فصل : استحباب فإذا ثبت أن الفرض في الرأس مسح بعضه وإن قل فالمستحب أن يمسح جميعه لأمرين : مسح جميع الرأس
أحدهما : رواية عبد الله بن زيد والمقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بجميع رأسه .
والثاني : أن يصير باستيعاب مسح رأسه مؤديا بالإجماع فرض ما مسحه ، فإذا أراد مسح رأسه كله مسح بيديه على ما وصفه عبد الله بن زيد فيغمس يده في الماء ويبدأ بمقدم رأسه ويمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ، قال الشافعي : فيمسح جميع رأسه وصدغيه . فمن جعل من أصحابنا قال : إنما أمر بذلك لاستيعاب مسح الرأس . الصدغين من الرأس
ومن لم يجعلهما من الرأس قال : إنما أمر بمسحهما وإن لم يكونا منه ليصير بالمجاورة إليهما مستوفيا لجميع الرأس ، فإذا فعل ذلك فقد استوعب مسح رأسه مرة واحدة ، ويستحب أن يفعل ذلك ثلاثا . وقال أبو حنيفة ومالك : السنة في مسح الرأس مرة واحدة ، وما زاد عن المرة مكروه استدلالا برواية علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة واحدة ولأنه ممسوح في الطهارة فوجب ألا يكون التكرار فيه مسنونا كالتيمم والمسح على الخفين ، ولأن فرض المسح مقصور على بعض الرأس واستيعابه سنة فلم يجز أن يجعل تكرار مسحه سنة ثانية لأن العضو الواحد لا يجتمع فيه سنتان .
وتحريره أنه عضو في الطهارة فلم يجتمع فيه سنتان قياسا على سائر الأعضاء ولأن المسنون في الرأس المسح وفي تكراره خروج عن حد المسح إلى الغسل ، والغسل غير مسنون ، فكذلك ما أدى إليه من غير مسنون ودليلنا رواية تكرار المسح حمران وشقيق بن سلمة عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم ( مسح برأسه ثلاثا ) . وروى عبد الله بن أبي أوفى وأبو [ ص: 118 ] رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه ثلاثا . وروت الربيع بنت معوذ بن عفراء ، ولأنه أحد أعضاء الطهارة فوجب أن يكون التكرار في إيصال الماء إليه مسنونا قياسا على سائر الأعضاء ، ولأن المسح أحد نوعي الوضوء فكان التكرار مسنونا فيه كالغسل . أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين
فأما الجواب عن روايتهم بأنه مسح مرة فهو أنها محمولة على الجواز ، وأحاديثنا على الاستحباب . وأما قياسهم على التيمم والمسح على الخفين فالمعنى فيهما أنها طهارة أسقط فيها المسنون واقتصر على بعض الفرض ، فكأن التكرار أسقط ، وليس كذلك مسح الرأس لأن المسنون معتبر فيه كسائر أعضاء الوضوء .
وأما الجواب عن قولهم : إن العضو الواحد لا يدخله المسنون من وجهين فغلط ، ولا يمتنع ذلك في الوضوء ، ألا ترى أن الوجه فيه سنتان : المضمضة والاستنشاق والتكرار ثلاثا فكذا الرأس ، وأما قولهم : إنه يصير بتكرار المسح مغسولا ففيه جوابان :
أحدهما : أن المكروه هو أن يبتدئ بغسله وهذا لم يبتدأ به ، وإنما أفضى إليه .
والثاني : لا يصير مغسولا ؛ لأن حد الغسل أن يجري الماء بطبعه وذلك لا يكون بتكرار مسحه .