلَامُ بِحَذْفِهَا ، وَبِتَعَدِّي الْفِعْلِ إِلَى مَفْعُولِهِ بَعْدَهَا لِيَكُونَ لِزِيَادَتِهَا فَائِدَةٌ .
فَلَمَّا حَسُنَ حَذْفُهَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : " وَامْسَحُوا رُءُوسَكُمْ " صَلَحَ ، دَلَّ عَلَى دُخُولِهَا لِلتَّبْعِيضِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ إِذَا أَرَادُوا ذِكْرَ كَلِمَةٍ اقْتَصَرُوا عَلَى أَوَّلِ حَرْفٍ مِنْهَا اكْتِفَاءً بِهِ ، عَنْ جَمِيعِ الْكَلِمَةِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1كهيعص أَنَّ الْكَافَ مِنْ كَافِي ، وَالْهَاءَ مِنْ هَادِي ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافِ
. أَيْ وَقَفْتُ ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ :
نَادَوْهُمْ أَنْ أَلْجَمُوا أَلَا تَا فَقَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ أَلَا فَا
، وَمَعْنَاهُ : نَادَوْهُمْ أَنْ أَلْجَمُوا أَلَا تَرْكَبُونَ ؟ قَالُوا جَمِيعًا أَلَا فَارْكَبُوا .
[ ص: 116 ] وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ كَانَتِ الْبَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 6 ] مُرَادًا بِهَا بَعْضَ رُءُوسِكُمْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَرْفٍ مِنْ بَعْضٍ .
وَالدَّلِيلُ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ رِوَايَةُ
ابْنِ سِيرِينَ ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَوْ قَالَ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَرَوَى
أَبُو مَعْقِلٍ ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920651رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ .
وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا فِي الطَّهَارَةِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ فُرُوضِ الطَّهَارَةِ كَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ .
فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ دَلِيلِنَا مِنْهَا ، فَأَمَّا حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ وَأَنَسٍ ، وَأَمَّا قِيَاسُهُ فَمُنْتَقَضٌ بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ مَحَلٌّ لِفَرْضِ الْمَسْحِ وَلَيْسَ مَسْحُ جَمِيعِهِ وَاجِبًا .